الدبلوماسية الجزائرية وعدت وأقنعت وأوفت وعلّمت العالم كيف تُنتزع الحقوق

وسائل الإعلام العالمية تناقلت الحوار العفوي والقصير الذي دار بين المندوب الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع ونظيره الفلسطيني، حينما طلب منه الوقوف إلى جانبه في المقدمة أثناء عقد مؤتمر صحفي مشترك مع بقية مندوبي المجموعة العربية، فردّ عليه بن جامع بكلمة عفوية لكنها قوية المعنى ستبقى في التاريخ لتخلّد الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية:  “أنا وراك دائما”، وهكذا كانت الجزائر وعلى الدوام في ظهر القضية الفلسطينية.

مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة الدبلوماسي الفحل والحرّ عمار بن جامع أوفى بعهده حينما قال “سنعود لندق الأبواب ومعنا أرواح الأبرياء في غزة”، وبالفعل.. عادت الجزائر من جديد، بعد شهر من الفيتو الأمريكي الذي أفشل مشروع القرار الجزائري، وكما قال بن جامع، عادت الجزائر التي لا تكل ولا تمل لتجبر مجلس الأمن على تحمل مسؤولياته كاملة وغير منقوصة تجاه الشعب الفلسطيني لوقف العدوان ضد غزة.

رسالة الجزائر والدول التي اقتنعت بصواب مشروع القرار الجزائري إلى الشعب الفلسطيني قرأها عمار بن جامع: “المجموعة الدولية بمختلف أطيافها تشعر بآلامكم ولن تتخلى عنكم”،  وهكذا تمكنت الدبلوماسية الجزائرية من تحويل الموقف الدولي 180 درجة.

القرار يقول لجيش الاحتلال كفى قتلا وإبادة، هذا القرار عزل الكيان الصهيوني عن المجتمع الدولي وأظهر حقيقته الإجرامية المتنافية مع مبادئ الإنسانية التي تقوم عليها الأمم المتحدة، وهذا ما سعت الدبلوماسية الجزائرية لإظهاره للعالم أجمع، بالمختصر: لقد فضحت الجزائر الكيان الصهيوني أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

الولايات المتحدة التي أذعنت لإصرار الجزائر على قرع أبواب الأمم المتحدة، اعترف محللوها وأقرّوا للدبلوماسية الجزائرية بعلوّ كعبها ودورها المحوري في المنظومة الدولية، بعد اتصال بلينكن بعطاف قبل التصويت على مشروع القرار المعتمد، إنها دبلوماسية غير عادية استطاعت تجاوز سيناريوهات الفيتو والامتناع عن التصويت، يعني أنّ الأمر لم يكن بالسهولة التي قد يتخيلها البعض.

وبالفعل.. الأمر لم يكن سهلا، فلتمرير مشروع القرار كان ينبغي إقناع 9 دول على الأقل من بين 15 عضو يشكلون مجلس الأمن الدولي، من أجل تبنّيه والتصويت عليه، دون أن يعترض طريقه الفيتو من الدول الخمس دائمة العضوية، والمثير للانتباه أن 4 دول يحق لها استخدام الفيتو، بينها بريطانيا وفرنسا الدولتان الحليفتان لأمريكا، صوتت لصالح المشروع الجزائري، ووحدها الولايات المتحدة لم تصوت لكنها لم تعترض، ليمرّ القرار الجزائري ويتم اعتماده في الهيئة الدولية الأعلى في العالم.

الدبلوماسية الجزائرية كانت ذكية جدّا حينما حوّلت الفيتو الأمريكي إلى امتناع عن التصويت، وليس فقط دهاء أبناء الجزائر هو الذي صنع هذا النصر الدبلوماسي، بل أيضا، وباعتراف المحللين الأمريكيين، فإنّ ذلك جاء بسبب الانفراج في آخر سنتين للعلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة التي تدرك جيدا مكانة ودور الجزائر وتحكّمها الجيد في الملفات الأمنية لمنطقة الساحل.