23 أغسطس، 2025
ANEP السبت 23 أوت 2025

الجزائر المنتصرة تستلهم من تجارب ثوّار 20 أوت 1955 و1956 لتقدّم للعالم دروسها البليغة في التحرّر والحفاظ على السيادة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
الجزائر المنتصرة تستلهم من تجارب ثوّار 20 أوت 1955 و1956 لتقدّم للعالم دروسها البليغة في التحرّر والحفاظ على السيادة

قبل كلّ خطوة تخطوها جزائر اليوم المنتصرة إلى الأمام ونحو غدها المشرق، فإنّها تستلهم أوّلا من تاريخها الناصع والملحمي، لتلتقط منه قبسا من أشعته المنيرة حتى تضيء بها درب المستقبل في هذا العالم بظلمته الحالكة التي لا يسير في سوادها إلا الشعوب المستبصرة بماضٍ عريق يزخر بالتجارب والمحطات الحاسمة.

واليوم، وإذ نحتفل بيوم المجاهد المخلد للذكرى المزدوجة الموافقة لـ 20 أوت، لهجومات الشمال القسنطيني في 1955 وانعقاد مؤتمر الصومام في 1956، نقتبس منهما معاني الإباء ونستحضر قرارات رئيس الجمهورية في ما يتعلّق بالتمسّك بمبادئ الدبلوماسية الجزائرية الرافضة للإملاءات من قبل دولة مستعمر الأمس، التي طغى على قراراتها تيار يميني متطرف حاقد على قيادة الجزائر الوطنية، وحالم بعودته إلى فردوس “الجزائر الفرنسية” المفقود، والذي أبى مجاهدونا إلا أن يحرروا أراضيه من مخالب الإدارة الاستعمارية المتسلّطة ويستردّوا خيراته من براثن شرذمة المعمّرين المجرمة.

نستذكر ونحن نبني صروح المؤسسات الجزائرية العتيدة في عصر جديد، يقطع مع جميع الممارسات المستعلية البالية التي استغلّ مهندسوها الآثمون صبر الشعب الجزائريّ عليهم فقط من أجل أمن واستقرار بلده الغالي لسنوات سبقت حراكه الأصيل، إنّه عهدُ الرئيس تبون الذي قطع العهد على جميع الجزائريين أن يكونوا على رأس أولويات السياسات التي ينتهجها خدمة لمتطلباتهم وطموحاتهم وإحقاقا لحقوقهم، فكانوا بذلك وعلى الدوام في مقدمة اهتماماته.

إنّ جزائر ما بعد 2019 إذ تحتفل بالذكرى المزدوجة الغالية والعزيزة، تستلهم شجاعة مجاهدي الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، وهم يبنون على جهود مفجّري الثورة التحريرية من أجل رفع الحصار الخانق عن ثورتهم وفكّ القبضة الحديدية المطبقة عنها، حتّى يسير الجزائريون في 20 أوت 2025 نحو طريق التحرّر من أيّ ضغوط خارجية عبر تجنيب بلادهم ويلات الهيمنة والتسلّط العالمي، بذكاء وحرص، ولكن أيضا بإصرار وحزم وثبات على المبادئ، يؤكّده وقوف الدولة الجزائرية مع القضايا العادلة وحقوق الشعوب المستضعفة في نيل حريتها وكرامتها، وخاصة القضيتين الفلسطينية والصحراوية.

وفي هذا السياق، لا تتوانى الدبلوماسية الجزائرية عن الدفاع عن الشعبين الشقيقين المستعمرين في فلسطين والصحراء الغربية، رغم الصمت المؤلم والخذلان الفظيع من قبل دعاة الهرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني وجيشه المجرم، وهذا ما تصرّ دويلة الإمارات ونظام المخزن على فرضه في المنطقة العربية، وإنّه لعار وخزي أن يسيرا في درب معاكس لعقارب ساعة الحرية والاستقلال، التي تفطّن المجاهدون البواسل في مؤتمر الصومام بتاريخ 20 أوت 1956 لأهميتها، إنّها الساعة التي تذكرهم بتوقيت التحرّر، كما جاء في رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بالذكرى المزدوجة حيث أكّد أنّ آباءنا المحرّرين للبلاد والمؤسسين للدولة بادروا “بفرض ساحة وتوقيت المواجهة العسكرية على العدو”.

هذا ما يفتقد إليه الضمير الخبيث للمخزن ودويلة الإمارات، لا يعيان أنّه وبدلا من الهرولة إلى الخضوع والإذعان ينبغي عليهما أن يسارعا إلى الثبات والإصرار على نصرة القضايا العادلة، أسوة بالدبلوماسية الجزائرية وما تقوم به في المحافل الدولية التي تتصدّرها بسياستها الخارجية الرصينة والصارمة، مستلهمة من هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، رؤيتهما المستبصرة في العمل على “توسيع صدى ثورة الفاتح نوفمبر 1954 التي كان العالم يتابع فصولها الدامية، وكان الأحرار في أصقاع الدنيا يرددون انتصاراتها العسكرية في ساحات الوغى، وإنجازاتها السياسية في المنابر والمحافل الدولية”، وفق ما أكّد عليه الرئيس تبون في خطابه أمس بالمناسبة.

للأسف، مثل هاتين الدولتين بسياساتهما الخارجية الخائبة، لا تريدان أن تفهما أنّ الجزائر لا تقدّم للعالم دروسها من فراغ، بل عن تجربة مليئة وزاخرة وحافلة، كان ثمنها الدماء والأشلاء، واستقلال أتى بالبارود والرصاص، ولم يكن منحة أنعم بها المستعمر على سلاطين وملوك كان يوفر لهم الحماية ويقدّم لهم أجرة مع نهاية كلّ شهر حتى يغضوا الطرف عن سرقته لخيرات شعوبهم، وبعد أن خرج من أرضهم بكامل إرادتهم ودون أدنى مقاومة تحوّل نظام المخزن ودويلة الإمارات إلى الأخذ من دروس المستعمر في الهيمنة وفرض النفوذ والسعي للتوسّع في أراضي مجاورة هي ملك لشعوب قاومت الاستعمار، فأيّ مفارقة هذه وأيّ عار وزي على هذه الأنظمة التي لا تتعظ من دروس التحرّر والنضال من أجل استرداد السيادة.

إنّ تاريخ الجزائر الناصع والثريّ هو الذي يمنح الشرعية الكاملة لقيادته السياسية والعسكرية بأن تقدّم الدروس للعالم أجمع، وخاصة للدول الساعية نحو التحرّر، دروس في التمسك بالأرض وحماية الشعب والمضي به نحو دروب التقدم وبلوغ آفاق الرقي، وكذلك أن تقدّم دروسا للدول المستكبرة والمهيمنة حول مغبّة الطغيان والاستكبار ونهاية كل من يحتقر الشعوب المستضعفة ويتجاهل غضبها وثورتها، دروس أخرى لأنظمة توسعيّة تبيع أراضي الأشقاء ودماءهم للكيان الصهيوني وتستكبر على شعوب وتحتل أراضيها تمارس نفوذها وهيمنتها بغرض نهب ثرواتها.

رابط دائم : https://dzair.cc/wg5a نسخ