بقلم بكير زروال
في عصر الإتصال الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يمكن تجاهله في مشهد الأخبار، لقد تحولت هذه المنصات إلى مصادر رئيسية للأخبار، لكن في ذات الوقت، أصبحت بؤرًا لنشر الشائعات والأخبار الزائفة، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الصحفيين الجزائريين لضمان دقة المعلومات.
مع سهولة نشر المحتوى وتفاعلات المستخدمين السريعة، تتطلب مواجهة الأخبار المضللة من الصحفيين التحقق الدقيق من المعلومات والصور والفيديوهات.
في عصر الرقمنة و التحول الرقمي الكبير يتزايد دور الذكاء الاصطناعي كأداة حيوية في مكافحة الأخبار الزائفة، عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، يمكن تحليل البيانات الضخمة وتحديد الأخبار الكاذبة بشكل أكثر فعالية في الجزائر، يمثل التحول الرقمي والذكاء الإصطناعي فرصة كبيرة لتعزيز قدرات الإعلام في مواجهة الأخبار الكاذبة وخاصة تلك التي تستهدف الجزائر، مما يساهم في تعزيز مصداقية الصحافة وضمان تدفق معلومات دقيقة وموثوقة في حتمية لا بد منها في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصناعي.
مواقع التواصل الاجتماعي: وسيلة لنشر الدعاية الخبيثة
تتعرض الجزائر لحملة إعلامية إلكترونية شرسة، تستهدف بث الفوضى وعدم الاستقرار عبر اكثر من 90 موقعاً مخصصاً لنشر الأكاذيب والشائعات، وراء هذه الشبكة المظلمة تقف دول مجاورة تسعى لزعزعة استقرار البلاد.
وفي خضم هذا الهجوم الرقمي، تعتمد الدولة على تقنياتها المتطورة لتعزيز الأمن المعلوماتي وحماية الحقيقة. وفي ذات الوقت، يتصدى الإعلاميون في القطاع الخاص لهذه الحملات بكفاءة، حيث يعملون على كشف زيف المعلومات المغلوطة وتقديم الحقائق بدقة، محافظين على نزاهة الإعلام ومصداقيته.
في خضم التطورات السريعة التي تشهدها الجزائر، صارت مواقع التواصل الاجتماعي “ساحة الحرب الجديدة” فقد روج أعداء الجزائر للعديد من الأخبار الكاذبة وأشهرها فيديو نشره التلفزيون العمومي الجزائري يظهر رتلا من الشاحنات يتوجه لنقل محاصيل القمح بالصحراء الجزائرية لتخرج أبواق المخزن وتقول أنه فيديو مفبرك ومصنوع بالذكاء الإصطناعي ليرد الإعلام الجزائري والمنصات المختصة في كشف الأخبار الكاذبة بالحقيقة الصادمة للأعداء.
كشفت فرانسيس هوجان، المسؤولة السابقة لدى فيسبوك، أن الشركة تتغاضى عمداً عن منع المحتوى الذي يروج للكراهية والانقسام. وأكدت هوجان أن فيسبوك وإنستجرام وواتساب يعمدون إلى ترك المنشورات الزائفة والعنصرية دون رادع، بهدف زيادة أرباحهم من خلال إبقاء المستخدمين على المنصات لأطول فترة ممكنة.
هذا الأمر يعلمه جيداً من يسعى لزعزعة استقرار الجزائر. يستخدمون هذه المنصات بطرق مباشرة وأحياناً بطرق ذكية يصعب على المستخدم العادي اكتشافها أو التحقق من صحتها. العديد من الصفحات المنشأة من دول أجنبية تتخفى وراء أسماء جزائرية وتبث منشورات موجهة للجمهور الجزائري، فيما تبدو صفحات أخرى محايدة ولكنها تتعمد نشر معلومات مضللة لتشويه صورة الجزائر.
وفقاً للإحصائيات الأخيرة، يمكن استهداف 25 مليون جزائري من خلال المنشورات الممولة على فيسبوك، وهو رقم يعادل تقريباً إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد، الذي بلغ حسب الإحصائيات 26.35 مليون حتى فبراير 2021. ومن الملفت أن الشخص العادي يمتلك في المتوسط حسابات على أكثر من 6 منصات تواصل اجتماعي مختلفة. الأكثر إثارة للقلق هو أن شريحة كبيرة من مستخدمي الإنترنت يكتفون بالتفاعل عبر السوشيال ميديا فقط، دون زيارة المواقع الإلكترونية المعتمدة أو حتى متابعة الروابط الإخبارية التي تُنشر على هذه المنصات. وهذا يجعلهم فريسة سهلة لناشري الإشاعات والمعلومات المضللة.
مواقع التواصل الاجتماعي باتت ساحة حرب جديدة تستغلها الجهات المعادية لبث الدعاية المغرضة. تستهدف هذه الجهات الجمهور بمعلومات مغلوطة لخلق حالة من البلبلة وعدم الاستقرار. يتطلب الأمر وعيًا متزايدًا وتعاونًا من جميع الأطراف لمواجهة هذا التحدي والحفاظ على استقرار المجتمع الجزائري. في هذا السياق، تصبح الجهود المشتركة لمكافحة الأخبار الزائفة وتعزيز مصادر المعلومات الموثوقة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
2 الجرائد الإلكترونية الجزائرية: حائط الصد ضد الأخبار الزائفة
لقدصارت الصحافة الإلكترونية في الجزائر ضرورة حتمية و الحصن الحصين رغم البداية المبكرة للتجربة الجزائرية في مجال الصحافة الإلكترونية وتأطيرها القانوني منذ عام 2012، فإن التفاصيل الدقيقة لتنظيم هذه الممارسة لم تُحدد إلا في عام 2020 عبر المرسوم رقم 20-332. جاء هذا المرسوم استجابة للحملات المغرضة للأخبار الزائفة التي استهدفت مصالح الجزائر والجزائريين.
هذا التنظيم الجديد فتح المجال للعديد من الممارسين لأخذ زمام المبادرة في الصحافة الإلكترونية، حيث ركزت العديد من الصحف على مكافحة الأخبار الزائفة. بعض هذه الصحف تخصصت بشكل كامل في هذا المجال لمواجهة الكم الهائل من المعلومات المفبركة المتداولة على الإنترنت، والتي غالبًا ما تكون مصادرها غير معروفة وتأتي من مواقع مجهولة الهوية موطنة خارج الجزائر.
موقع “دزاير توب” هو مثال بارز في هذا المجال،والجندي الأول للدفاع عن الجزائر ومقدساتها ويحارب الإشعات والأخبار الكاذبة حيث يعتبر أول قناة إلكترونية في الجزائر والحائز على جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف وشهادة الريادة الإعلامية من وزارة الإتصال، نجحت قناته في جذب أكثر من 7 ملايين متابع، مما يجعله خط الدفاع الأول ضد الدعايات المغرضة. يحظى “دزاير توب” بمشاهدات كبيرة يوميًا، حيث يستقطب موقعه الإلكتروني آلاف القراءات يوميًا باللغات الثلاث. مدير الموقع، معمر ڨاني، أكد لنا أن الصحف الإلكترونية يمكنها أن تؤدي دورًا بارزًا في المشهد الإعلامي من خلال تقديم محتوى جمالي وفني متنوع عبر مختلف القوالب الصحفية الإلكترونية، مما يساعدها في جذب انتباه القراء وتحارب التلاعب الذي تمارسه بعض المواقع الأجنبية. لتحقيق هذا الهدف يشدد معمر ڨاني على أهمية وجود عدد كبير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي والتحري الجيد للأخبار، ونشر محتوى جذاب وتفاعلي يركز على السرعة والإيجاز مثل الفيديوهات والإنفوجرافيك والصور والفيديوجرافيك.
تعتمد مواقع مثل “دزاير توب” على مصادر خبر موثوقة كالرئاسة الجمهورية ومصالح الوزير الأول ووزارة الدفاع الوطني وصفحات الوزارات المختلفة، بالإضافة إلى الحوارات واللقاءات الصحفية مع المسؤولين، وما تنشره وكالة الأنباء الجزائرية مما يزيد من مصداقية الموقع كمؤسسة إعلامية، دزاير توب صارت مثالا للعديد من المواقع الرقمية المعتمدة في الجزائر التي هي الأخرى صارت تعمل على تفنيد الإشاعات والأخبار الزائفة.
تلعب الصحف الإلكترونية اليوم في الجزائر دورًا حيويًا في مكافحة الأخبار الزائفة، وتساهم في رفع مستوى الوعي بين الجمهور من خلال تقديم معلومات موثوقة ومحتوى جذاب ومتفاعل.
الصحفيون والمنصات الجزائرية المختصة في تدقيق الأخبار
في ظل انتشار المعلومات المفبركة والمضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، برزت الحاجة الملحة لمكافحة هذه الظاهرة في الجزائر. تضافرت جهود بعض الصحفيين لإنشاء منصات متخصصة في تدقيق الأخبار لمواجهة هذا التحدي.
حدثنا وليد كويني، مدير “ألجيريا تشاك” لمكافحة الإشاعات الإلكترونية، عن نشاطات منصته التي أسسها عام 2019. أشار كويني إلى أن توقيت إطلاق المنصة كان حاسماً خلال فترة الحراك الشعبي، حيث كانت الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية منتشرة بشكل كبير. يقوم فريقه بمتابعة الصفحات التي تنشر الإشاعات، ويستخدم أدوات متخصصة لتدقيق الأخبار، ثم ينشر الحقيقة لتوضيح الفارق بين الأخبار الزائفة والصحيحة. ورغم الجهود المبذولة، يرى كويني أن هناك حاجة لتوفير دعم أكبر لتحويل هذه المبادرات إلى مؤسسات قائمة بذاتها ذات فعالية أكبر. وقد تعاونت منصة “ألجيريا تشيك” مع منصات عربية ودولية لتحسين أدوات التدقيق وتعزيز الشفافية، بما في ذلك مبادرة جمعت مدققي المعلومات العرب لمواجهة الأخبار الكاذبة حول غزة.
من جهة أخرى، تحدثنا مع أيمن برحيل، خريج كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة محمد لمين دباغين بسطيف، حول مشروعه “تقصي”. برحيل أشار إلى أن فكرة المنصة نشأت من الحاجة إلى أداة فعالة للتحقق من صحة الأخبار، خاصة في ظل تزايد الأخبار الزائفة. توفر “تقصي” خدمة للتحقق من الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للمستخدم إدخال الخبر والتحقق من صحته. كما يخطط فريق “تقصي” لتوسيع نطاق عمل المنصة ليشمل مجالات أخرى مثل الصور والفيديوهات المفبركة، وتطوير أدوات جديدة لتعزيز الشفافية وتقديم معلومات موثوقة.
تشكل هذه المبادرات، كما أوضح كويني وبرحيل، خط الدفاع الأول ضد الأخبار الزائفة في الجزائر، حيث تسعى لتقديم معلومات موثوقة وتعزيز الثقة في الإعلام، مما يساعد على الحد من تأثير المعلومات المضللة.
تدريب الصحفيين الجزائريين على تقنيات مكافحة الأخبار المزيفة
في عام 2024، أصبحت مهارات الصحافة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، حيث يتعين على الصحفيين التعامل مع التحديات الرقمية المتزايدة والتحقق من صحة المعلومات بدقة. حدثنا وليد كويني مدير “هيئة مكافحة الإشاعات الإلكترونية”، عن أهمية التدريب في هذا السياق. أشار كويني إلى أن الدورات التدريبية التي نظمتها وزارتي البريد والاتصال في نهاية عام 2020، بشراكة مع مؤسسة جوجل، كانت خطوة هامة في هذا الاتجاه. وقد استفاد العشرات من الصحفيين الجزائريين من هذه الدورات التي تركزت على الأدوات الرقمية وتقنيات التحقق من الأخبار الكاذبة.
أضاف كويني أن هذه الدورات لم تكن موجهة للصحفيين فقط، بل شملت وسائل الإعلام بشكل عام. وقد تم تنظيم دورة تدريبية في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجزائر العاصمة، حيث تم تدريب الصحفيين على كيفية تدقيق المعلومات واختيار الأخبار الزائفة.
من جانب آخر، شاركت شخصياً في دورة تدريبية عام 2024 نظمتها وزارة الاتصال، والتي تناولت أحدث الأساليب في مواجهة الأخبار المزيفة. ووفقاً للمدربة سامية عايش، فإن هذه التدريبات ضرورية لكنها لا تكفي بمفردهار فالصحفي يجب أن يتحلى بالاحترافية والحذر لضمان تفادي أضرار الأخبار الزائفة.
أوضح كويني أن الفريق يتطلع إلى تنظيم المزيد من الدورات التدريبية في المستقبل لتأهيل الصحفيين ووسائل الإعلام لمواكبة التحديات الجديدة في عالم الإعلام.
الذكاء الاصطناعي في الجزائر حتمية للتحقق من الأخبار الكاذبة
تزايدت في السنوات الأخيرة استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة، ومن بينها تدقيق المعلومات. وفي ظل انتشار الأخبار الكاذبة وتحريف الصور والفيديوهات باستخدام تقنيات متقدمة، أصبح من الضروري تبني أدوات وتقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتحقق من صحة المعلومات. في هذا السياق، تحدثنا مع وليد كويني، صاحب أول منصة لتدقيق الأخبار في الجزائر، حول أهمية الذكاء الاصطناعي في هذا المجال والتحديات التي تواجه وسائل الإعلام في اعتماد هذه التقنيات.
أوضح كويني أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تدقيق المعلومات أصبح أمراً حتمياً في الوقت الحالي، خاصة مع استخدام وسائل الإعلام والمصانع التي تصنع الأخبار الكاذبة للتكنولوجيا في نشر أخبار مضللة وتحريف الصور والفيديوهات. وأكد أن التعرف على حقيقة الصور والفيديوهات أصبح صعباً للغاية بسبب التقنيات المتقدمة. وأشار إلى أن بعض وكالات الأنباء الكبرى تستخدم تقنيات حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتدقيق المعلومات، ورغم تكلفتها العالية، فإنها تُعتمد في الإعلام الغربي والعربي على حد سواء. وأوضح كويني أن فريقه يشارك حالياً في ورشات ودورات تدريبية لتعلم كيفية استخدام هذه التقنيات بشكل احترافي وسريع في المستقبل.
في ظل انتشار الأخبار الزائفة والمضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، قرر أيمن برحيل، خريج كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة محمد لمين دباغين بسطيف، التصدي لهذا التحدي عبر إنشاء منصة “تقصي”. جاءت فكرة المنصة من خلال تبادل الأفكار مع زميله وأستاذه المشرف على مشروع التخرج، إذ لاحظوا أن الأخبار الكاذبة تشكل خطراً كبيراً على المجتمع والمستخدمين. يشرح برحيل لنا: “مع بداية انتشار الأخبار الزائفة والمضللة، أدركنا الحاجة إلى أداة فعالة للتحقق من صحة المعلومات. هكذا، بدأت فكرة منصة ‘تقصي’ تتبلور.”
وحسب برحيل، تم تطوير المنصة باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها الأولى من نوعها في العالم العربي في هذا المجال. توفر المنصة خدمة للاطلاع على أهم الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديد ما إذا كانت صحيحة، زائفة، أو مضللة. يستطيع المستخدم ببساطة كتابة الخبر الذي يريد التحقق منه، لتقوم المنصة فوراً بتقديم معلومات مفصلة عنه وتحديد مدى صحته. تحتوي منصة “تقصي” على عدة محاور رئيسية، بما في ذلك محور الذكاء الاصطناعي والمحاور المتعلقة بنوع القالب الصحفي ونوع الخبر، بالإضافة إلى مقالات تعزز من جودة الخدمة المقدمة. كما تتيح المنصة مجموعة من الأخبار التي تم التحقق منها مسبقاً، مما يساعد المستخدمين على الاطلاع على الأخبار الزائفة المنتشرة.
يتطلع فريق “تقصي” كما أخبرنا به برحيل إلى توسيع نطاق عمل المنصة ليشمل مجالات أخرى مثل الصور والفيديوهات المفبركة، مع الاستمرار في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يخططون أيضاً لإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ونشر فيديوهات قصيرة تتماشى مع المنصات الحديثة، مما يجعل منصة “تقصي” رائدة في مجال تدقيق المعلومات في العالم العربي. يبقى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في تدقيق المعلومات أمراً ضرورياً في مواجهة الأخبار الكاذبة في الجزائر، ويتطلب ذلك جهوداً مشتركة من مختلف الفاعلين في المجال الإعلامي لتوفير بيئة إعلامية أكثر دقة ومصداقية.
يعد التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في الجزائر محوريًا لمواجهة التحديات الراهنة ومحاربة الإشاعة وتحقيق التنمية المستدامة. رغم العقبات المرتبطة بالبنية التحتية والتدريب، فإن المبادرات المبتكرة مثل منصة “الجيريا تشاك” و “تقصي” وتدريب الصحفيين ومختصين في هذا المجال تعكس الإمكانيات الواعدة لهذه التقنيات. بالتكاتف والاستثمار في التكنولوجيا، يمكن للجزائر بناء مستقبل مشرق وأكثر تقدمًا.