الاثنين 07 جويلية 2025

التحول الملحوظ في المزاج الشعبي الغربي لصالح فلسطين… بقلم رئيسة تحرير موقع دزاير توب بالإنجليزية

نُشر في:
بقلم: دزاير توب
التحول الملحوظ في المزاج الشعبي الغربي لصالح فلسطين… بقلم رئيسة تحرير موقع دزاير توب بالإنجليزية

شاركت، رئيسة تحرير موقع دزاير توب إنجليزي هناء سعادة، في ندوة بعنوان “الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ”، المنظمة من قبل سفارة إيران.

وبالمناسبة، ألقت سعادة كلمة حول التحول الملحوظ في المزاج الشعبي الغربي لصالح فلسطين، جاء فيها :

يشهد عالمنا المعاصر منذ مدة تحولات وتغيرات جذرية في مفاهيم الحرب ونظرياتها التي إنتقلت، بسبب التهديدات الأمنية الغير تقليدية خاصة خلال العقدين الأخيرين، من فلسفة القتال العسكري المباشر إلى حروب توظف أدوات حديثة، أفرزت مصطلحات جديدة على غرار ”الحرب السِّيبرانية” و”الحرب عن بُعد”، فضلا عن “الحرب الإعلامية”، إذ تُدار اليوم بجانب الحرب المسلحة في قطاع غزة المحاصر حرب ضروس أخرى لا تقل أهمية، تتمثل في التجييش الإعلامي التي يندرج في إطار ما يعرف إصطلاحا بالحرب الناعمة، وهو مصطلح أتى به المنظر الأميركي جوزيف ناي، حيث نجد أن الاحتلال الصهيوني بمساعدة الماكينة الإعلامية الغربية يعمل على تضليل الرأي العام الغربي ونشر رواية صهيونية مزيفة للحقائق، معتمدا على هذه الخدمات اللآعسكرية التي ترتكز أساسا على الدعاية “Propaganda” والتلاعب الإعلامي “Media Manipulation” من خلال اجتثاث السياق وتعمّد الفصل بين الحدث وتاريخه “Dehistoricisation” وتقديم روايات مبتورة تُغفل السياق التاريخي، وبالمقابل نجدها مثقلة بالمصطلحات الصهيونية، أوتي بها في إطار ما يعرف ب”حرب المصطلحات”، وأيضا الأجندة المحذوفة، وهي إحدى التفرّعات النظرية لمفهوم “وضع الأجندة” ، وغيرهم من الوسائل التي أضحت سلاحا فتاكا يفوق أحيانا الحروب العسكرية، فاليوم، أضحت هذه الآليات من أدوات السياسة الخارجية الصهيونية من أجل إدماج هذا الكيان غير الشرعي داخل المنطقة.

وبالمقابل، تنبه الإعلام المقاوم لهذه الحقيقة، وأضحى يلعب دورا محوريا في دحض الأكاذيب. فقد كان له الدور الأبرز في إعادة ضبط البوصلة نحو المقاومة وأهميتها في اختراق الإعلام المضاد، وتغيير الرأي العام لصالح مشروع المقاومة، ولعل من أهم مؤشرات تحول الرأي العام الغربي المظاهرات الحاشدة التي إكتسحت الدول الغربية، فالشعوب الغربية بدأت في التشكيك في الرواية الصهيونية والغربية المضللة، وأضحت بذلك تمارس ضغطا كبيرا على حكوماتها المساندة للإرهاب الصهيوني، وأيضا تغيير بعض هذه الحكومات لمواقفها بالاعتراف بدولة فلسطين كإسبانيا والنرويج وإيرلندا وغيرهم، والتصويت على قرار وقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والإعتصام الذي شهدته أمريكا مؤخرا. ضف إلى ذلك الأشكال المختلفة من الاحتجاجات الشعبية المؤيِّدة لفلسطين، كمحاصرة سفن الشحن المتَّجهة إلى الكيان الغاشم، وملاحقة مسؤولين سياسيِّين لعدم دعمهم وقف إطلاق النار، والإضراب عن الطعام وغيرها من وسائل الاحتجاجات الشعبية، ودعم الفنانين والمشاهرين الغربيين، وتنامي صوت اليهود المعارضين للكيان الإجرامي، أي التيار الديني الأرثوذكسي المناهض للصهيونية كجماعة ناتوري كارتا، مع ظهور صوت يهودي جديد يمثل التيارات التقدمية داخل الجالية اليهودية، وهذا لم يكن ليحدث لولا نجاح الإعلام المقاوم في فضح أكاذيب الماكينة الإعلامية الغربية المضللة.

أيضا، ساهمت الطفرة التكنولوجية وبشكل كبير في هذا النجاح، وأذكر هنا قصة “هي روح الروح” التي إنتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، وتمت ترجمتها إلى اللغات الأجنبية ووجدت صدى كبير في المجتمع الغربي، مما أجبر بعض الوسائط الإعلامية الغربية على التطرق إلى هذا الموضوع، على غرار Guardian The،التي ناقشت كيف أن ضمة الفلسطيني خالد النبهان لحفيدته والتعبير عن حبه لها بعبارة “هذه روح الروح” وبين وضعه إياها على السرير والوداع الأخير لها بعبارة “الله معك” اختصار لقصة إنسان متشبع بالإيمان بالقدر وبحقه في الأرض، وأشار المقال إلى أن هذه القصة دفعت بالعديد من الشباب الغربي إلى البحث عن القوة التي تحرك هؤلاء الناس “أي الفلسطينيين” وأقصد هنا “الدين الإسلامي”، وتحري ما مدى أحقية قضيتهم.

هذا مثال بسيط يؤكد ضرورة مواكبة هذا الركب للكشف عن الوجه الحقيقي للإعلام الغربي الذي يحرص على تقديم صورة مشوهة للفلسطيني ومتحيزة لا تعكس مختلف السرديات ومختلف أبعاد الأزمة، ويدفع بالترويج لها خاصة في ظل ما يمتلكه من قدرات تكنولوجية متقدمة، فاليوم، تلعب وسائل التواصل بالموازاة مع الإعلام الكلاسيكي دورا مهما في كشف هذا الزيف والتحريف عن طريق تداول مقاطع الفيديو، أي ما يُسمي ب “ظاهرة المصور الحر”، حيث ساهمت هذه الوسائل الحديثة أو كما أصبح يُطلق عليها “الدبلوماسية الرقمية الشعبية” في كشف هذا الإنزياح وخلق حالة من الغضب في أوساط الشعوب الغربية تجاه الولايات المتحدة والدول الغربية، وهو ما تُرجم بالمظاهرات التي إكتسحت الدول الغربية ضد الحكام الغربيين وسياساتهم، لأنه ومع بداية الحرب ضد قطاع غزة، هرولت الوسائط الغربية إلى تبني الرواية الصهيونية، غير أنه ومع ظهور الفيديوات والمقاطع من قلب القطاع تُبين عمق المعاناة والظلم الحاصل، وتمت ترجمتها لمختلف اللغات، حدث اضطراب في التغطية الإعلامية الغربية التي وجدت نفسها في مأزق كبير، أسْهم في صناعة استقطاب، شجَّع تمرُّد الرأي العام ضدَّها، خاصةً من الأجيال الشابة وأحدث صدمةً في نموذج القيم الغربية.

لذلك، نحن اليوم، مطالبون بإستغلال هذا الشرخ في الرأي العام الغربي للدفع بسياسات أكثر توازناً وأكثر توافقاً مع ما يخدم القضايا العادلة. وكدليل على تأثير هذه المنصات، طلب وزير الدفاع الصهيوني “بيني غانتس” من المسؤولين في “فيسبوك” و “تيك توك ” الالتزام بإزالة المحتوى الذي يحرض على ما أسماه “العنف”، أو ينشر معلومات مضللة”، ويقصد بذلك المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية، والفاضح لجرائم جيش الاحتلال.

وكإحصائيات عن دور المنصات الرقمية الحديثة والإعلام المقاوم بلغاته المختلفة، رصدت العديد من استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال السنوات الأخيرة تحولات مهمة في الرأي العام الغربي، بما في ذلك الرأي العام الأمريكي، تجاه القضية الفلسطينية، خاصة منذ أحداث الشيخ جراح في القدس عام 2021م، حيث تزايدت نسبة التعاطف مع القضية الفلسطينية، خاصة في أوساط الشباب والمهاجرين والقوى الليبرالية والتقدمية. ورصدت استطلاعات الرأي تلك بشكل واضح الفجوة المتزايدة بين مواقف الأجيال الأكبر والأجيال الأصغر تجاه هذه القضية. وعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع للرأي أجري في مارس 2023 م من قبل منظمة “جالوب” أنه للمرة الأولى عبر المنتمون للحزب الديمقراطي عن نسبة تعاطف أكبر مع الفلسطينيين (49%) مقارنة بالصهاينة (38%).

وبالعودة إلى الحرب الشنيعة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع عزة، تراجعت خلال الفترة من 12/10/2023م ، وحتى 14/11/2023م، نسبة أولئك الذين طالبوا بتقديم الدعم والإسناد للكيان الصهيوني من 41% (عند بداية معركة طوفان الأقصى) إلى 32% (بعد 41 يومًا من المواجهة)، كما أن 68% من الأمريكيين أيدوا وقف إطلاق النار، خلافًا للموقف الرسمي الأمريكي، كما أن الذين طالبوا باتخاذ أمريكا موقف محايد، شهد إرتفاعا من 27% إلى 39% في فترة القياس نفسها.

كما أظهرت إستطلاعات الرأي ب أن81% ممن يؤيدون الكيان الصهيوني هم من الذين تجاوزوا سن الـ 65، مقارنة بـ 27% فقط من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34. ووجد استطلاع للرأي قامت به The Economist/YouGov أُجري في 14-17 أكتوبر 2023 م أن 48% من الأشخاص قالوا إن تعاطفهم أكبر مع الصهاينة (62% منهم تجاوزوا سن الـ 65 مقارنة بـ 35% أعمارهم بين 18 و29 عاماً). مما يعني أن هنالك وعي متزايد بين الأوساط الشبانية الغربية، وتحول مهم في توجهات الرأي العام الغربي والأمريكي تجاه القضية الفلسطينية.

كما استندت مجلة “الإيكونوميست” إلى تحليل لبيانات طلبتها من شركة” DMR” لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ضمت مليون منشور على منصَّات إنستجرام، وإكس، ويوتيوب بين 7 و23 أكتوبر الماضي، وأظهر التحليل تأييدا كبيرا للفلسطينيِّين على تلك المنصَّات يفوق وبشكل كبير ذلك الذي خُص به الكيان الصهيوني؛ حيث كانت المنشورات المؤيدة للفلسطينيين أكثر بمقدار 3.9 مرات من تلك المؤيِّدة للصهاينة.

ونشرت صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية نتائج استطلاع للرأي أظهرت أن أغلب الشباب الأميركيين بين 18 و24 عاما يتبنون مواقف غير داعمة للكيان الصهيوني بل ومناهضة له أحيانا. فقد بيّنت نتائج الاستطلاع، الذي أجراه معهد هاريس ومركز الدراسات السياسية الأميركية بجامعة هارفارد وشمل ألفي ناخب أميركي من فئات عمرية مختلفة، أن 51% من الشباب من هذه الفئة العمرية يعتقدون أن الحل طويل المدى للقضية الفلسطينية يتمثل في “إنهاء إسرائيل وتسليمها لحماس والفلسطينيين”. كما وجد الاستطلاع بأن 67% من هؤلاء الشباب يؤيدون وقفا غير مشروط لإطلاق النار من شأنه أن يُفرج عن المحتجزين في غزة ويترك حركة المقاومة الإسلامية حماس في السلطة. وردا على سؤال عما إذا كانوا يعتقدون أن حماس منظمة يمكن التفاوض معها لتحقيق السلام، قال 76% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما إنهم يعتقدون أنه يمكن التفاوض معها. كما أظهرت النتائج أن غالبية الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما وبين 25 و34 عاما يعتقدون أن الكيان الصهيوني يرتكب إبادة جماعية في غزة. وبحسب نفس الاستطلاع، فإن 67% من المستجوبين من هذه الفئة العمرية يرون أن اليهود “ظالمون” ويجب أن تتم معاملتهم كذلك.

ومؤخرا، كشف إستطلاع جديد لمؤسسة “غالوب” أن غالبية الأمريكيين يرفضون العمليات العسكرية الصهيونية في غزة، في تحول كبير منذ الخريف الماضي، وبحسب الاستطلاع فإن حوالي واحد من كل ثلاثة (36%) من الأمريكيين يوافقون على المجازر التي ترتكب. وهذا أقل مما حدث في بداية الحرب عندما أظهر استطلاع للرأي أجري حينها أن نصف الأمريكيين يوافقون على تصرفات الكيان. وهذه الزيادة هي التي ترجمت في المظاهرات والاعتصام الذي شهدته أمريكا مؤخرا.

ووجد الاستطلاع أيضا أن نسبة الموافقة على الجرائم الصهيونية انخفضت بين الجمهوريين من 71% في نوفمبر 2023م إلى 64% في مارس 2024م، وأن الانخفاض أكثر حدة بين الديمقراطيين، حيث أن أقل من واحد من كل خمسة (18%) يقولون أنهم يوافقون على تصرفات الكيان.

وعن نسب المظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم شرقًا وغربًا، فوفقًا لمركز أبحاث صهيوني يرصد الاحتجاجات الشعبية حول العالم في الفترة من 7 إلى13 أكتوبر، فإن 69% من المظاهرات جاءت مؤيِّدة لفلسطين، مقابل 31% للكيان الصهيوني، وبعد 13 أكتوبر ارتفعت النسبة لتصل إلى 95% لفلسطين مقابل 5% للكيان.

كما أشار تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي The Institute for National Security Studies (INSS)، إلى أن الولايات المتحدة شهدت خلال الفترة من 7-27/10/2023، 182 مظاهرة مؤيدة للكيان الصهيوني، مقابل 402 مظاهرة مؤيِّدة للفلسطينيِّين ومعارضة للكيان الإجرامي، بينما بلغ عدد المظاهرات المؤيِّدة له في كل العالم خلال الفترة نفسها 359 مظاهرة، مقابل 3482 مظاهرة مؤيِّدة للفلسطينيِّين.

رصدنا أيضا تنامي الخطابات المؤيِّدة للقضية الفلسطينية ألقاها مثقفون وفنانون غربيون، من ضمنهم جاكسون هنكل الذي وصفته الكيان الصهيوني بـ”عدو إسرائيل على الإنترنت” ، وهو ناشط سياسي بيئي أمريكي يبلغ من العمر 24 عامًا؛ كما وقّع بعض فناني هوليوود على بيان للمطالبة بوقف إطلاق النار الفوري. شهدنا أيضا تنامي الصوت اليهودي المعارض لفكرة إنشاء الكيان الصهيوني الغاشم والرافض لهذه الإنتهاكات الشنيعة، حيث وجد متنفسا له في هذه المنصات وأيضا الوسائط الإعلامية المقاومة، فيما البعض من الصهاينة تراجعوا عن أفكارهم، فمثلا ُيظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث Center Research Pew أن ثلث أو أقل من الثلث فقط من يهود الولايات المتحدة، يعارضون حركة المقاطعةBDS ، وهي حركة فلسطينية ذات امتداد عالمي، هدفها مقاطعة الكيان الصهيوني وسحب الاستثمارات منه وفرض العقوبات عليه. ومن أصوات اليهود المعارضيين للكيان الغاشم، زعماء منظمة ناتوري كارتا، أو “حارس المدينة”، وهي حركة يهودية حريدية ترفض الصهيونية بكل أشكالها وتعارض وجود ما يسمى ب”دولة إسرائيل”، كما تنامى صوت د. غابور ماتي، وهو طبيب نفسي مجري يهودي، إذ كانت له مداخلة قوية مع الصحفي البريطاني الشهير بيريس مورجان، حيث تناول السياق التاريخي لقيام ما يسمى ب”دولة إسرائيل” على النهب والقتل والاحتلال. كما شهدنا مؤخرا إعلان عدَّة منظمات مدنية يهودية مثل منظمة «ليس باسمنا» معارضتها للحرب الصهيونية وبمطالبتها لوقف الغارات على غزة.

وختاما، ومما سبق ذكره، نستنتج بأن الوعي العام لدى الشارع الغربي بعدالة القضية الفلسطينية قد تعاظم، ومع تصاعد الصراع والعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع استمرار الكيان الصهيوني في سياسات استهداف المدنيين والاستيطان ومحاولات فرض التهجير، سيزداد توسعا، وستتزايد الفجوة بين مواقف القيادات السياسية والإعلامية الغربية من ناحية، وقطاع مهم من الرأي العام الغربي من ناحية أخرى، الأمر الذي سيضع حتما القضية الفلسطينية في صدارة الجدال السياسي داخل المجتمعات الغربية ويعمق الإنقسام الجيلي بين الجيل القديم المؤمن بالرواية الغربية المضللة، والجيل الجديد الباحث عن الحقيقة والسردية الصحيحة، الأمر الذي يتوجب علينا إستغلاله إعلاميا لتنوير هذا المكون الأساسي في المجتمع الغربي والذي سيتمكن في يوم ما من التأثير في عملية صناعة القرار الغربي ودحض الأكاذيب التي راجت منذ عشرات السنوات بأن الفلسطينيين هم المعتدون وبأن كل المعارك التحريرية الفلسطينية، والحروب العربية كانت عبارة عن عدوان خارجي من قوى تمثل تهديدا وجوديا لما يسمى بدولة “إسرائيل”.

 

 

 

 

 

رابط دائم : https://dzair.cc/d47j نسخ