الجناح المخزني الموالي لفرنسا يفضّل الشركات الفرنسية في صفقات إعادة إعمار المناطق المتضرّرة من الزلزال 

يتحدّث إعلام المخزن طوال السنة عن وجود أزمة بين المغرب وفرنسا، في المقابل أمضى الملك محمد السادس أكثر من 200 يوم من العام الماضي، متنقلا بين قصوره في مختلف المناطق الفرنسية، فهل يمكن حقّا وحال محمّد السادس تجعل منه أشبه ما يكون بـ “مواطن فرنسي”، الحديث عن أزمة دبلوماسية بين البلدين؟

وقد أعاد رفض المخزن للمساعدات التي تقدمت بها باريس على إثر الزلزال الذي ضرب مناطق من وسط المغرب، إلى الواجهة، العلاقات الثنائية، حيث تناولها الإعلام المغربي من زاوية حاول الترويج من خلالها إلى أفكار لا تعكسها حقيقة الاتصال اللصيق والانسجام الوثيق بين باريس والرباط، فلا أدّل من ذلك على أن يظلّ الملك محمد السادس مواصلا إقامته بفرنسا رغم مرور 24 ساعة من الإعلان عن خبر الزلزال.

في البداية وقبل فضح هذا التناقض، علينا أنّ نمعن الملاحظة جيّدا في طريقة تعامل وزارة الخارجية المغربية مع كلّ ما يأتي من تصريحات وقرارات مسؤولين فرنسيين، أو غيرهم في دول أخرى، تتعلّق بالمملكة، إنّها لا تكلّف نفسها أصلا بردّ الفعل حتى ولو تعلّق الأمر بإهانة لرموز ومقدسات المغرب أو تجاوز للخطوط الحمراء التي يضعها المخزن، مثلما رأينها تعاملها مع جنوب إفريقيا بخصوص موقفها من إيداع ملف انضمام المغرب إلى البريكس، حينما أوكلة مهمّة “الرّد” إلى وكالة الأنباء المغربية على لسان مسؤول في الوزارة التي التزمت الصمت ونأت بنفسها جانبا وكأنّ الأمر لا يعنيها بينما كانت تمارس سياسة دسّ الرأس في التراب.

وزارة خارجية المخزن أضحت في أيّ “اصطدام دبلوماسي” تلجأ إلى التعبير عن مواقفها عبر الإعلام الرّسمي المغربي، باستخدام خلطات صحفية سحرية على غرار؛ “مسؤول مأذون من الوزارة” متحدّثا إلى وكالة الأنباء أو إلى صحيفة موالية للمخزن، “مصدر رسمي مغربي”، ثمّ تقوم الخارجية بعد ذلك بنقل المقال في موقعها الرسمي، وكأنها آخر من يعلم، أو أنها مثل أي مواطن مغربي بسيط تستقي الأخبار حول العلاقات الخارجية للمغرب من الإعلام الرسمي، بما يرحي أنّ ردود الأفعال الدبلوماسية التي تصدر من وزارة الخارجية المغربية والتي تأخذ طابعا غير رسمي، تشير إلى وجود صراع كامن على وقع تضارب في مصالح أجنحة متشاكسة داخا المنظومة المخزنية يحول دون تحديد المواقف أو مواجهة الخارج بها بشكل مباشر.

إنّ تصريحات المسؤولين المغاربة حول إعادة إعمار المناطق التي ضربها الزلزال، والتي تسيل لعاب دول لها علاقات وطيدة بالمخزن، تناقض بشكل تام قرار المغرب عدم قبول المساعدات الفرنسية، وهي القصّة التي أخذت بعدا قوميا هدّأ من غضب شريحة واسعة من المغاربة الرافضين للتدخل الفرنسي في شؤون المغرب، لكن حتّى هؤلاء لا يستطيعون الوقوف في مطامع جناح مخزني معيّن يستفيد ممّا تقدّمه شركات الإعمار والإسكان الفرنسية من رشاوي للمسؤولين المغاربة، والتي تعدّ عدّتها للحصول على صفقات مجزية عقب انقشاع غبار الزلزال.

وفي حين ترتفع أصوات عالية داخل القارة الإفريقية من أجل طرد فرنسا التي تستنزف ثروات شعوبها، يحرص المخزن على فرض تواجد اقتصادي استثنائي لباريس داخل نسيجه، وهو ما يمثله العدد الكبير للشركات الفرنسية المستثمرة في المملكة، والتي تحرص على أن تكون حصتها كبيرة جدا من كعكة إعادة الإعمار.

إنّ معرفة حقيقة وعمق العلاقات الفرنسية المغربية التي يسعى جناح في المخزن موالي لباريس إلى الحفاظ عليها، تجعل المتتبع يدرك أنّ أبواق المخزن التي تتحدّث عن أزمة بين الجانبين مهمتها إحداث الضجيج وافتعال الضوضاء التي يتمكن معها هذا الجناح من تمرير الصفقات للشركات الفرنسية وتلقي الرشاوي منها، بينما تتيح له الأصوات المرتفعة من جراء المهاترات الإعلامية التي تتحدث عن “سيادة المغرب” الذي رفض المساعدات الفرنسية، بأن يضع تلك الأموال من العملة الصعبة في خزائنه بالبنوك الأجنبية.