الدينار الرقمي الجزائري .. من محفظة نقدية إلى محفظة رقمية .. بقلم الباحث زكي كوريبعة 

كمال علاق

في ظل ما يشهده العالم من تطور سريع لمظاهر الثورة الرقمية في أنظمة المالية والمدفوعات الرقمية التي أصبحت تشكل أهم المقومات الأساسية لنظام المالي وهذا بإدماج مختلف أدوات الذكاء الاصطناعي كخوارزميات التنبؤ بغرض معالجة وتحليل البيانات الضخمة (Big Data) واستنباط مختلف القراءات التنبؤية لتقلبات أسواق الأصول الرقمية المتداولة.

حيث يمثل صعود العملات الرقمية علامة بارزة في تطور النظام المالي العالمي بتحول الرقمي، الذي يغديه التقدم التكنولوجي السريع ورقمنة الأنظمة المالية، حيث أفرز بروز العملات الافتراضية المشفرة اللامركزية (Crypto Currency) المستندة إلى تقنية البلوك تشين تحديات ومخاطر جمة تواجه الحكومات وبنوكها المركزية وتهدد نظم الدفع المحلية والدولية، والتي تعتمد في تعاملاتها على تكنولوجيا دفاتر الحسابات الموزعة (Technology Ledger Distributed) من أهم أشكالها عملة البيتكوين (Bitcoin -BTC-) التي تمثل كذلك أهم أشكال العملات المشفرة (Crypto Currency) التي تستخدم تكنولوجيا سلسلة الكتل (Blockchain)،والتي تعد أحد اهم الأصول الرقمية بقيمة سوقية 1.2 ترليون دولار عبر منصات التداول الرقمية بمحفظة العملات الرقمية (Digital Wallet ) على غرار كراكن (Kraken) ، و StormGain, وبينانس (Binance),…الخ ، وعلى حسب موقع beincrypto.com المتخصص في مؤشرات التداول للعملات الرقمية المشفرة اللامركزية فانه تتراوح قيمة Bitcoin وفقاً لتصنيف السوق العالمي للعملات المشفرة رقم 1 وبمتوسط يومي لحجم التداول 28.8 مليار دولار و سعرها حاليا 61656 دولار في يوم 29/04/2024 صباحا ، متبوعتا بالاثيريوم (Ethereum-ETH-) بقيمة سوقية 372.3 مليار دولار وتتراوح قيمة Ethereum وفقاً لتصنيف السوق العالمي للعملات المشفرة رقم 2 وبمتوسط يومي لحجم التداول 15.1 مليار دولار وحالياً سعرها متداول 3040.04 دولار.

ومن خلال تلك العملات اللامركزية برز التوجه نحو استصدار العملات الرقمية المركزية كأحد أهم الحلول لمواجهة توسع وانتشار التعامل بهذا النوع المبتكر من العملات، مع العلم انه كثير من الدول بدأت في تبني هده العملات.

حيث في المجمل أدى ظهور العملات الرقمية إلى تغيير جذري في مشهد المعاملات النقدية، ووفر نظامًا ماليًا أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة والشمولية.

وكما أشار صندوق النقد الدولي، فإن ما يقارب من 134 دولة تقوم الآن باستكشاف والبحث، تطوير أو تنفيذ العملات الرقمية، ارتفاعا من 74 دولة في عام 2021.

ويعكس هذا الاهتمام المتزايد للحكومات بالاستفادة من التمويل الرقمي لتعزيز الشمول المالي، وخاصة بالنسبة للسكان الذين يعانون من نقص الخدمات المصرفية، بل وإصدار ثلاثة بلدان لعمالتها الرقمية الخاصة (الباهاماس، نيجريا والصين – e-CNY -)، وبالتالي فمن غير العملي أن تبقى الجزائر بعيدة عن هذا التوجه، الذي قد يصبح ضروريا خلال العقود القليلة القادمة.

ونتيجة للتحول المتزايد الذي تشهده الجزائر خلال السنوات الأربعة الأخيرة من سنة 2020 إلى يومنا نحو المدفوعات الرقمية وتبني الحلول التكنولوجية للتجارة الالكترونية لإبرام المعاملات، لا يمكن أن تستمر المعاملات النقدية في الجزائر بالشكل الذي هي عليه اليوم، كما أن الرغبة في تعزيز جوانب الاقتصاد الرقمي في بيئة أعمال عالمية أكثر رقمية، يتطلب بداية تعزيز الدفع الرقمي على مختلف المستويات وبتفكير مسبقا باستحداث عملة رقمية كأداة رسمية مركزية لمختلف المعاملات من اجل نظام بيئي رقمي متوازن.

وبالتالي تعد استراتيجية العملة الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) خلال السنوات الأخيرة، إحدى المبادرات الدولة الجزائرية والتي تهدف إلى تسريع التحول الرقمي في قطاع الخدمات المالية وتعزيز التعاملات الرقمية من اجل الوصول الى اقتصاد رقمي بمختلف زواياه والعناصر المكونة له، خاصةً ما تم استحداثه بهدف مواكبة هذه التحولات المتسارعة، حيث بادرت الجزائر في جوان 2023 بإصدار القانون النقدي والمصرفي رقم 09-23 والذي يعتبر نقلة نوعية في مجال التحول الرقمي بعد التوجه الصريح نحو منح بنك الجزائر صالحيات إصدار وتسيير الدينار الرقمي الجزائري في سياق يتميز بالعديد من التحديات التي تواجه هذا المشروع الرقمي الذي يتطلب تهيئة البنية التحتية لمدفوعات وأنظمة الدفع مع تشجيع الابتكار والمنافسة لتحسين تكنولوجيا الاتصالات بما يساهم في نمو الاقتصاد الوطني وخلق بيئة اكثر رقمية.

إذ تُعد العملة الرقمية للبنوك المركزية المُصدرة والمدعومة من المصرف المركزي شكلاً من أشكال النقود الرقمية الخالية من المخاطر والمخزنة للقيمة، وتتميز بكونها وسيلة أكثر أماناً وسرعة لإجراء المدفوعات عبر الحدود وبتكلفة منخفضة، وأداة لانتقال من ”محفظة نقدية الى محفظة رقمية ( Digital Wallet ).

حيث يندرج تصور مشروع الدينار الرقمي الجزائري في سياق التوجه العالمي نحو رقمنة المعاملات المالية والنقدية باستخدام تقنية البلوك تشين(Block-chain) التي تحافظ على سجل دائم وغير قابل للتزوير لبيانات والمعاملات المرتبطة ببعضها البعض من خلال سلسلة من الكتل والتي تمثل نظاما يستند إلى شبكة النظير للنظير(Peer to Peer) وهذا في ظل تطور الذي تعرفه تكنولوجيا المالية (FIN-TECH )، حيث يتوقع أن يحدث تجسيده ثورة جديدة في نماذج الأعمال (Business Model) ويفعل روابط اقتصادية رقمية جديدة قائمة على اللامركزية و اللاوساطة، ويعزز معدلات الشمول المالي حيث يسهل وصول إلى مختلف الخدمات المالية خاصتا في المناطق النائية التي تشهد معدلات تغطية ضعيفة أو شبه منعدمة للخدمات المالية، وكذلك من حيث الوقت والتكلفة وبساطة الاستعمال، كما يمكن أن يسهم بشكل فعال في الحل الجدري للمشكلات الهيكلية، كمشكلة السيولة النقدية والتسرب النقدي ومدفوعات التجزئة، والسوق الموازية للعملات والسلع والتهرب الضريبي، وتتبع حركة رؤوس الأموال لمختلف التحويلات المالية الدولية وكذا توجيه الدعم الحكومي، بالإضافة إلى الحد من مخاطر استخدام عملات رقمية المشفرة خاصة أنها لا تخضع لرقابة السلطات النقدية المركزية، مما يساهم في تعزيز التحول لاقتصاد رقمي والوصول لمجتمع لا نقدي.

 

غير أنه يمكن أن ينعكس إصدار العملة الرقمية للبنك المركزي سلبيا على الوساطة المصرفية بسبب منافستها للودائع المالية، وذلك عند قيام الأفراد والشركات بسحب ودائعهم من المصارف التجارية لإيداعها كعملات رقمية في البنك المركزي، مما يؤدي إلى تراجع الودائع البنكية وهو ما يدفع بالبنوك التجارية التي تتقيد قدرتها على تقديم قروض بالبحث عن مصادر تمويلية بديلة.

 

وفي الختام، أدركت الجزائر حجم الفرص التي تتيحها الثورة الرقمية المالية حيث شكل صدور القانون النقدي والمصرفي رقم: 09-23 المؤرخ في 21 جوان 2023 أهم مظاهر التكيف مع التحول الرقمي من خلال وضع الإطار القانوني لإصدار وتسيير العملة الرقمية لبنك الجزائر والرقابة عليها، زيادةً على أن الجزائر تتمتع بالعديد من الميزات التي تمكنها من تعزيز تصورها في هذا الشأن في نظام بيئي رقمي مشجع، حيث أحصت سلطة ضبط البريد والاتصالات الإلكترونية أكثر من 53.62 مليون مشترك في الانترنت الثابت المحمول في الجزائر سنة 2023، منها 5,53 مليون مشترك في الانترنت الثابت حتى 31 ديسمبر 2023 بنسبة تغطية الاجمالية للأنترنت فاقت 80 %.

 

وكذا توفر البنى التحتية لمراكز البيانات مؤمنة و كمثال الجهود المبذولة من قبل المؤسسات التابعة لقطاع الاتصالات على غرار اتصالات الجزائر فما يخص مركز الامن السيبراني (SOC) الذي يتكفل خبراؤه بالحماية من الهجمات السيبرانية والتهديدات الناجمة عن الأنترنت أو تلك التي تتم عبر الأنترنت. زيادتا الى تطور المدفوعات الرقمية المشجعة والتجارة الالكترونية.

 

حيث أصبح تسريع تبني العملة الرقمية من طرف البنك المركزي والعمل على إصدارها كمرحلة تجريبية وربطها بالعملات الورقية المدعومة بالاحتياطيات النقدية يكتسي اهمية بالغة لتحل محل العملات الأخرى لامركزية الإصدار، على غرار دولة نيجيريا التي قامت بإصدار عملتها الرقمية من البنك المركزي سنة 2021 (eNaira) وقد تم تطويرها لاستكمال العملة المادية، وليس لإستبدالها.

 

إذ وفي حالة إتاحة الدينار الرقمي في الجزائر محليا للمقيمين في الداخل أو في الخارج سيؤثر إيجاباً على تدفقات رأس المال، كما أن التحكم في المعروض النقدي سيصبح أكثر سهولة بالنسبة للبنك المركزي، بالإضافة إلى أن آلية التحويل النقدي ستصبح أكثر مرونة.

 

زيادةً على أنه سيصبح أكثر شفافية في ظل استخدام عملة الرقمية من تحديد وبسهولة الجهات المستفيدة من أية تحويلات نقدية، خاصة وأن الجزائر تتجه بخطوات ثابتة خلال السنوات الأخيرة نحو السوق الافريقية الحرة وسوق المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) باعتباره أهم تكتل اقتصادي في القارة، زيادةً إلى استحداث مؤخرا لمصارف مالية في دول غرب افريقيا كدولة سينغال وغيرها، وكذلك على أنه يسرع الشمول المالي في المناطق التي تشهد معدلات تغطية ضعيفة أو شبه منعدمة للخدمات المالية واللذين لا يملكون حسابات مصرفية.

شارك المقال على :