كانت الخدمة الوطنية، بأهدافها السامية، ولا تزال منذ تأسيسها، مدرسة لصنع الرجال، إذ سمحت للملايين من شباب الجزائر من أجيال الاستقلال بالمشاركة في مسيرة البلاد وإعدادهم باستمرار للمساهمة في الدفاع عن حياضها متى اقتضت الضرورة ذلك.
لقد راهنت الأمة على شبابها حينما تم سن قانون الخدمة الوطنية قبل 55 سنة خلت، مثلما راهنت عليه في فترة عصيبة من تاريخها لطرد المستعمر من البلاد، ولم يراودها أدنى شك ولو للحظة في قدرة شبابنا على مواجهة تحديات كبرى، كان رفعها نظريا من قبيل المستحيل، بالنظر إلى الإرث الثقيل الذي خلفه احتلال غاشم عاث في بلادنا فسادا لأكثر من 130 سنة، بل بالعكس أيقن الجميع أن الشباب الجزائري المرتبط بشدة بوطنه قادر على الشروع في مسيرة بناء الوطن عن جدارة والمضي به نحو الأفضل، وتأكد ذلك بعد سنوات قليلة حينما اتضحت معالم دولة سلكت طريقها نحو تنمية شاملة مباشرة بعد أن استعادت سيادتها إثر ثورة عظيمة، وعقدت العزم مجددا على تحرير الإنسان بعد أن حررت الأرض.
ومن ثم، وقف الخاص والعام على تلك القفزة النوعية التي خطتها الجزائر المستقلة، بعد إطلاق مشاريع استراتيجية ضخمة على غرار السد الأخضر وطريق الوحدة الإفريقية والمنشآت المختلفة، التي لا تزال شاهدة إلى اليوم على العمل الجبار المنجز في قطاعات عديدة، بسواعد شباب الخدمة الوطنية في عديد ولايات الوطن، مثلما شاركوا في الدفاع عن سيادة ووحدة التراب الوطني ووقفوا جنبا إلى جنب مع باقي مكونات الجيش الوطني الشعبي سدا منيعا ضد الإرهاب الهمجي، حينما كانت الدولة مستهدفة في وجودها وفي أسسها.
وبعد 54 سنة على التحاق أول دفعة لشبابنا بصفوف الخدمة الوطنية في أفريل 1969 ، وفي وقت لا يزال شبابنا يساهم في مسيرة الجيش الوطني الشعبي بفعالية، كل في موقعه، وبما يعزز الرابطة القوية الكامنة بين الشعب وجيشه، فإن الشباب الجزائري اليوم، المتسلح بالعلم والمعرفة والاحترافية، قادر على رفع التحدي مرة أخرى، مستلهما من صنيع شباب فجر أعظم ثورة في القرن العشرين وشباب الاستقلال الذي حمل على عاتقه، فضلا عن المساهمة في الدفاع عن حرمة التراب الوطني مهمة إعادة الوجه الحقيقي لجزائر كلها إرادة وعزيمة على تجاوز تبعات الماضي الاستعماري الأليم.
والأكيد أن شباب اليوم الذي يشكل النسبة الغالبة للشعب الجزائري، كله ثقة بقدراته ومؤهلاته وكفاءاته، سيرفع سقف طموحاته عاليا، في ظل التحديات الكبيرة التي يفرضها عالم اليوم، والارادة الكبيرة التي تحدو الشعب الجزائري لأن تحتل بلادنا في المستقبل المنظور المكانة المستحقة لها في مصاف الدول القوية، وهو ما أكده السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني في أكثر من مناسبة، سيما ما تضمنته الرسالة التي وجهها إلى الشعب الجزائري بمناسبة الذكرى 61 لعيد النصر، حيث قال في هذا الصدد “أجدد في هذا المقام عزمنا على بناء جزائر قوية بإعادة الاعتبار لقيمة الجهد والعمل وتثبيت ركائز أمنها القومي (…) ما حققناه معا هو حصاد تمسكنا بوحدة الصف وسهرنا على تكاتف الجهود”.
ومما سبق، فإن كسب كل التحديات يقتضي بالضرورة أن يعي شبابنا ما يجري في العالم من حولنا، وبالتالي يتعين عليه في الوقت الراهن كسب معركة الوعي، على أساس أنها تعد “أخطر المعارك على الإطلاق”، مثلما سبق أن أكده السيد الفريق أول السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي مخاطبا إطارات وأفراد الجيش الوطني الشعبي ومن خلالهم الشباب الجزائري، قائلا: “إنني على قناعة تامة بأن لكل جيل معركته، فإذا كانت معركة أجدادكم وآبائكم هي تحرير الأرض من براثن الاستعمار، وإذا كانت معركة زملائكم وإخوانكم هي التصدي لآفة الإرهاب الهمجي فإن معركتكم أنتم شباب الجيش الوطني الشعبي، ومن خلالكم شباب الجزائر قاطبة هي مواصلة المسيرة والحفاظ على استقلال الوطن وسيادته، وهي معركة وعي بامتياز.
أخيرا، وفي وقت تحرز فيه الجزائر تقدما، بخطى ثابتة، في مسار بناء الجزائر الجديدة بمساهمة بناتها وأبنائها، فإن الشباب الجزائري اليوم سيتمكن من كسب المعركة الجديدة مهما عظمت، مثلما فعل سليله بالأمس عندما تصدى لكل الصعاب والمحن.
صحيح أن السياقات والظروف تختلف عما كانت عليه في الماضي، لكن فهم طبيعة المعركة يعد إنتصارا في حد ذاته، وقد عبر السيد الفريق أول عن هذا التوجه الوطني الخالص حينما حث شبابنا على “التسلح بالوعي الدائم والعلم النافع والعمل المخلص ورص الصفوف من أجل كسب هذه المعركة حتى يكونوا في مستوى ثقة شعبهم وفي مستوى متطلبات الحفاظ على وديعة شهداء الثورة وشهداء الواجب الوطني”.