الدروس المنسية… بقلم هاجر ميموني

مصادر مُقدّرات المعرفة التّي يكتسبها الانسان منذ نشأته عديدة، وأهمّها التّجربة، ولئن تعلّم الانسان بالتّجربة الكثير من الأشياء، إلاّ أنّه كثيرا ما ينسى، ففي أواخر سنة 2019، مُلئت فضاءات الأخبار بالأخصّ تلك التّي تنشط عبر الوسائط الاجتماعية بما كان يرد من أخبار من المدينة الصّينية “يوهان” وكعهدي بها راحت بعض هذه الوسائط تحلّل وتستنتج كما يحلو لها، وتربط ما أصاب النّاس في هذه المدينة بأشياء لم تكن قطّ كذلك، ولم يبق أمر ناس “يوهان” قابعا في جغرافيا مدينتهم، فانتشر ما أصابهم إلى بعض الدّول، ولم يبق فيها فقط، لكنّه امتدّ انتشاره إلى أخرى في رحلة سريعة كان يأخذ معه مُسببات الألم والمعاناة والموت إلى أن عمّ، ولمّا عمّ صار الأمر جائحة عالمية أطلق عليها اسم: جائحة كوفيد 19 واختصارا “كرونا”. وعُجت موائد النّقاش، وكثر الكلام والتّحليل، عن هذا الفيروس المنتمي للفيروسات المسبّبة للأنفلوزة وبدأ النّاس يفقدون أعزاء لهم ، بطش بهم هذا الفيروس الذّي ينتمي إلى فصيلة كرونا.

لقد تمكن هذا الكائن المجهري من الانتشار بسرعة البرق، ولئن عُرف بأنّه من الفيروسات المسبّبة للأنفلونزة، فإنه شذّ عن القواعد المتعارف عليها علميا من أن الفيروسات المسبّبة للأنفلونزة تظهر مع برودة الطقس، حين خلق لنفسه ميكنانزمات التّكيف مع جميع الحالات المناخية للطّقس، ولم يقهره حرّ الصّيف أو جفاف مناخ الصّحراء، وتمكّن بخصائصه الجديدة التّي عدّلت من خصائصه المعروف بها، من زرع الرّعب في النّاس، واتخذت تدابير وقائية للقضاء عليه والحد منه، ومنها تدابير الحجر الصّحي، ولازم النّاس فيه بيوتهم، وانكب العلماء ذوو الاختصاص في صراع مع الزّمن لإيجاد لقاح يتيح للنّاس اكتساب قدر من المناعة من الفيروس وممارسة حياتهم بشكل عادي.

لم يتم الجزم مع بروز عدّة لقاحات تحت أسماء مختلفة، بأنّ متلقّي اللّقاح قد اكتسب مناعة ضد الفيروس وفي منأى عن الإصابة بفيروس كرونا، طال أمد الجائحة وبدأ النّاس ينفرون من حالة الحجر الصحي في تحدّ مُخاطرة بأنفسهم وأنفس غيرهم، ومع مرور الوقت بدأ تناقص في الإصابات بكوفيد 19، وكلّ يوم مرّ تزداد تناقصا، فاستبشرت الإنسانية بهذا الفرج الذّي طال انتظاره. إلى أن عادت حياة الناس عادية و رفعت في معظم دول العالم الإجراءات والتّدابير التّي اتخذت لمحاربة هذا الفيروس.

لا يوجد ما يهزّ المشاعر والوجدان عند الإنسان أكثر من فاجعة الموت، وإن اكتوت الإنسانية بوباء كوفيد 19 وحصدت أرواحا، وتضافرت الجهود للقضاء عليه أو الحد منه، لكن سرعان من نسي الناس ذلك، ومع ما يمكن حدوثه خاصّة مع الأنفلونزة الموسمية التّي يحذّر منها أصحاب الاختصاص، حتّى وإن جاءت باسم غير اسم كوفيد 19، وإن كان في حياة النّاس يعرفون بأنّ للمرض دواء، فإنّ الحديث عن دواء المرض يأتي متأخر، لأنّ الأصل في الحياة الصّحية للفرد أن يحتاط بالوقاية من مسببات المرض، ويصير من الضّروري الاحتياط بما تعلّمناه في زمن كوفيد 19، والتّحلي بأسباب الوقاية منها، و لا يجب أن ننساها، فالنّظافة في حياتنا اليومية يجب أن نجعلها من حياتنا العادية، وتعد يدا الإنسان الوسيلة الأهم في تعاملاته والنقل للأمراض، فنظافتهما ضرورية، ونظافة أجسادنا ومحيطنا ذات أهمية في الوقاية من الأنفلوزة الموسمية، ولا ننتظر من يرشدنا لارتداء القناع الواقي لما له من أهمية في الحد من الأنفلونزة الموسمية التّي تحل مع بداية كل فصل شتاء ونجعل الاحتياطات من حياتنا اليومية خاصة في فصل الشتاء الذي تنتعش فيه فيروسات الأنفلونزة.

بقلم هاجر ميموني