منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، تاريخ اندلاع أول شرارة لمعركة “طوفان الأقصى”، لم يهدأ الشارع المغربي، حيث استمرَّ المغاربة في دعم الشعب الفلسطيني ورجال المقاومة.
وطيلة 3 أشهر، خرجت مئات الوقفات التضامنية والتنديدية بالعدوان على غزة بوتيرة شبه يومية في مختلف مدن وأقاليم المملكة المغربية، تحتج وتدين الإبادة الجماعية والاستهداف الممنهج، كما ترفع مطالب بإسقاط التطبيع وإلغاء كل الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والتعليمية والبحثية التي تجمع هيئات ومؤسسات مغربية وأخرى “إسرائيلية”.
ولحدود الساعة، لم ينجح الحراك التضامني مع فلسطين في حمل السلطات المغربية على مراجعة موقفها من التطبيع رسمياً وإعلان إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي، خطوات يرى محللون سياسيون مغاربة أنها تمت عملياً على أرض الواقع وأن الإعلان الرسمي عنها مسألة وقت.
واعتبر عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن “مسألة التطبيع” في الحالة المغربية تتعلق باتفاق ثلاثي وليس اتفاقاً ثنائياً، ذلك أن هناك التزامات مُلقاة على عاتق باقي الأطراف ومنها الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق ببناء قنصلية لها في الصحراء، إضافة إلى التزامات أخرى متعلقة بالجانب “الإسرائيلي” خاصة فيما يتعلق بتفعيل حل الدولتين والرجوع إلى المفاوضات.
وأبرز حامي الدين، خلال تصريح لـ “القدس العربي”، أنه “عملياً لم يعُد هناك أي تفعيل رسمي لمقتضيات الاتفاق الثلاثي، ورئيس مكتب الاتصال غادر الرباط منذ يوم 16 أكتوبر”، مستطرداً بالقول إن هناك تأخراً ملحوظاً من جانب المغرب في التحلل من هذا الاتفاق بشكل رسمي.
وتابع: “أعتقد بأن القضية مسألة وقت فقط، لأن هناك أربعة أسباب تجعل من الصعب استمرار اتفاقات التطبيع مع إسرائيل”، بداية من حجم الجرائم الواضحة المرتكبة من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي من تدمير البنيات التحتية عن طريق السلاح الجوي واستهداف المدنيين إلى درجة قتل أكثر من 23 ألف إنسان ثلثهم من الأطفال، واستهداف أحياء بعينها ومحوها من الخريطة عبر إبادة كل سكانها المدنيين، بالإضافة إلى قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف ورجال الدفاع المدني وأماكن العبادة من مساجد وكنائس وقتل العشرات من الأطقم الطبية وأكثر من 100 صحافي.
وهي أعمال، وفق المتحدث، تعتبر استهدافاً مباشراً للأشخاص وللأماكن المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وهو ما يجعلها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية.
ويتعلق السبب الثاني، وفق الأستاذ الجامعي نفسه، بمشاعر المغاربة الرافضة للتطبيع مع دولة الاحتلال، والغاضبين مما يجري من تقتيل ودمار، والتي عبَّرت عنها بواسطة المسيرات والوقفات الشعبية التي لازالت متواصلة، ولا يمكن للقرار الرسمي إلا أن يكون منسجماً معها.
ويهم السبب الثالث التحلل التدريجي لعدد من الدول من علاقتها بـ الكيان الصهيوني سواء من العالم العربي مثل الأردن والبحرين، أو دول من أمريكا اللاتينية مثل بوليفيا وكولومبيا.
أما آخر الأسباب فيتعلق، وفق ما أورده المحلل السياسي المغربي، بغياب أي أفق قريب لتوقف العدوان الجاري ضد غزة، وغياب أي أفق سياسي لحل. وهي أسباب مجتمعة تجعل تطبيع العلاقات بين البلدين متوقفاً عملياً وغير ممكن أخلاقياً وسياسياً وهو ينتظر فقط ترسيمه قانونياً بقرار سيادي.
لقد تمكن الشارع المغربي المنتفض ضد سياسة التطبيع التي انتهجها المخزن إلى إحباط التفعيل الرسمي لمقتضيات الاتفاق الثلاثي، كما أن التبادلات الاقتصادية والتجارية أضحت مجمدة والسياحة مشلولة بين الجانبين.
وقد أوقف المخزن عمليا تسهيل حركة استيطان الصهاينة المغاربة داخل المملكة، الذين توقفوا عن استفزاز المغاربة والمطالبة بممتلكات مزعومة يدعون أنها لهم.
ويخشى القصر الملكي من تصعيد الشارع المغربي وتحول المطالب من إسقاط اتفاقيات التطبيع إلى إسقاط عرش محمد السادس، إذا ما هو رفض تلبية إرادته في إلغاء التطبيع وطرد سفير الصهاينة من المغرب.