تلقّى نظام المخزن ضربة جديدة هي أشبه بالطعنة منها إلى الصفعة، من مثل تلك الصفعات المدوية التي لا يكاد يمر شهر حتى يسمع طنينها في أذنيه، وهو يشاهد بأم عينيه مسؤولين في حكومة دولة جنوب السودان يلتقطون الصور في جلسة حميمية مليئة بالبهجة والسرور مع أعضاء في حكومة الجمهورية الصحراوية يتقدمهم وزير الخارجية، محمد سالم ولد السالك.
لا يشبه اعتراف جنوب السودان بالصحراء الغربية غيره من الاعترافات المتكررة مؤخرا ومن الجوانب الأربعة للمعمورة، وفي قاراتها الخمس، فبعد اعتراف تونس وكينيا واستئناف البيرو لعلاقاتها مع الصحراء الغربية، جاء اعتراف جنوب السودان ليضيف معايير جديدة وغير مسبوقة للاعتراف، بل وغير متوقعة من نظام المخزن، الذي زار ملكه محمد السادس في 2017 هذه الدولة الحليفة للكيان الصهيوني، وقدم لها منحة من 5 ملايين دولار كمساعدة مالية لتمويل مشاريع تنموية بعاصمتها.
عادة تأتي الضربة غير المتوقعة من الخلف وتحديدا في الظهر، وهذا ما حدث لنظام المخزن الذي لم بكن ليتوقع أن “يغدر به” صديق صديقه الذي “وقف معه” في محنته، لكن هذا ما حدث بالفعل، رغم أنه غير منطقي ولا يمكن تصوره بأي حال من الأحوال، فجنوب السودان بعد إعلان استقلاله عن السودان مباشرة، في 10 جويلية 2011، كان أول من اعترف به هو الكيان الصهيوني الذي ما فتئ بعد هذا التاريخ يمده بالمساعدات المادية والتقنية والتدريبية في جميع الميادين، وأقام معه علاقات اقتصادية ممتدة ومتشعبة.
لقد حار محللون سياسيون في أمرهم مما يحدث، وهم يفككون المشهد الغريب، وراحوا يتساءلون في ذهول: “ما الذي يمكن للجزائر أو حتى لجبهة البوليساريو أن يقدماه لجنوب السودان أمام ما حصلوا عليه من مساعدات سخية وامتيازات وفيرة من إسرائيل التي كانت حريصة على استقلاله بنفس حرصها على اغتصاب الأراضي الفلسطينية من أصحابها؟”، وما يلبث هذا السؤال أن يتبخر أمام عدم وجود مجال للمقارنة، ليبقى الجواب المعقول هو أن إسرائيل لم يعد لها نفع بالنسبة لجنوب السودان كما في السابق، وربما أخلفت الكثير من وعودها بإخراجه من أزماته التنموية والسياسية التي يعيشها، وهو ما لم يحدث إلى الآن.
ثم وبعد هذا المأزق المنطقي يتشعب تفكير المحللين والإعلاميين المغاربة: “إذا كان هذا ما حدث مع حليف استراتيجي ومهم لإسرائيل في منطقة حيوية بالنسبة لها مقارنة مع المغرب البعيدة عن مجالها الحيوي، فما الحال مع حليف مستجد لم يمرّ على تطبيعه معه أكثر من عام؟”، إن هاجسا كهذا سرعان ما كشف الوعود الزائفة التي كان الكيان الصهيوني ولا يزال يُسمعها لنظام المخزن ويُنومه في عسلها، يُمنّيه بوقوف أمريكا –حليفته- إلى جانبه، ومساعدتها له في قضية الصحراء بموقف أشد وضوحا من موقف ترامب الملتبس والضبابي، الذي لم يكتمل حتى يُطعم المخزن من جوع ويُؤمّنه من خوف، فهو لا يسمن ولا يغني، ولكن يا هل ترى بعد كل ما حدث لجنوب السودان الذي أفاق من حلمه المخملي على كابوس من واقع تعيس، ستصدُق مزاعم الكيان ووعوده الأشبه بالأوهام؟
لقد بات في حكم المؤكد أن من يبيع شرفه من أجل اغتصاب حقوق الآخرين سيصبح حاله كحال الطماع الذي يصدق الكذاب ويستمر في تتبع أوهامه، وفي النهاية سيفقد شرفه ولن يجني سوى العار والمذلة والهوان، ويكتشف أن الحلف كان مجرّد زواج متعة يشبه العلاقة العابرة والعابثة، وهذا عين ما يحدث لنظام المخزن مع كيان الصهاينة.
أحمد عاشور