كثفت السلطات الجزائرية من تحركاتها الدبلوماسية، مباشرة بعد الاعتداء المغربي الأخير واغتياله الجبان لثلاث مواطنين جزائريين، في منطقة تعدّ معبرا تجاريا استراتيجيا، تحاول الجزائر من خلاله استعادة مكانتها في منطقة غرب إفريقيا الهامة، اقتصاديا وتجاريا، حيث مثّل هذا العدوان محاولة خائبة وفاشلة من المخزن لثني الجزائر عن مساعيها المشروعة لاسترداد دورها الإقليمي في هذا الفضاء الإفريقي، والاستفادة منه في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية.
فبعد العدوان المغربي على ثلاثة رعايا جزائريين في قصف همجي لشاحناتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة في إطار حركة مبادلات تجارية عادية بين شعوب المنطقة، ها هي السلطات العليا في البلاد تتوصل إلى اتفاق مع موريتانيا لتأمين مواطني البلدين خلال تنقلاتهم وتكثيف الدوريات الأمنية على الشريط الحدودي.
وفي هذا السياق، أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، كمال بلجود، اليوم الاثنين، على “الاستعداد التام” للجزائر للعمل مع موريتانيا لإنجاز الطريق الرابط بين تندوف (الجزائر) والزويرات الموريتانية.
ويأتي اتفاق الجزائر مع موريتانيا حول تأمين التنقلات بين البلدين وكذا إنجاز طريق رابط بينهم، كردّ حازم على نية المغرب من وراء عدوانها، الذي أرادت من ورائه تكسير المبادلات التجارية بين الجزائر ودول غرب إفريقيا عبر دولة موريتانيا الشقيقة، وهي الساحة التي ظلت تحتكرها في عهد النظام السابق الذي أخلى لها الجو لتفعل ما تشاء وتعربد في منطقة إفريقية جد هامة اقتصاديا وحساسة للغاية أمنيا.
وبهذا تكون الدبلوماسية الاقتصادية التي أرسى أسسها الجديدة، الرئيس عبد المجيد تبون، وشدد عليها كثيرا في اجتماعه الأخير مع رؤساء البعثات الدبلوماسية، قد هددت نظام المخزن في احتكاره لمنطقة غرب إفريقيا، خاصة من الناحية الاقتصادية مما سيؤدي حتما إلى تراجع كبير في مداخيله من صادراته إليها، حيث أنها ستشهد انخفاضا على خلفية المنافسة الجزائرية الشرسة لها، والتي عرفت انتعاشا كبيرا خلال السنتين الأخيرتين.
وقبل هذا الاتفاق كان وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة قد راسل الأمين العام للأمم المتحدة وعدة منظمات دولية وإقليمية بشأن اغتيال المغرب للجزائريين الثلاثة، ونبّه هذه المنظمات الدولية حول خطورة العمل الإرهابي المغربي، حيث أكد على أن المغرب استعمل أسلحة قاتلة متطورة لعرقلة حركة المركبات التجارية وقام بفعلته في إقليم لا حق له فيه، مشددا على أن “هذا الفعل يحمل مخاطر وشيكة على الأمن والاستقرار في المنطقة”.
من خلال هذه التحركات الأخيرة للسلطات الجزائرية، أياما قليلة على حادثة الاعتداء الجبان الذي طال مواطنين عزل، يبدو جليا أن الجزائر ماضية قدما في وضع نظام المخزن عند حده، وفي حجمه الطبيعي الذي ما فتئ يسعى إلى مدّه جنوبا منذ خروج إسبانيا من الأراضي الصحراوية في سنة 1975، وما الاعتداء الأخير إلا فصل من فصول هذه المساعي التوسعية الخبيثة التي درج عليها هذا النظام القمعي التسلطي.
أحمد عاشور