الجزائر محور توازن منطقة الساحل ودورها رئيسي للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وازدهارها

يرى مراقبون أن تصعيد السلطات الانتقالية في باماكو رد فعل مبالغ فيه تجاه الجزائر، خاصة أنها تعد الراعي الرئيسي لاتفاق السلام المبرم بين الحكومة المالية والحركات المسلحة في شمال البلاد في عام 2015، وتقوم بمتابعة تنفيذ بنوده على مدار السنوات الثماني الماضية، وهو ما يثير شكوكهم حول أسباب ودوافع إقدام باماكو على هذه الخطوة التصعيدية.

وفي إطار سياق إقليمي مضطرب ومعقد أمنيا وسياسيا، يرى محللون أن البلدين في حاجة لبعضهما فلا الجزائر ترغب في تلاشي نفوذها القوي في مالي التي تعدّ بوابتها الرئيسية للنفوذ في منطقة الساحل. ولا من مصلحة مالي أن تتخلى عن الجزائر إذ يدرك نظام باماكو حاجته إلى الجانب الجزائري، سواء في المسار التفاوضي مع الحركات المسلحة، أو في مسار المواجهة العسكرية لضمان عدم إيواء الجزائر عناصر تلك الحركات ومن هذا المنطلق يتوقع المحللون أن يتجاوز الطرفان الأزمة الراهنة في وقت قريب.

في المقابل، حذر مراقبون آخرون من أن التطورات الأخيرة قد تفضي إلى انهيار اتفاق الجزائر 2015 وبالتالي إلى مزيد من العنف في منطقة تتعرض بالفعل إلى تهديد مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة، في وقت انسحبت فيه القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الأشهر الأخيرة.

كما ذهب الخبراء إلى أن هذه الأزمة الدبلوماسية، في حال استمرت أكثر، من شأنها أن تزيد من عزلة النظام المالي إقليميا، خصوصا بعد توتر العلاقات مع تكتل إيكواس وفرنسا.

ومع تنصل رئيس المجلس العسكري الانتقالي في باماكو عاصيمي غويتا من اتفاق السلم والمصالحة الموقع مع الأزواد عام 2015، واعتزام الجيش استرجاع السيطرة على كامل الأراضي بما فيها الخاضعة منذ عقود لسلطة قبائل الطوارق، أضحى شبح الفوضى المستدامة يتربص بمالي ودول الجوار التي تقاسمها نفس الامتداد القبائلي، وسط مخاوف من عودة النزعة الانفصالية، واستغلال الجماعات الإرهابية للأوضاع لتعزيز نفوذها على الأرض.

وفي هذا السياق، أوضح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية خالد خليف لجريدة الخبر أن “السلطات في مالي لم تقرأ حسابا لمخاطر خطوتها وتأثيراتها على أمن مالي ودول الجوار ومنطقة الساحل ككل، حين ذهبت لإعلان تخليها عن اتفاق الجزائر الذي كان دعامة مهمة في بسط السلم والاستقرار داخل مالي”.

ولفت خليف إلى أن “الجزائر منذ بداية وساطتها في أزمة البلد الحدودي كانت دائما مع لغة الحوار، والحل التشاركي بين الماليين أنفسهم، مع توفير الأرضية الجامعة والشاملة لكل مكونات الشعب وأطياف الطبقة السياسية المالية دون إقصاء”، مستدركا: “لكن يبدو أن السلطات العسكرية في مالي لها رأي آخر، وقد تبنته فعليا، لأن الأحداث الأخيرة أكدت أن هناك خيوطا تدار بها الشؤون المالية من خارج البلاد”.

وأكد المراقب الدولي العسكري سابقا لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول،  لذات الصحيفة، بخصوص وفي تفسيره لتحركات باماكو، أن “المشكلة الأساسية هي محاولة استثناء الجزائر من دورها الرئيسي في التأثير في وضع دولة مالي القادم”، مبرزا أن السبب وراء ذلك هو الفراغ الذي تركته القوات الفرنسية وراءها، والاستقطاب الدولي داخل دولة مالي تحت سيطرة المجلس العسكري.

وأوضح الزغلول، في ما يتعلق بالنسبة لدور الجزائر، أنه يأتي من باب “الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وضمان أمنها القومي في ظل تعدد الانقلابات العسكرية في المنطقة، وعدم تحديد التوجه الاستراتيجي فيها، فضلا عن ضعف المشاركة السياسية في ظل وجود مجلس عسكري لا يريد دمج قوات الأزواد في الجيش، والذي بدوره يستثني أي دور قادم لهم، ولذلك يقوم الجيش بشن حملات على الإرهاب دون مشاركة الأزواد بذلك، لبسط مزيد من السيطرة في منطقة الشمال”.

ويتمثل الهدف الرئيسي لاتفاق الجزائر في منع انفصال إقليم الأزواد، وبالمقابل يسعى لضمان تكفل باماكو بتنمية الإقليم المهمش، وإدماج مسلحيه في قوات الأمن والجيش، وأيضا في المناصب المدنية، وقد اعترى تنفيذ الاتفاق بعض التعثر لاختلاف الطرفين في قراءة مضمونه، خاصة ما تعلق بشروط تفكيك الحركات المسلحة وإعادة دمجها في الجيش النظامي.

وأدى الانقلاب العسكري في 2020 إلى تعقيد الوضع أكثر، وهددت تنسيقية الأزواد بالانسحاب من اتفاق السلام نظرا لعدم تنفيذ باماكو بنوده طيلة السنوات الماضية، لكن الجزائر تدخلت أكثر من مرة لمنع انهياره.

ويقوم دورُ الجزائر في منطقة الساحل على نزع فتيل الحروب والصراعات عبر آلية الوساطة الدبلوماسية التي تهدف إلى إزالة الخلافات بين مختلف الفرقاء، وانطلاقا من حرص الجزائر للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وضمان أمنها القومي في ظل تعدد الانقلابات العسكرية في المنطقة.

وعلى هذا الأساس فإن اندلاع حرب بين قوات المجلس العسكري المالي وحركات الأزواد سيخدم بالدرجة الأولى الجماعات الإرهابية المنتشرة في شمال ووسط البلاد، ومن شأنه أن يعيد تمرد الطوارق في النيجر المجاورة وحتى بوركينافاسو وليبيا ويفتح المجال لعودة فرنسا مجددا إلى المنطقة تحت عنوان “حماية الأقليات” ويُدخِل المنطقة في صراعات محتدمة تُفقدها استقرارها وأمنها.