الجمعة 06 جوان 2025

الإمارات ودورها في حرب غزة: شراكة في حملة تفكيك المقاومة

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
الإمارات ودورها في حرب غزة: شراكة في حملة تفكيك المقاومة

في ظل تعرض قطاع غزة لواحدة من أعنف الحملات العسكرية وأكثرها دموية في التاريخ المعاصر، تبدو أبوظبي منشغلة بمشروع موازٍ لا يقل تأثيرًا: السعي إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية سياسيًا وميدانيًا، تحقيقًا لتحالفاتها الاستراتيجية مع إسرائيل والولايات المتحدة.

تحوّلت الإمارات من دولة تُظهر دعمها العلني للقضية الفلسطينية إلى طرف يناصب العداء الصريح لأي شكل من أشكال المقاومة. هذا التحول جاء ضمن إطار تعاون إقليمي يهدف إلى إنهاء كل مظاهر المقاومة في غزة وتقويض إرادة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال.

من التطبيع إلى الشراكة الفعلية

منذ توقيع اتفاق التطبيع المعروف باسم اتفاق إبراهام عام 2020، صارت الإمارات في طليعة الدول المندفعة نحو توثيق الروابط مع إسرائيل. لم تتوقف العلاقات عند حد الدبلوماسية، بل ارتقت إلى مستويات غير مسبوقة من التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي.

حرب غزة التي اندلعت منذ 7 أكتوبر 2023 كشفت عمق هذا التحالف. امتنعت الإمارات بداية عن إدانة الجرائم الإسرائيلية، ثم دعمت السرد الإسرائيلي الذي يصف العدوان بأنه “حرب على الإرهاب”. بل والأخطر من ذلك، قدّمت دعمًا سياسيًا واضحًا لما يُسمّى خطة القضاء على المقاومة.

وعندما اقترح القادة العرب خطة لإعادة إعمار غزة خلال قمة القاهرة في مارس 2024، أفادت تقارير إعلامية موثوقة أن الإمارات ضغطت على واشنطن للتخلي عن المشروع، بينما دفعت باتجاه حلول تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها.

تحدث موقع “ميدل إيست آي” عن ضغوط مباشرة مارستها الإمارات على مصر لفتح حدودها أمام اللاجئين الفلسطينيين. منظمات حقوقية وصفت هذه الخطوة بأنها جزء من مخطط هندسي لتطهير عرقي تحت ستار الدوافع الإنسانية.

تكتيكات خنق المقاومة

الدور الإماراتي لا يقف عند حدود المواقف السياسية؛ فبحسب تقارير استخباراتية واستنتاجات صحفيين بارزين مثل بوب وودوارد، تدعم أبوظبي الجهود الأميركية والإسرائيلية المبذولة لتقويض القدرات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية. أبوظبي تطمئن الحلفاء إلى التزامها الكامل بالتحالف، دون اكتراث بمعدلات الضحايا أو المعارضة الشعبية داخل المجتمعات العربية.

إضافةً لذلك، لطالما استهدفت الإمارات كل قوى المقاومة في المنطقة، سواء كانت داخل فلسطين أو خارجها. دعم انقلابات ضد أنظمة متعاطفة مع الفلسطينيين، ودعم عمليات عسكرية لخنق حركات مقاومة في دول كالسودان واليمن ولبنان، هي أمثلة على استراتيجية ممتدة لعزل المقاومة عن محيطها الطبيعي.

كما لعب الإعلام الإماراتي دورًا كبيرًا في تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وربطها بالإرهاب، مع تحميلها مسؤولية التدمير الناتج عن الحملة العسكرية الإسرائيلية.

خلفيات عدائية للمقاومة

الهجوم الإماراتي على القضية الفلسطينية لا يمكن تفسيره فقط بالحسابات السياسية. يبدو أن العداء للمقاومة يرتبط بعقيدة النظام الإماراتي الساعية إلى القضاء على أي فكرة تعزز النضال الشعبي أو تتحدى منظومات الحكم الاستبدادية.

بالنسبة للإمارات، انتصار غزة يمثل رمزًا لصمود الشعوب وإشارة واضحة إلى إمكانية تحدي الأنظمة الحالية في المنطقة. لذلك، بدلاً من الوقوف موقف الحياد، اختارت أبوظبي لعب دور نشط في الحرب النفسية والإعلامية على المقاومة، والعمل على إيجاد بدائل فلسطينية تتماهى مع أهدافها، عبر دعم شخصيات وهيئات توافق بشكل كبير مع سياسات الاحتلال.

تشير مراكز بحث غربية إلى استثمارات إماراتية كبيرة تهدف إلى “إعادة هيكلة القيادة الفلسطينية”، بحيث تُفرز قيادة ضعيفة مستعدة لتقديم تنازلات كبرى والتعاون أمنيًا مع إسرائيل.

الصمت مقابل التطبيع مع إسرائيل

مع بدء التصعيد الأخير في غزة، لم تتجاوز التصريحات الصادرة عن أبوظبي حدود الدعوات العامة إلى ضبط النفس، دون توجيه أي إدانة واضحة أو مباشرة تجاه الجرائم الإسرائيلية.

وعلى الرغم من الإجماع الدولي المتنامي الذي عبّرت عنه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، واصلت الإمارات اتخاذ مواقف متحفظة في بعض الأحيان، أو امتنعت عن التصويت في أحيان أخرى، بل ساهمت في أوقات معينة في إضعاف مضامين تلك القرارات، وذلك حفاظًا على علاقاتها الوثيقة مع تل أبيب وواشنطن.

في حين تُظهر بعض الدول العربية استياءً علنيًا خافتًا تجاه الأحداث، تواصل الإمارات تمديد شراكاتها مع إسرائيل إلى أبعد من المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، لتشمل التعاون في الملفات الأمنية والاستراتيجية كذلك.

ومن اللافت أن تسارع صفقات الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة مع إسرائيل أتى في وقت تواجه فيه الأخيرة إدانة واسعة من قبل منظمات حقوقية دولية تدعو إلى مقاطعتها بسبب تورطها في انتهاكات جسيمة داخل الأراضي الفلسطينية.

فجوة بين الأنظمة والشعوب

المفارقة الواضحة تكمن في المواقف المتعارضة؛ ففي الوقت الذي أبدت فيه الشعوب العربية، بما فيها الشعب الإماراتي، دعماً واسعاً لغزة وبالرغم من القيود الأمنية المفروضة على أي تعبير علني عن التضامن، يظهر التناقض جليًا بين ما يريده الشارع وما تفرضه السياسات الرسمية.

هذا التباين يعبر عن مدى الاختلاف بين رغبات الشعوب ومصالح النخب الحاكمة التي جعلت القرار السياسي الإماراتي يخدم أجندات تتناقض بشكل صارخ مع نبض المجتمع.

في هذا السياق، تبدو الإمارات وكأنها اختارت عن عمد الاصطفاف مع قوى استعمارية ضد شعب يُواجه الإبادة، من أجل حماية مصالح الضيّقة للنخبة الحاكمة. هنا، لم يعد الموقف مجرد حياد سلبي بل تحوّل إلى شكل من أشكال التواطؤ النشط الذي يُسهم في استمرار آلة القتل الإسرائيلية ومنحها شرعية دولية غير مستحقة لمواصلة مشاريعها الاستيطانية والتهجيرية.

رهان على حساب الفلسطينيين

الأزمة الحالية تسلط الضوء على وهم الحداثة والتنمية الذي تحاول الإمارات تسويقه. لا يعقل أن يُسوَّق نظام يشارك في قمع شعب تحت الاحتلال ويُجرِّم مقاومته زاعمًا تمثيل قيم التقدم أو الاستقرار.

قرار أبوظبي بالتحالف الكامل مع المشروع الصهيوني يعكس تضحية النظام بأبسط القيم الأخلاقية والسياسية مقابل وعود استثمارية وتحالفات قائمة على المصالح الأنانية كالحماية الأمنية والتبادل التكنولوجي.

ولكن التاريخ لا ينسى. تمامًا كما أن التجربة اللبنانية في عام 1982 حين تخلى البعض عن المقاومة الفلسطينية لم تُنسَ، فإن من يسهم اليوم بتمكين مشروع الاحتلال الصهيوني وتفكيك المقاومة في غزة لن يُعفى من المسؤولية. الصور القادمة من القطاع لا تكتفي بفضح جرائم إسرائيل، بل تكشف أيضًا دور من يقوم بدعمها في الظل

رابط دائم : https://dzair.cc/ujay نسخ