الإقصاء من الدور الأول لكأس إفريقيا للمرة الثانية على التوالي، هو السيناريو الأكثر منطقية، الذي يعكس حال المرحلة التي يعيشها المنتخب الوطني/بقلم كريم قندولي

الإقصاء من الدور الأول لكأس إفريقيا للمرة الثانية على التوالي، هو السيناريو الأكثر منطقية، الذي يعكس حال المرحلة التي يعيشها المنتخب الوطني/بقلم كريم قندولي

الإقصاء من الدور الأول لكأس إفريقيا للمرة الثانية على التوالي، هو السيناريو الأكثر منطقية، الذي يعكس حال المرحلة التي يعيشها المنتخب الوطني، فالفوز بصعوبة أو التعادل والتأهل بعكازة، كان سيغطي العيوب ويؤجل عملية القلب المفتوح إلى حين.

للأسف المنتخب كان يحتضر منذ زمن، والأسف الأكبر أن الطبيب الجراح المنقذ، منذ مدة طويلة حاضر بالجسد غائب بالعقل، أو غائب بكليهما جسدا وعقلا يتخبط في وحل الصراعات الهامشية المصطنعة.

السقوط الحر لم يكن هنا في لقاء موريتانيا، وقبل كل شيء نهنئ أشقاءنا بكل روح رياضية على الأداء والعزيمة التي ظهروا بها، لكن التقهقر بدأ في لقاء بوركينافاسو، ليس هذا الذي انتهى قبل أيام بالتعادل 2-2 في بواكي، وإنما ذاك الذي اجري بمراكش عام 2021.

منذ تلك المباراة بدأ السقوط الحر دون شراع، المختصون حذروا من التراجع البدني في الشوط الثاني في عدد كبير من المباريات، وطالبوا بضخ دماء جديدة عوض من عفا عنها الزمن وحان موعد اعتزالها، لإعطاء الروح والشغف، وطالبوا أكثر بتغيير الخطة التكتيكية، التي باتت كتابا مفتوحا قرأه الجميع..

قوبل ذلك بالرد الصاعق، بالاستهزاء، بالعنجهية، بالتعالي والنرجسية من باب لا أريكم إلا ما أرى.

ولأن من يقف في برجه العاجي يرى الناس صغارا ولو تعاظموا، تواصلت نفس الأخطاء وتم الاصرار على ذات الوجوه والخطة، ودخلنا كان الكاميرون، مرشحين وموشحين بثوب الوهم، هنالك انتهت قصة جيل ذهبي حقق كأس إفريقيا و 35 مباراة دون هزيمة.

اصطدمنا بالواقع والحقيقة المرة كالعلقم، بخروج مدوي من الدور الأول، نعزف على ألحانه مقطوعة لعنة البطل، بعدها لم نستخلص العبرة وأصرينا على نفس المعطيات لتأتي نفس النتيجة، وأقصينا دراماتيكيا في البليدة من أفضل نسخة كأس العالم بقطر 2022، أمام أضعف نسخة من الكاميرون.

و عند انتقاد الاخفاقات المتتالية، ومن المفترض أن يكون هذا منطق العقل، ظل التقديس مرادفا لبلماضي الذي لا ندري كيف ولماذا يجد دائما المبررين لأخطائه، حتى أضخى العذر يسبق الفشل، وعوض وضع اليد على الجرح والاعتراف بوجود الخطأ، في غفلة انعطف الرعاع بالمشاعر في منعرج حاد وراء قضية الماتش يتعاود الأسطورية، في تلاعب صارخ بمشاعر الملايين، قد يكون ذلك لإخلاص يراه محبوه، وقد يعود إلى شخصية الكاميكاز التي يعشقها الشباب، لما لا الرجل تخلى عن مهنته كمدرب للاعبين وأصبح مدربا للإعلاميين، يثور عليهم من أجل سؤال ويوبخهم من أجل هاتف قد يرن في لحظة نسيان.

مرت الأيام ومن غير اعتراف بالخطأ، وفي صحوة متأخرة، جلب المدرب لاعبين جدد، لكن الحنين إلى الحرس القديم لم يفارقه، بذكريات 2019، أجلس الوافدين على الأريكة المريحة في الحل والترحال، وجدد ولاءه لعقليته، وعادت ريمة لعادتها القديمة، بلماضي يختلق المشاكل مع الصحافة، بلماضي يفرض رئيس الفاف، بلماضي يهاجم الحكام، بلماضي يشتبك بالأيدي مع بن رحمة، بلماضي يصفي حساباته ويقصي لاعبين من أجل تصريحاتهم أو خلافات شخصية معهم…

كل هذه المشاكل قوضت تفكيره وشلت تركيزه، فالمدرب الشاب المغامر، الذي أحبه الجميع لرفع سقف التحديات عاليا، أضحى كهلا بعقلية الدوميمونش، خائفا من التغيير حذرا فوق اللزوم متعصبا فوق المطلوب، لا يجيد قراءة الخصوم، لا يجاري نسق المباريات، ويتوهم خيوط المؤامرات في كل مكان، وهي صفات إذا لازمت مدربا هوت به من القمة إلى القاع ومن المجد إلى الحضيض، وهل يوجد حضيض أكثر من غلق التدريبات في وجه الصحافة وإجراء مقابلات بعيدا عن عدسات الكاميرات، لإخفاء خطة عبقرية، لم يغيرها منذ قرابة ست سنوات، كشفها شاب طوغولي بكاميرا هاتفه.

بلماضي المدرب الوحيد في تاريخ الكرة بجميع تناقضاته ورغم خيبات الأمل المتعاقبة، وجد دعما من الجمهور والصحافة والسلطة، ومن الرئيس نفسه، كيف لا وقد كان مشروع سلم اجتماعي، تلاشت أمامه مفاهيم المحاسبة وتحقيق الأهداف، على الرغم من أنه صاحب أعلى عقد في تاريخ أفريقيا والمنتخبات العربية، يعانق ربع مليون يورو شهريا، وهي أجرة تخطت حينها أجرة مدرب الأرجنتين بطل العالم ومدرب فرنسا وصيفه وسلسلة كبيرة من عمالقة عالم التدريب في منتخبات عالمية وفي مقدمتها إسبانيا وبلجيكا وهولندا، كل هذا وهو يقيم في قطر مرتاحا وبعيدا عن الضغوط، يأتي إلى الجزائر مثل “البراني” في تواريخ الفيفا ققط، ضاربا عرض الحائط كل الأعراف والقواعد في عالم تدريب المنتخبات.

هذه الأجرة الثقيلة كبدت خزينة الفاف حوالي 300 مليار سنتيم في 5 سنوات ونيف، وفي الحقيقة بعيدا عن أي عاطفة، هي أجرة لا تجد ما يبررها سوى لقب إفريقي وحيد تحقق قبل قرابة 5 سنوات، تقابله ثلاثة انتكاسات كبرى، الواحدة تنطح الأخرى.
شهرا بعد شهر أفلست خزينة الفاف وقد كانت قبل قدومه مليئة بالمليارات، حتى تدخلت الدولة بأكبر شركاتها سوناطراك لتعيد التوازن وتسدد أجرة المدرب، وأجور العمال بعد شهور عجاف لم يتلقوا فيها أموالهم.

بعد كل ما حدث وسيحدث إن لم نتدارك، المنتخب الوطني بحاجة إلى دماء جديدة إلى فكر جديد وإلى روح جديدة، كتلك التي جاء بها بلماضي في سبتمبر 2018، سنة الحياة تتأرجح بين بداية ونهاية، فما بالك بمهنة أو منصب زائل مهما طال الزمان.

الاعتراف بالفشل يجعلنا نقف أمامه لا خلفه، نقيم أخطاءنا، وندرس هفواتنا، ونستحضر زلاتنا ومواقع ضعفنا، نعود خطوة إلى الوراء لننطلق كالسهم نحو الهدف، بخطة محكمة مبنية على أسس صحيحة نستخلص العبرة مما مضى ونأمل في مستقبل أفضل.

بلماضي أصاب وأخطأ، نال كل الدعم والثقة واستنزف جل الفرص وقد تكون جميعها، إن رأى بأنه قادر فليبين ذلك في الميدان بالابتعاد عن المشاكل واتباع نهج جديد، وإن أدرك أن زمانه انتهى وغابت عن يده مفاتيح الحلول، فما عليه إلا أن يرمي المنشفة ويعترف بالاخفاق والفشل الذي يراه الجميع إلا من أبى، ويترك صورته نظيفة في مخيال الجمهور، خاصة جمهور الكرة الذي يملك ذاكرة قصيرة، ولنا في قصة رابح ماجر خير دليل…
القطار لا يتنتظر المتأخرين.

بقلم:  كريم قندولي