إلى غاية اللحظة لم يقل كلمة واحدة.. محمد السادس يواصل صمته المطبق والمتواطئ أمام مجازر الصهاينة في غزة

بعد أن بلغ عدد ضحايا العدوان الصهيوني على غزة أكثر من 8000 شهيد، تقترب حملة القصف الإسرائيلي على القطاع من الشهر. زمن اعتنق فيه محمد السادس أقصى درجات الصمت. وبينما شجب زعماء عرب آخرون “الإبادة الجماعية” وطالبوا بوقف إطلاق النار، ظل ملك المغرب صامتا، محصورا بين احتجاجات رعاياه تضامنا مع فلسطين وعلاقاته “المميزة مع إسرائيل”.

وفي هذا السياق، أكّد  أبو بكر الجامعي، وهو صحفي ومحلل مغربي يعيش في المنفى منذ عام 2007، لصحيفة “إندبندينتي” الإسبانية أن “التطبيع مع إسرائيل وضع الملك في موقف غير مريح، خاصة وأن الولايات المتحدة تراجعت عن اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”. “وفي أي موضوع لا يصمت الملك؟” يتساءل الجامعي مع القرب الزمني للإدارة المثيرة للجدل للزلزال الذي أودى في سبتمبر بحياة أكثر من 3000 شخص وترك السلطات مشلولة في غياب الملك.

توازن مستحيل

منذ 7 أكتوبر، تحاول الدائرة الملكية المجنونة ممارسة توازن مستحيل. ونددت الأحزاب الحاكمة بالانتقام الإسرائيلي ونسبت هجوم حماس إلى “حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة”. واحتفل الإسلاميون المغاربة، الذين أصبحوا خارج دواليب السلطة وقد أضحت لهم بعض الأريحية في اتخاذ المواقف، “بالعمل البطولي” الذي قامت به حماس، وفي هذا السياق، قالت العدالة والتنمية في بيان لها. “إن مقاومة الاحتلال بكافة أشكاله هي حق مشروع تكفله الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وأن الإرهاب الحقيقي هو الذي يمارسه الاحتلال العنصري الصهيوني بلا انقطاع على مرأى من العالم وبدعم من القوى الرئيسية.”

إنّ الصمت المتعمد لمحمد السادس هو أكثر وضوحا بالمقارنة مع تصريحات زعماء آخرين في العالم العربي. وفي بيان مشترك، حذرت جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي من “إبادة جماعية ذات أبعاد غير مسبوقة” إذا حدث الغزو البري الإسرائيلي، والذي كان مستمراً منذ يوم السبت الماضي. وكان من أوضح المواقف هو ذلك الذي أكده الرئيس تبون في تصريح له بقوله إن “الفلسطينيين ليسوا إرهابيين ولن يكونوا إرهابيين”، مؤكدا أن “من يدافع عن الحق والأرض وعن وطنه ليس إرهابياً”، وأضاف: “للأسف فشل مسار المصالحة الفلسطينية الذي كنا نسعى إليه لأن الشتات الفلسطيني من مصلحة دول أخرى”، مؤكدا أن “ما يحدث في غزة جرائم كاملة الأركان وجـرائم ضدّ الإنسانية”.

اتفاقات أبراهام

وفي عام 2020، قام المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ضمن ما يسمى باتفاقيات أبراهام التي وقعتها أيضا الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان بوساطة إدارة دونالد ترامب الأمريكية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت السلطات المغربية حليفا وثيقا لإسرائيل بين الدول العربية، مع مشاركة الجيش المغاربي في مناورات عسكرية إسرائيلية أو زيارات متبادلة لوفود مسؤولين من البلدين.

من جعته، يوضح المدافع المغربي عن حقوق الإنسان فؤاد عبد المومني لهذه الصحيفة أن “الاستراتيجية تتمثل في الحفاظ على مكاسب كونها أفضل حليف للغرب، وتجنب قدر الإمكان تكاليف الوقوف بشكل واضح ضد إرادة الشارع”. ويضيف: “إن البقاء صامتاً هو جزء من طبيعته الشخصية، ويسمح له بتعظيم المكاسب المحتملة وتقليل الخسائر المحتملة مع الغرب والشارع، مع ترك الأبواب مفتوحة أمام أي تغيير ضروري في التموضع”.

ويعترف أحد المعارضين المغاربة بوضوح بأن اختفاء محمد السادس عن الأضواء يتناقض مع المشاعر الواسعة المعادية لإسرائيل في الرأي العام المغربي. “الملك لا يعرف كيف يخرج من تناقضاته. وإلى هذا يجب أن نضيف الإدارة الكارثية للزلزال والأزمة الاقتصادية.

كما وصل الصمت الملكي إلى مؤسسات أخرى مثل وزارة الشؤون الدينية، التي تجنبت الإشارة إلى أحداث غزة في الخطب الأسبوعية للأئمة في المساجد. وفي طنجة، كانت هناك أيضًا احتجاجات من قبل المغاربة المتأثرين بمطالبات الإسرائيليين من أصل مغربي بمحاولة استعادة الممتلكات التي تركوها وراءهم بعد إنشاء الدولة اليهودية.

وفي محاولة لعكس نبض المواطن، تم تداول رسائل داعمة للكيان الصهيوني على شبكات التواصل الاجتماعي في المملكة. لكن التحقيق كشف أنه قبل وقت قصير من التوقيع على اتفاق التطبيع في ديسمبر 2020، تم إنشاء ما يصل إلى 22 ألف حساب مزيف يدعي أصحابها أنهم مغاربة بهدف الحصول على قبول المجتمع المحلي للاعتراف.

والتعاون بين المغرب والكيان الصهيوني ليس جديدا على الرغم من إقامة علاقات رسمية بين الجانبين مؤخرا. واستخدم الحسن الثاني الخبرة الإسرائيلية في بناء الجدار الذي يبلغ طوله 2720 كيلومترا والذي يفصل بين أراضي الصحراء الغربية التي تحتلها الرباط وتلك التي تحررها جبهة البوليساريو. وفي المقابل تجسست الرباط على اجتماعات الجامعة العربية لصالح تل أبيب. وفي يوليو الماضي، بث الديوان الملكي المغربي رسالة من نتنياهو اعترف فيها بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، وهي مستعمرة إسبانية سابقة وتعتبرها الأمم المتحدة “منطقة غير مستقلة” في انتظار إنهاء الاستعمار. والآن، فإن صور العنف القادمة من الكيان الصهيوني وحدود غزة تضع النظام العلوي في موقف محرج.