الشعب المغربي المنتفض في الشارع يجبر المخزن على كبح مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني

شهد التبادل التجاري بين المغرب والكيان الصهيوني ارتفاعا عقب تطبيع العلاقات بينهما قبل ثلاث سنوات، لكن الحرب في غزة ودعم الشعب المغربي للقضية الفلسطينية أدى إلى قطع هذا الزخم، كما يذهب إلى ذلك محللون.

وقد عرف التعاون الثنائي تسارعا وخاصة في مجالات الدفاع والزراعة والتكنولوجيات الجديدة والسياحة، وذلك في أعقاب اتفاق التطبيع الموقع في ديسمبر 2020، والذي جرى بالمغرب في مقابل اعتراف أمريكي ثم إسرائيلي بسيادته المزعومة على الصحراء الغربية.

لكن منذ السابع من أكتوبر، والهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية على الأراضي المحتلة، والذي كان مقدمة لحرب يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، تم تعليق الرحلات الجوية بين الكيان الصهيوني والمغرب، واختفى السياح الإسرائيليون على غرار المستثمرين.

“بين يوم وآخر، لم يعد هناك أحد؛ الإسرائيليون الذين كانوا هناك هربوا، كانوا خائفين للغاية”، يقول ميشيل كوهين، المستثمر الفرنسي الصهيوني، صاحب مطعم كوشير في مراكش الذي تم إغلاقه، مثل 11 آخرين من أصل 14 افتتحت في أعقاب التطبيع.

وفي الوقت نفسه، استعادت المظاهرات المناصرة للفلسطينيين، والتي كانت دائماً وسيلة للتعبئة رغم أنها فقدت زخمها على مدى السنوات الثلاث الماضية قبل طوفان الأقصى، مما أدى إلى تصاعد دعوات إلى قطع العلاقات بين المغرب والكيان المحتل.

وفي مواجهة صور غزة وهي تتعرض للقصف بلا هوادة، “يعرب المجتمع المدني (المغربي) عن سخطه، حيث كان على الرباط أن تأخذ هذا المطلب الشعبي بعين الاعتبار”، كما يشير محمد زكرياء أبو الذهب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس.

وعلى وقع احتدام المظاهرات الشعبية المنددة بالتطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني والمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية، تطورت لهجة المخزن؛ ففي البداية، أعربت المغرب الرسمي عن “قلقه العميق” وأدان أي هجوم ضد “المدنيين”، وانتهت المملكة في نهاية المطاف إلى التنديد، في 11 نوفمبر خلال قمة عربية إسلامية في الرياض، “بتمادي إسرائيل في عدوانها السافر على المدنيين العزل”، دون إدانة هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي.

ويرى أبو الذهب أن “المغرب اليوم يمر بوضعية حساسة للغاية”، من ناحية، “لديه رغبة عميقة في الحفاظ على علاقة مربحة للطرفين” و”ضغوط من الشارع” من ناحية أخرى.

في أكتوبر الماضي، أعاد إخلاء مكتب الاتصال الصهيوني في الرباط لأسباب أمنية، حسبما أوردت وسائل الإعلام المغربية، إلى الأذهان انهيار العلاقات في عام 2000، على خلفية الانتفاضة الثانية (الانتفاضة الفلسطينية) واحتدام المظاهرات الشعبية في الشارع المغربي.

ونددت الرباط حينها بـ”العنف الإسرائيلي”، ما أدى إلى إغلاق المكتب الإسرائيلي، لكن بحسب المحللين فإن هذا السيناريو غير مرجح اليوم؛ حيث أكد أبو الذهب لوكالة فرانس برس: “سيحافظ المغرب على العلاقة مع إبطاء وتيرة اللقاءات والزيارات”.

ومن الصعب في ظل الغضب الشعبي في المغرب أن يُتصور أن المملكة ترحب بمسؤولين صهاينة رفيعي المستوى، علاوة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، الذي كانت زيارته متوقعة بحلول نهاية العام.

وبحسب جمال أعميار، مؤلف كتاب “المغرب وإسرائيل واليهود المغاربة”، فإن العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية التي أقيمت منذ عام 2020 “قوية للغاية” بحيث لا يمكن كسرها حتى لو كان دعم التطبيع – الذي كان بالفعل 31٪ فقط في العام الماضي وفقًا لمسح أجرته شبكة الباروميتر العربي – قد انخفض أكثر.

وأضاف أعميار أن القطيعة ستخلق أيضا “اضطرابا دبلوماسيا”، خاصة مع الإدارة الأمريكية، مذكرا بأن الدعم في مسألة الصحراء الغربية كان في نظر الرباط “نظيرا كبيرا” للتطبيع.

ويقدر عدد اليهود المغاربة بحوالي 3000 شخص، ولا يزال اليهود المغاربة يمثلون الطائفة اليهودية الرئيسية في شمال إفريقيا، في حين أن حوالي 700000 إسرائيلي من أصل مغربي يحافظون على علاقات قوية مع بلدهم الأصلي برعاية نظام المخزن لهذه العلاقات.