في رثاء سيد المقاومة… سيد حسن نصر الله … بقلم د. هناء سعادة
بقلم: د. هناء سعادة
في زمن عزّ فيه القادة، وترنحت فيه الأوطان تحت وطأة الاستبداد والغزو، وقف سيد المقاومة، سيد حسن نصر الله، كرمز استثنائي ورجل لا يتكرر. رجل عاش للدفاع عن الأمة، وللذود عن الكرامة، ولتحرير الأرض من قيود الاحتلال والظلم. كان سيد حسن نصر الله أكثر من مجرد قائد سياسي أو زعيم عسكري، بل كان صوت الضمير العربي والإسلامي، رمز العزة والشرف والمقاومة، ومثالًا حيًا على أن الإرادة المتسلحة بالإيمان تستطيع أن تتحدى أعظم الجيوش وأكثرها بطشًا.
في اللحظات التي كانت فيها الأمة تتعرض لأبشع الاعتداءات، وقف سيد نصر الله شامخًا ليعيد للأمة العربية والإسلامية مكانتها، ليس فقط بالكلمات، بل بالانتصارات الموعودة التي قلبت معادلات الصراع في المنطقة. الرجل الذي أطل على شاشات التلفزيون مرارًا ليطمئن شعبه ويثير فيهم روح المقاومة والثبات، كان يتحدث بثقة القائد الذي يعرف دربه، ويؤمن بنصره. لم يكن مجرد زعيم يوجه المقاومين عن بعد، بل كان دائمًا في قلب المعركة، قريبًا من رجاله، يحيا بين الشهادة والنصر.
على مدار عقود من الزمن، قاد سيد حسن نصر الله المقاومة اللبنانية إلى انتصارات تاريخية على العدو الصهيوني. وفي حرب يوليو 2006، أثبت أن المقاومة ليست مجرد خيار، بل هي طريق النصر والتحرير. كلماته في تلك الحرب ظلت محفورة في ذاكرة كل عربي ومسلم: “كما وعدتكم بالنصر، أعدكم بالنصر مجددًا”. وقد وفّى بوعده عندما أجبر الاحتلال الصهيوني على التراجع، ليعيد للمقاومة مجدها ويؤكد أن الحق لا يضيع طالما هناك رجال أمثاله يحملونه بأيديهم، ويضحون من أجله بأرواحهم.
سيد حسن نصر الله لم يكن فقط قائدًا عسكريًا أو خطيبًا مفوهًا، بل كان أيضًا رجلًا حكيمًا، ذا رؤية سياسية ثاقبة. بفضل قيادته، استطاعت المقاومة في لبنان أن تتفوق على كل المحاولات الرامية إلى تقويضها أو حصارها. في وقت كانت فيه بعض الأنظمة العربية تغرق في التبعية والانحياز للعدو، كان سيد المقاومة يجسد بصلابة موقفه العزة والكرامة والرفض القاطع لكل أشكال التطبيع والخنوع.
لقد علّم نصر الله أجيالًا أن المقاومة ليست مجرد خيار سياسي، بل هي عقيدة وإيمان، وأن تحرير الأرض ليس مرتبطًا بقوة العدو بل بالإرادة والإيمان. هو الذي قال: “إننا أمة لا تخاف الموت، بل تتطلع إلى الشهادة”، لتصبح هذه الكلمات نبراسًا يهتدي به كل من سار في درب الحرية والنضال.
في رثاء سيد حسن نصر الله، لا يمكن الحديث عنه دون استذكار القيم التي جسدها طوال حياته. هذا الرجل الذي عاش متواضعًا بين الناس، مقدامًا في المعركة، مدافعًا شرسًا عن قضيته، ومؤمنًا بقدرة الأمة على تجاوز محنها. كان يعلم أن النصر يحتاج إلى صبر وثبات، وأن المقاومة ليست لحظة بل مسيرة طويلة مليئة بالتحديات، لكنه لم يكن يومًا مترددًا أو مهتزًا في مواجهة الصعاب.
سيد حسن نصر الله لم يكن قائدًا عابرًا في تاريخ الأمة، بل هو أسطورة حية خلدتها بطولاته وإنجازاته. اليوم، ونحن نودع هذا القائد العظيم، نتذكر أنه لم يكن يومًا يطمح إلى المجد الشخصي أو السلطة، بل عاش من أجل قضية أسمى: تحرير الأرض من الاحتلال، وإعلاء كلمة الحق في مواجهة الظلم.
لن تكون شهادة سيد المقاومة ‘أبا هادي’ نهاية للمقاومة، بل ستظل روحه تتوهج في قلب كل مقاوم، وفي نفس كل من يناضل من أجل حريته وكرامته. سيبقى اسمه رمزًا للثبات والشجاعة، وإرثه حيًا في كل معركة يخوضها المقاومون ضد طغاة كل عصر. رحم الله سيد المقاومة، وألهم الأمة من بعده الصبر والإصرار على إكمال الطريق الذي خطّه بدماء الشهداء وبصموده الأسطوري.
يا سيدَ المقاومةِ، عهدُك باقي
بروحِ الصمودِ ودمِ الفداء
سنمضي على دربِك رغمَ العواصفِ
وكما قلتَ، باسمه تعالى
قطعًا سننتصر