ترامب والشرق الأوسط.. تغييرات عميقة في السياسة الخارجية الأمريكية بحلول 2025.. بقلم: حنان مهدي

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بتاريخ 20 جانفي المقبل، يقترب العالم من دخول مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط، فترامب المعروف بمواقفه غير التقليدية ونهجه القائم على الصفقات والمصالح المباشرة، يُنتظر أن يعيد تشكيل السياسات التي انتهجتها إدارته الأولى والتي أثارت الكثير من الجدل داخليا وخارجيا.

 

ويعتبر الملف الإيراني من أبرز القضايا التي ستحدد ملامح سياسة ترامب في المنطقة، فخلال ولايته الأولى انسحب ترامب من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران، وهو ما أدى إلى توتر كبير في الخليج وتصاعد المواجهات غير المباشرة بين إيران وحلفاء واشنطن.

 

وفي ولايته الجديدة، من المرجح أن يتبنى ترامب استراتيجية أكثر صرامة، قد تشمل تشديد العقوبات الاقتصادية أو تعزيز التعاون العسكري مع دول الخليج لاحتواء النفوذ الإيراني، ومع ذلك، تبقى التساؤلات قائمة حول ما إذا كان سيستخدم القوة العسكرية بشكل مباشر إذا تصاعدت التوترات السياسية.. إلا أن هذ الخيار يظل محل جدل باعتبار أن سياسته تميل دوما إلى محاولة الحد من الخيارات العسكرية.

 

أما عن ملف القضية الفلسطينية الشائك وهي القضية الأصعب على مر التاريخ، فمنذ بداية ولايته الأولى عرف دونالد ترامب بدعمه اللامحدود للكيان الصهيوني، وكان قد اتخذ خطوات جريئة كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو ما أثار موجة من الاحتجاجات الواسعة في العالم العربي والإسلامي، فضلا عن طرحه لما سُمّي بـ”صفقة القرن” التي لاقت رفضا فلسطينيا شديدا بسبب ميلها لصالح الكيان الصهيوني وتجاهل حقوق الفلسطينيين.

 

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يتوقع البعض أن يعيد إحياء هذه الصفقة مجددا أو أن يقدم نسخة معدلة منها، إلا أنه قد يواجه تحديات أكبر في ظل الوضع الراهن، حيث الكيان الصهيوني تحت ضغوط دولية كبيرة بسبب المجازر المستمرة التي يرتكبها في الأراضي الفلسطينية.

 

وبخصوص السياسة المنتهجة مع دول الخليج التي تعد من الشركاء الأساسيين لترامب خلال ولايته الأولى، حيث عمل على تعزيز العلاقات معهم عبر صفقات تسليح ضخمة ودعم سياسي في قضايا إقليمية، يُتوقع أن يستمر هذا النهج مع إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والعسكرية.. كما قد يعيد ترامب الضغط على هذه الدول لتحمل جزء أكبر من تكاليف الدفاع المشترك، وذلك في إطار استراتيجيته أمريكا أولا.

 

وفي سياق متصل وخلال عهدته الأولى اتبع ترامب سياسة تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث خفض عدد القوات في أفغانستان وسوريا، ففي عام 2020 أعلن عن سحب نحو 12000 جندي من ألمانيا مؤكدا عزمه على تقليص التدخلات العسكرية المكلفة.. ولكن مع تزايد حدة الصراعات، فإن هناك مؤشرات على أن ترامب قد يعيد النظر في هذه السياسات خصوصا في سوريا.

 

وفي العراق حيث بلغ عدد القوات الأمريكية نحو 2500 جندي في 2021، سيظل الصراع بين واشنطن وطهران مستمرا وقد يسعى ترامب إلى تعزيز النفوذ الأمريكي عبر دعم الحكومة العراقية في مواجهة الميليشيات المدعومة من إيران.

 

وأما بالنسبة لليمن، يمكن أن يعزز ترامب دعمه لدول الخليج، سواء من خلال حسم عسكري أو دفع الأطراف المتنازعة نحو اتفاق سياسي يضمن مصالح الولايات المتحدة ويعزز من استقرار المنطقة في مواجهة إيران.

 

وفيما يخص قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان فإن ترامب لم يكن من المدافعين عنها يوما، لذلك وفي ولايته الجديدة من المرجح أن تتراجع هذه القضايا لصالح المصالح الاقتصادية والاستراتيجية.

 

إن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعني أن الشرق الأوسط سيشهد مرحلة جديدة من التحولات الجوهرية مع تركيز أكبر على المصالح الأمريكية المباشرة ودعم أقوى لحلفاء واشنطن التقليديين، ومواجهة أكثر صرامة للنفوذ الإيراني والصيني.. إلا أن هذه السياسات قد تزيد من تعقيد المشهد الإقليمي وتجعل المنطقة أكثر عرضة للتوترات والصراعات المسلحة.. لذلك فالسؤال يظل مطروحا: هل ستساهم عودة ترامب في استقرار الشرق الأوسط أم ستؤدي إلى مزيد من الصراعات؟

 

حنان مهدي