المخرج السينمائي محمد العربي بورورو لدزاير توب: “موهبة نبيل عسلي تستحق العالمية… ويجب الاستمرار في تطوير السينما لصناعة نجوم بمعايير ترقى لذائقة الجزائريين وللمصاف الدولية”

حوار: حنان مهدي

 

بداية، كيف تقدم نفسك لقراء دزاير توب؟

 

محمد العربي بورورو، مخرج سينمائي عصامي، خريج كلية الهندسة المدنية بجامعة سكيكدة، غير أن ميولي وشغفي قادني لمجال الإخراج السينمائي، لذلك ولجت هذا العالم الفني وقمت بإخراج العديد من الأفلام التي شرفت الجزائر بالكثير من المحافل الدولية بعد نجاحها بفضل الله عز وجل في اقتناصها جوائز قيمة ومهمة.

 

حدثنا عن أبرز أعمالك باختصار.. وأحبها على قلبك؟ وماهي المعايير التي تعتمد عليها في اختيار أبطال أعمالك!

 

بصراحة، كل أعمالي لها مكانة خاصة في وعزيزة جدا على قلبي، لأن كل فيلم يمثل تجربة فريدة ومجهودًا مختلفًا، لذلك لا أستطيع تفضيل عمل على آخر، فكل مشروع يحمل معه تحدياته الخاصة وإلهامه.. أنا أؤمن أن لكل فيلم رحلة وقصة مختلفة، وهذه التنوعات هي التي تجعلني أشعر بالشغف تجاه كل ما أقدمه.

 

وبخصوص اختيار أبطال أفلامي، طبعا أختارهم بناءً على مدى تناسبهم مع الشخصية المكتوبة وقدرتهم على تجسيدها بصدق. كما أركز على الخبرة، والجاذبية الجماهيرية.. بالإضافة إلى ذلك، دوما تجدني أبحث عن الممثلين الملتزمين والمرنين في التعامل لضمان سلاسة انجاز الأعمال.

 

حظيت بجوائز عدة خلال مسيرتك مم بينها فيلم كلنا ننتمي أو we all belong.. حدثنا عن هذه التجربة؟ وما سر تميزه؟

 

بالطبع أشعر بفخر كبير تجاه الفيلم والجوائز التي حصل عليها.. هذه الجوائز هي اعتراف بجهود الفريق بأكمله وليست مجرد تقدير لشخصي فقط، الأهم بالنسبة لي هو أن الفيلم تمكن من الوصول إلى الجمهور والتأثير فيه، وهذا ما يبعث فيّ في نفسي شعورًا بالإنجاز الحقيقي.. والحقيقة هي أن الجوائز تضيف دافعًا للاستمرار في تقديم أعمال مميزة، لكن تظل ردود أفعال الجمهور هي المعيار الأهم دائمًا.

 

الفيلم يتميز بتناوله موضوع حساس ونادر متلازمة تريشر كولينز، بأسلوب يلامس مشاعر الجمهور.. وما جعل هذا العمل مميزًا هو تصوير الرحلة الإنسانية للشخصية الرئيسية، والصراع الذي تخوضه مع المجتمع ومع نفسها، لقد أردت أن أعكس هذه التجربة بواقعية، لأتيح للجمهور الفرصة للتعاطف مع حالة نادرة، ربما لم يسمع عنها الكثيرون، ولكنها تمثل تجربة إنسانية عميقة.

 

بالإضافة إلى ذلك، كان لاختيار الممثلين، الإخراج، والتصوير السينمائي دور كبير في نجاح الفيلم.. فعلا حرصت على أن يتكامل كل عنصر فني ليخدم القصة ويمنحها عمقًا أكبر، سواء من خلال الزوايا التصويرية، أو الأداء التمثيلي الذي يعكس مشاعر الشخصية بصدق.

 

 ماذا أضافت هذه الجوائز لمسيرتك؟

 

الجوائز التي حصلت عليها أضافت لي الكثير في مسيرتي الفنية، فهي تقدير للعمل الجاد والإبداع الذي أسعى لتقديمه في كل مشروع.. لكن الأهم من ذلك، أنها تحمل مسؤولية أكبر بالنسبة لي فكل جائزة تجعلني أشعر بضرورة العمل على تطوير نفسي والتفوق على ما قدمته سابقًا، والأهم أنها فتحت لي أبوابًا وفرصًا جديدة.

 

السينما رسالة .. ماهي القضايا التي تؤرقك وتشغل بالك وترغب بطرحها عبر أعمالك السينمائية؟

 

كصانع أفلام، السينما بالنسبة لي هي وسيلة للتعبير عن قضايا تؤرقني وتشغل بالي.. أرغب دوما في استكشاف مواضيع الهوية والانتماء، وكيف تؤثر هذه التحديات على الأفراد في مجتمعات تتغير باستمرار؟ العدالة الاجتماعية تشغلني أيضاً، خاصة قضايا الظلم، الفقر، والتهميش التي تعاني منها فئات كثيرة في مجتمعنا.

 

التكنولوجيا وتأثيرها المتسارع على حياتنا اليومية هي قضية أخرى أجدها مهمة، وكيف تغيّر من طبيعة علاقاتنا الإنسانية وخصوصيتنا.. كما أن التغير المناخي والأزمات البيئية تطرح تساؤلات حول مستقبل البشرية واستجابة المجتمعات لها.

 

وأخيراً، الصراعات النفسية الداخلية التي يعيشها الأفراد، سواء كانت بسبب الضغوط الاجتماعية أو التجارب الشخصية، تمثل جزءاً كبيراً من القصص التي أرغب في نقلها عبر السينما.

 

هل تؤمن بأن السينما قادرة على إحداث التغيير في أرض الواقع من خلال الرسائل التي توجهها؟

 

نعم، أؤمن بشدة بأن السينما قادرة على إحداث التغيير في أرض الواقع من خلال الرسائل التي تقدمها، السينما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي أداة قوية للتأثير على الوعي الجماعي وتوجيه النقاش حول قضايا مهمة.. عندما يتعاطف الجمهور مع شخصيات وقصص تمثل تحديات واقعية، فإنهم يرون العالم بعيون مختلفة، وهذا هو بداية التغيير.

 

السينما قادرة على إثارة مشاعر عميقة، فتح الأذهان، وتحفيز الناس على التفكير في قضايا قد لا يلتفتون إليها في حياتهم اليومية.. لذلك، أرى أن السينما لديها القدرة على إحداث فرق حقيقي، سواء من خلال إلهام الأفراد أو حتى تغيير السياسات والمواقف الاجتماعية.

 

كمخرج سينمائي شاب.. بصراحة، كيف ترى واقع السينما الجزائرية؟ ولماذا لا توجد صناعة حقيقية قائمة بحد ذاتها؟

 

بصراحة، السينما الجزائرية تواجه عدة تحديات تحول دون تطورها كصناعة حقيقية، هناك جهود تبذل لدعم هذا القطاع، لكن يمكن ملاحظة بعض الصعوبات.

 

أولاً، غياب لبنية صناعية مستدامة، حيث نلاحظ فترات من الإنتاج الجيد تتبعها فترات ركود، مع قلة دور العرض وصعوبة توزيع الأفلام الجزائرية محلياً، مما يقلل من وصولها للجمهور.. أيضاً، هناك نقص في التأطير الأكاديمي والتدريب السينمائي، وهو ما يجعل الجيل الجديد من المخرجين والفنيين يواجه تحديات كبيرة في تطوير مهاراتهم.

 

ولكن رغم هذه التحديات، لاحظنا في السنوات الأخيرة ظهور أفلام جزائرية مميزة تعكس قضايا معاصرة وتظهر الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها المبدعون في الجزائر.

 

سينما بدون نجوم لا تعتبر سينما حقيقية.. لماذا فشلنا في صناعة نجوم سينما جزائريين مؤثرين فعلا؟

 

هناك عدة أسباب قد تفسر عدم بروز نجوم سينمائيين مؤثرين بالشكل المطلوب.. منها قلة الإنتاج السينمائي المستمر والمتنوع تؤدي إلى محدودية الفرص للممثلين لإبراز مواهبهم وتكرار ظهورهم أمام الجمهور، وهو ما يعزز من بناء “النجم” السينمائي، فالنجوم في صناعة السينما يولدون عبر تراكم الأدوار والظهور المستمر في أفلام ناجحة، وهو ما لم يحدث بانتظام في السينما الجزائرية.

 

ثانياً، ضعف الترويج والتسويق للممثلين وللأفلام الجزائرية نفسها يؤثر سلباً على بروز وجوه مؤثرة.. ففي الصناعات السينمائية الكبرى، يُستثمر في بناء الصورة العامة للنجم من خلال وسائل الإعلام، والمهرجانات، وظهورهم المتكرر في أعمال ناجحة، وهو ما يخلق ارتباطاً بين الجمهور والممثل لهذا النوع من الدعم المؤسساتي والإعلامي محدود في الجزائر.

 

أخيراً، العامل الثقافي يلعب دوراً كذلك، فالجمهور الجزائري يميل أحياناً إلى استهلاك الأفلام الأجنبية أو المسلسلات التلفزيونية بشكل أكبر، مما يصعب على الممثلين الجزائريين أن يصبحوا وجوهاً مؤثرة على نطاق واسع.

 

يوجد قطيعة بين الجمهور الجزائري والسينما عموما.. مالسبب برأيك؟ ومن يتحمل المسؤولية!

 

القطيعة بين الجمهور الجزائري والسينما تعود إلى عدة عوامل. أولاً، تراجع عدد دور العرض السينمائية قلل من فرص الجمهور للذهاب إلى السينما.

 

ثانياً، قلة تنوع وجودة الأفلام المحلية جعلت الجمهور يبحث عن محتوى يعكس واقعه أو يجذبه في أماكن أخرى.

 

ثالثاً، هناك نقص في الترويج والتسويق الجيد للأفلام الجزائرية، ما أدى إلى عدم وصولها للجمهور بشكل كافٍ.

 

كيف نغير هذا الواقع؟ وهل نحن قادرون على طرق أبواب العالمية؟

 

الانتقال إلى العالمية يأتي من تقديم أفكار وقصص تعكس ثقافتنا بصدق وتتميز بجودة التنفيذ، سواء من حيث السيناريو، التصوير، أو الإخراج.. القصص المحلية التي تحمل طابعاً عالمياً تستطيع الوصول للجماهير في مختلف أنحاء العالم.

 

نعم، نحن قادرون على طرق أبواب العالمية، خاصة في عصر العولمة وتوفر منصات البث الرقمي، فالأفلام الناجحة الآن ليست محصورة بالجغرافيا، بل بالقوة الفنية والقدرة على إحداث التأثير.. العمل مع فرق إنتاج عالمية، المشاركة في المهرجانات الكبرى، والتركيز على جودة السيناريو والإخراج يمكن أن يمهد الطريق للوصول إلى جمهور عالمي.

 

نراك اتجهت إلى الإخراج التلفزيوني في مجال إعلام الطفل.. لماذا اتجهت للتلفاز وعالم الطفولة؟

 

الاتجاه إلى الإخراج التلفزيوني في مجال إعلام الطفل جاء من الشعور بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة.. فالأطفال هم المستقبل، وتقديم محتوى يناسبهم ويغذي خيالهم بطريقة إيجابية هو أمر مهم جداً.

 

وعالم الطفولة عموما يحمل الكثير من البراءة والإمكانات الإبداعية لذلك فإن صناعة محتوى للأطفال يعتبر تحدياً رائعاً لأنه يتطلب تقديم قصص جذابة ومفيدة في نفس الوقت، ويتيح الفرصة لتشكيل وعيهم بطريقة تعزز القيم الإيجابية وتدعم تطورهم الفكري والعاطفي.

 

الاتجاه إلى هذا المجال هو محاولة لتقديم تأثير إيجابي من خلال الفن، وإيصال الرسائل التي تساهم في بناء أجيال واعية وقادرة على التفكير النقدي.

 

ماذا تقدم في أعمالك للطفل؟

 

أقدم في أعمالي للأطفال محتوى متنوعًا يجمع بين الترفيه والتعليم، حيث أحرص على تقديم برامج تساعد في تنمية خيال الطفل وتوسيع مداركه، ومن خلال عملي في قناة فور كيدز، أعمل على إنتاج برامج تهدف إلى غرس القيم الإيجابية وتعزيز الفضول والاستكشاف، وتركيزي الأساسي هو أن أخلق تجارب مرحة وملهمة، تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم بطريقة مبتكرة وتفاعلية، بحيث تجمع بين الفائدة والمرح.

 

 لو أتيحت لك الفرصة لاخراج فيلم سينمائي في هوليوود .. ماهو العمل الذي تحلم لو أنك صنعته؟ ولماذا؟

 

لو أتيحت لي الفرصة لإخراج فيلم سينمائي في هوليوود، سيكون العمل الذي أحلم بصنعه مرتبطًا بتقديم قصة عميقة تمزج بين الخيال والتأمل في القيم الإنسانية، لطالما حلمت بإخراج فيلم يستهدف شريحة واسعة، لكنه في الوقت نفسه يحمل رسالة عالمية، مثل فيلم يتناول قصة خيالية ملحمية عن التضحية، الشجاعة، والتغلب على التحديات الشخصية. أحب أن أركز على الشخصيات التي تواجه صراعات داخلية وخارجية، لأن هذه النوعية من القصص لها تأثير قوي على الجمهور، خاصة عندما تمزج بين الخيال والواقع في سرد مميز ومؤثر.

 

اختياري لهذا النوع من العمل يعود إلى إيماني بأن الأفلام السينمائية الكبيرة ليست فقط وسيلة للترفيه، بل فرصة لإلهام الناس وتحفيزهم للتفكير بعمق في معاني الحياة.

 

تبذل الوزارة جهودا حثيثة للنهوض بقطاع السينما كما صرحت مؤخرا الوزيرة في افتتاح مهرجان وهران للفيلم العربي السينمائي.. ما رأيك في تلك الجهود؟

 

أعتقد أن جهود الوزارة للنهوض بقطاع السينما، خاصة في إطار مهرجان وهران للفيلم العربي، هي خطوة مشجعة نحو تطوير هذه الصناعة الحيوية. من المهم أن نرى دعماً حكومياً واضحاً للسينما، ليس فقط من خلال المهرجانات ولكن أيضاً عبر سياسات واستراتيجيات طويلة الأمد تساعد في بناء بنية تحتية قوية للصناعة.

المهرجانات مثل وهران تلعب دوراً كبيراً في تسليط الضوء على المواهب المحلية والعربية، وتعزز التعاون بين صناع الأفلام على مستوى الوطن، لكننا بحاجة إلى أن تكون هذه الجهود مستدامة، مع دعم أكبر للإنتاج السينمائي، وتمكين المواهب الشابة من الوصول إلى الموارد والتدريب، السينما قادرة على أن تكون نافذة للعالم على ثقافتنا، وإذا تم دعمها بالشكل الصحيح، يمكن أن تكون من أهم الصناعات الإبداعية في الجزائر، لذلك ومع الجهود التي تبذلها وزارة الثقافة حاليا أتمنى أن نحقق تقدما مهما.

 

من هو الممثل الجزائري الذي تراه مشروع نجم عالمي لو توفرت له الفرصة الكاملة لابراز موهبته.. لماذا؟

 

أرى أن نبيل عسلي هو مشروع نجم عالمي إذا توفرت له الفرصة الكاملة لإبراز موهبته، نبيل يتمتع بحضور قوي وأداء عفوي ومتنوع.. إذ لديه القدرة على التكيف مع أدوار مختلفة والتعبير عن مشاعر معقدة ببراعة، وما يميزه هو صدقه الفني وقدرته على التواصل مع الجمهور بشكل عميق، سواء في الكوميديا أو الدراما.. أظن أنه لو حصل على الفرص المناسبة في الإنتاجات العالمية، سيكون قادراً على جذب انتباه صناع السينما الدولية والتألق في الساحة العالمية.

 

 

ماهي نوعية الأفلام التي تحب إخراجها؟

 

ليس لدي نوعية معينة من الأفلام التي أحب إخراجها.. لأنني أؤمن أن التنوع في المشاريع يسمح لي باستكشاف أفكار جديدة وتجارب مختلفة، أحب العمل على قصص إنسانية ومواضيع تثير التفكير، لكنني أيضًا مفتوح لأفلام الكوميديا والإثارة والرعب.. كل مشروع يحمل إمكانياته الخاصة، وهذا ما يجعل الإخراج تجربة ممتعة بالنسبة لي.

 

 

تحضر لعمل جديد رفقة وزارة الثقافة .. هل من تفاصيل حول المشروع؟

 

نعم، أعمل على مشروع جديد وهو فيلم سينمائي عنوانه “ثمن البراءة” بدعم من وزارة الثقافة.. الفيلم يحكي قصة مؤثرة جدًا تتناول قضايا إنسانية عميقة، وحرصي شديد على أن يكون العمل رائعًا ومشرفًا يرقى للمعايير.. وقريبا بحول الله سأنطلق بتصويره، وفي الوقت المناسب سأزودكم بتفاصيله لتشويق الجمهور للفيلم.. أؤمن أن القصة والمضمون سيكون لهما تأثير كبير، وأنا متحمس لعرض هذا العمل في المستقبل بحول الله.

 

ومن هذا المنبر أعبر عن تقديري لوزارة الثقافة على دعمها السخي والدائم للإنتاج السينمائي الوطني.. هذا الدعم يعكس حرصها على تعزيز الإبداع وتمكين صناع الأفلام من تقديم أعمال تليق بالجمهور، وتساهم في إثراء المشهد الثقافي في بلادنا.

 

 

كلمة أخيرة لقراء دزاير توب؟

 

أقدم شكري لقراء دزاير توب على دعمهم واهتمامهم.. وتفاعلهم مع المحتوى الفني والثقافي هو دافع كبير لنا للمضي والاستمرارقدما، وأتمنى أن نواصل في تقديم أعمال تليق بتطلعاتهم.