الرئيسية / اقلام دزاير

الأدباء المبدعون بين الثقافة والصحافة بقلم صبحة بغورة

حجم الخط : +-

بين عوالم الصحافة المثيرة المكتوبة والمرئية والمسموعة والفضاء الثقافي الواسع والمتنوع برز الإعلام الثقافي مواكبا للتحولات السياسية العميقة التي خلفت وراءها الكاتب العربي وحيدا، لم يعد صحفيا مستقلا بذاته كمبدع، ولم يبق مثقفا حاملا لمشروع حداثي ورسالة مجتمعية.

هل لم يعد متاحا إيجاد فضاء إعلامي يلقي الضوء واسعا على التعريف الوافي بالأدباء وبسيرة الكتّاب ويهتم بإبراز تجاربهم الإبداعية ويتناول أعمالهم نشرا وتحليلا ونقدا.

وهل لم يعد ممكنا اتخاذ مقياس لفهم طبيعة تحولات المسألة الثقافية وتحديد اتجاهاتها الحديثة.

وهل لم يعد مقبولا أن يبق الإعلام بعيدا عن التفاعل الإيجابي مع مشاريع الأنظمة السياسية وعن دعمها، وإلا تعرضت كل مؤسسة إعلامية تقدم دورا ثقافيا محدودا ومحددا للتهميش وللتوقف.

الكثير من المتشائمين يرون أن وسائل الإعلام تركت الكاتب وحيدا معتمدا على إمكاناته الخاصة واهتمت بالشأن السياسي فتعاملت مع الكاتب كتابع سياسي، وكرست صحف الأحزاب هذا التوجه غير المطمئن،وأنه حين استحد ثت الثقافة الحزبية لأغراض سياسية على حساب الثقافة السياسية لجأ الكاتب للمواقع الإلكترونية. لقد ضاق مجال النشر الثقافي وهامش الإبداع الأدبي بعدما صار الفعل الثقافي مرتبط بالإيديولوجية السياسية وتحول إلى مروج لها ،وطبيعي أن يكون مجاله الحيوي الجديد هو الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، وساعد في ترسيخ هذا الوضع حالة الفوضى بسبب غموض الخطاب السياسي وإصابة الخطاب الثقافي تبعا لذلك بالاضطراب و بالضبابية ، وكذلك تعرض مجال النشر للتعثر حيث سيطرت اعتبارات الولاء والانتماء على اعتبارات الإبداع الأدبي بعدما غاب الاحتكام إلى معايير الجودة ، وبعدما نحت الصفحات الثقافية والفقرات التلفزيونية المتخصصة منحى الخبر الصحفي بدلا من نشر إبداعات المثقفين والدراسات النقدية والتحليلية.

 

ولكن في المقابل يرى البعض أن مجال الصحافة هو عالم مجاور للكتابة الأدبية، وأن للصحافة فضل كبير في تسليط الضوء على النصوص الأدبية وعلى الفعاليات الثقافية، والواقع أن للصحافة دورا في جعل الكاتب إما نجما جماهيريا مضيئا أو أن تتغاضى عنه فيقبع في ركن مظلم، وعليه يبدو الوضع قاتما بعدما أصبحت الصحافة الثقافية تعيش أزماتها بسبب التصحر الثقافي وتراجع الحراك الفكري والثقافي، هذا برغم بزوغ بعض التجارب الجادة والحقيقية ولكن على استحياء في المشهدين الثقافي والإعلامي تعكس وجود محاولات محتشمة تريد أن تعمل بفعالية،لذا تجد الصفحات الثقافية نفسها مكتفية بنشر المتاح في مناخ يفتقد إلى الزوايا النقدية البنّاءة، وإجحام الإصدارات عن اكتشاف المواهب المبدعة وتقديمها، والمتفق عليه هو أنه يجب انتظار صحافة ثقافية تلعب دورا تنويريا وحقيقيا أوسع شمولا وأنضج فكرا و أكثر عمقا.

 

وسائل الإعلام اليوم الورقية منها والإلكترونية تعد من الأدوات الثقافية الهامة لأنها تشكل وسيلة في الحصول على الثقافة والاطلاع على جميع أشكال الإبداع لإثراء الزاد الثقافي لدى المواطنين وإكسابهم الخبرة الثقافية، ومن هنا تبرز مسؤولية وسائل الإعلام في توصيل ونشر الثقافة وفي التأثير في قرائها وعلى اهتمام المتتبعين لما تنشر بحكم سهولة اتصالها اليومي السريع بكل أطياف الشعب وعلى نطاق واسع، وكذلك بحكم اعتبارها وسيلة إعلامية مهمة بالنسبة للقارئ تتيح له فرصة قراءة الأخبار بتمعن وهدوء وتتبع أهم الأحداث من أي مكان وفي أي زمان، وهي بذلك تساهم في تشكيل الرأي العام سواء من خلال ما تقدمه من الأخبار أو تفيد به من المعلومات الثقافية، وعلى ذلك غلب عالم الصحافة في مجال الكتابة على عالم الثقافة، وللأسف غالبا ما كانت واجبات المهنة مفروضة بشكل أكثر إلحاحا على حساب متعة الهواية والموهبة فحدث أن تسربت نصوصا إبداعية كثيرة في صلب ومضمون المقالات الصحفية ،وعادة ما نجد المبدع الأدبي عندما يمتهن الصحافة تفقده هذه المهنة بعض من موهبته الأدبية، ومع ذلك هناك من يؤكد أن مجال الصحافة أكثر شمولية في تغطية الحقول المتنوعة في الحياة ، وأن مسار الكتابة الإبداعية يتكامل مع العمل الصحفي، باعتبار أن اللغة هي مادتها، وأن الإنسان وحياته بكل مستوياتهاهما المجال الحيوي لكل منهما.

 

يرى بعض المتشائمين أن تسييس المجتمع وانصراف شبابه عن مصادر المعرفة وتفضيله التوجه المحموم للارتماء في أحضان مصادر الثراء السريع قد حول المجتمع إلى وسط غير معرفي وغير منتج للأفكار لذلك لم يكن من الممكن أن تحتل الثقافة الواجهة بل بقيت الصحافة الثقافية هي الأضعف، والمتفق عليه أن الفعل الثقافي لا يخلق الإعلام لكنه ينمو بالإعلام ، فتأسيس فعالية ثقافية يمكن أن يكون حدثا مهما بصحافة ثقافية مهتمة.

 

لقد ترسخ لدى الكثير من العاملين بقطاع الإعلام أن الأدباء هم الأقدر على العمل في مجال الصحافة الثقافية لجعلها عملا خلاّقا، وقد ظهر بناء على ذلك مصطلح ” ثقافة الصحافة “كأيديولوجية مهنية مشتركة بين العاملين في مجال الأخبار، تعكس وجود توافق شامل بين الصحفيين تجاه فهم مشترك للهوية الثقافية للصحافة، ويتسع هذا المصطلح ليشمل التنوع الثقافي لأخلاقيات الصحافة والممارسة الإعلامية، لذلك قد يطلق كذلك تسمية الثقافة الصحفية أو ثقافات الصحف أو ثقافة انتاج الأخبار، وهي تسميات يراد منها تبليغ رسالة تأكيد فضل الثقافة على الرسالة الإعلامية بجمع النشاط الصحفي من صفات الثقافة ، أو بإضافة الثقافة إلى العمل الصحفي كنشاط أولي ورئيسي.

 

ولكن الواقع المسيس وجه الأدباء وجهة أخرى جعل الصحافة الثقافية مجرد متابعة للأخبار الانتقائية أو مسايرة لأحداث معينة لأغراض تجارية ومصالح متبادلة ومكاسب مادية ، في حين بقى العمل الثقافي يحتاج بالإضافة إلى توفرالعمل البشري المؤهل سبل الدعم المالي الكبير وهو ما لا يتسنى توفيره إلا بنسب متفاوتة.كثير ما يخضع التناول الإعلامي للشأن الوطني ونشر الأخبار الوطنية للمراقبة وللمراجعة بالتغيير وبالإضافة والحذف وذلك لمراعاة بعض الحساسيات المذهبية والحسابات السياسية تحددها السلطة الحاكمة، في حين يزهو الأدباء بأن هموم الشعب وقضايا الوطن يكشفها الشعر والرواية والقصة بشكل مفصل ومؤثر

 

مقالات ذات صلة

غموض المستقبل في ظل عودة دونالد ترامب

07 ديسمبر 2024

السجل التجاري الذكي .. بقلم الباحث الدكتور زكي كوريبعة 

04 ديسمبر 2024

سيول الكورية تفاجئ العالم

04 ديسمبر 2024