قال الناشط الحقوقي والباحث الأكاديمي والمؤرخ المغربي، محمد البطيوي، إن نظام المخزن يزعم أنه دعم الثورة الجزائرية منذ استقلال المغرب، لكن في الحقيقة فإن هذا النظام كان متورطا في دعم فرنسا ضد استقلال الجزائر.
جاء ذلك خلال مداخلة له عبر قناة للصحفية المغربية المعارضة، دنيا فيلالي، في حلقة تناولت خلالها خبايا وحقائق ومعطيات تعرض لأول مرة حول معاهدة “إكس لي بان”، وهي المعاهدة التي يصفها العديد من المغاربة الأحرار بـ “الخيانة العظمى”.
وفي هذا السياق لفت البطيوي، إلى أن مجموعة من الضباط المغاربة أكدوا على ذلك؛ على غرار الضابط الطيار صالح حشاد أحد المعتقلين بسجن تازمامرت، في لقاء له على الجزيرة مع الصحفي أحمد منصور، حيث صرح بأنه كانت طائرات تنطلق من مراكش لتقصف مواقع للثوار الجزائريين بالجزائر، مشيرا إلى أن مشاركة هذه الطائرات فرضتها معاهدة “إكس لي بان” التي لم تكن خيانة للشعب المغربي فحسب بل للشعب الجزائري كذلك.
وقد أشار المتحدث إلى مشاركة الحسن الثاني الذي كان وقتها وليا للعهد في العملية الثلاثية “إيكوفيون وأوراغون”، التي شملت فرنسا وإسبانيا، حيث انضم إلى أحد قادة الجيش المغربي لضرب المقاومة في الجنوب المغربي ومنعها من الانضمام إلى المقاومة في الصحراء وخلق قاعدة خلفية لدعم الثورة الجزائرية، مؤكدا هذه المشاركة كانت من بين بنود معاهدة إكس لي بان.
وفي هذا السياق، يشير المؤرخ المغربي إلى أن خطاب محمد الخامس أمام الأمم المتحدة ومطالبته فرنسا التفاوض مع الجزائريين كان يخفي أشياء أخرى أعظم، تتمثل في التصرفات المعادية لاستقلال الجزائر وقمع ثورة الجزائريين من قبل نظام المخزن ، بقبوله لبنود في اتفاقية “إكس لي بان” تفرض عليه القيام بها.
وأضاف الأكاديمي المعارض لنظام المخزن: “لقد سعت فرنسا من خلال معاهدة “إكس لي بان” الموقعة في 22 أوت 1955، أشهر قليلة عقب اندلاع الثورة الجزائرية، إلى إخماد الثورة في المغرب وتونس عبر منحهما استقلالا شكليا حتى يتوقفا عن دعم الثورة الجزائرية، وقد تم إدراج هذا التصور في بنود اتفاقية “إكس لي بان”، حيث كانت مصالح فرنسا في الجزائر أكبر بكثير من مصالحها في البلدين الجارين لها.
وتابع بقوله: “فرنسا خططت لاستقلال المغرب ونظمت له، إلى درجة أنها وضعت رجالاتها في المواقع الحساسة والإستراتيجية للدولة المغربية المستقلة، كما هو الحال بالنسبة لمبارك البكاي الذي عينته فرنسا كمسؤول عن مجلس العرش وقد كان رئيس أول حكومة بعد الاستقلال، والذي كان قبل ذلك ضابطا في الجيش الفرنسي يحارب في صفوفه.’
وأردف: “وقد قامت فرنسا عبر اتفاقية “إكس لي بان”، قبل التفاوض على استقلال المغرب، بالتفاوض على إعادة السلطان محمد الخامس من منفاه لكي تنصبه ملكا على المغرب، وبإنشاء مجلس للعرش، وحكومة مؤقة تتفاوض مع المسؤولين الفرنسيين.”
وفي هذا الشأن، أبرز ضيف الصحفية دنيا فيلالي أن النظام المغربي بعد الاستقلال قام باعتقال المفاوضين في الوفد المغربي مع فرنسا في معاهدة “إكس لي بان”، وباغتيال بعضهم، على غرار المهدي بن بركة وآخرين، لافتا بقوله: “وللمفارقة فإنهم رفضوا طرحا فرنسيا يقضي بإنشاء جمهورية مغربية، مؤثرين عودة محمد الخامس من الإقامة الجبرية وتأسيس نظام ملكي، حيث اعتقدوا بأنهم سيتمكنون من إقناع ملك المغرب برؤيتهم حول دولة مغربية حرة وديمقراطية أشبه ما تكون في نظام حكمها بجمهورية، لكن شيئا من هذا لم يحدث. ”
وفي مقابل عودته تعهد الملك محمد الخامس بحماية المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية للمعمرين الفرنسيين المتواجدين بالمغرب، وأن يتمكنوا من المحافظة على حقوقهم السياسية والمدنية، يضيف البطيوي.
وذكر الباحث الأكاديمي أهم نقطة في رسالة محمد الخامس لمحاميه الذي كلفه بالتفاوض أمام فرنسا عن موقفه، بما يعرف ب “الاستقلال الترابطي”، الذي يعني -حسبه- حرفيا أنه استقلال تبعي، وهو ما أكّده رئيس مجلس الوزراء الفرنسي إدغار فور خلال كلمته الافتتاحية لمفاوضات إكس ليبان، ما يعني أن المغرب سيظل مرتبطا بعد استقلاله بفرنسا على جميع المستويات الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
وقد فرض هذا الاستقلال غير المكتمل على نظام المخزن أن يبقى المغرب في المعسكر الغربي، ولا يتخذ مواقف سيادية على غرار الجزائر، التي انضمت إلى دول عدم الانحياز إلى جانب تمكنها من تبني سياسات خارجية حرة جعلتها توازن في علاقاتها الدولية بين المعسكرين الشرقي والغربي بما يخدم مصالحها، يؤكد المتحدث.