“سنعود أقوى وأكثر صخبا بدعم من شرعية الجمعية العامة والدعم الأوسع من أعضاء الأمم المتحدة، فإن هذه ليست سوى خطوة أخرى في الرحلة نحو العضوية الكاملة لفلسطين”، هذه الكلمات التي أدلى بها ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عمار بن جامع، خلال مداخلته، عقب الفيتو الأمريكي على المشروع الجزائري لقرار مجلس الأمن الذي يوصي بقبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، هي أكبر من أن تكون مجرّد تصريح عابر، إنها تنبع من نفس المشكاة التي استلهمت منها الدبلوماسية الجزائرية عزيمتها في أعقاب الفيتو الأمريكي الذي وقف في طريق القرار الجزائري الذي كان يستهدف وقفا فوريا لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
الجزائر ورغم الفيتو الأمريكي الذي كان منتظرا أحرجت الولايات المتحدة ووضعتها أمام مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية، في دعمها اللامشروط للكيان الصهيوني بإقحامها لترسانتها العسكرية في الإبادة الجماعية لسكان غزة، ومنعها المساعدات الغذائية عنها، ومن هنا نجحت الدبلوماسية الجزائرية المثابرة في دفع أمريكا إلى أن تضع يدها ولا ترفعها في الجولة الثانية من التصويت على مشروع القرار الجزائري الذي كان يستهدف وقف إطلاق فوري للنار في القطاع وإدخال المساعدات إلى غزة.
الولايات المتحدة بدأت العمل مبكرا حينما أعلنت الجزائر عن نيتها في تحريك الدعم وحشد المساندة لمشروع قرار يهدف إلى اعتراف مجلس الأمن بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وحاولت حرف انتباه المجتمع الدولي عما يحدث في غزة من مجازر مروعة، كانت قد فضحت أكاذيبها ومزاعم الكيان الصهيوني بالتزام مزعوم من قبل هذا الأخير بأخلاق الحرب في عدوانه على غزة، حيث قامت بدعمه في توجيه ضربة إلى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد ساندته بفيتو أفشل قرارا لإدانته في مجلس الأمن على هذا العدوان السافر.
والحقيقة أن الولايات المتحدة اتفقت مع الكيان الصهيوني على خلق جو من التصعيد والتوتر يُنسي المجتمع الدولي ما يحدث في غزة من انتهاكات سافرة، حتى يلقى رفضها لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة تعاطفا لدى الدول الغربية مع الكيان الصهيوني، من منطلق كونه يجد مبررا له في دخول إيران على الخط و”هجومها” على الأراضي المحتلة، وقد كانت الصفقة واضحة بين بايدن ونتانياهو وملامحها كالتالي: ضربة رمزية لإيران + منع نشوب حرب إقليمية + انقاذ بايدن داخليا، مقابل الفيتو الأمريكي ضد إقامة دولة فلسطينية + منطقة عازلة شمال غزة + رفح ومحور فلادلفيا + صفقة سلاح كبرى + التطبيع، والفلسطينيون هم دوما من يدفعون الثمن، كما أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية خليل العناني.