الفائز بجائزة الوهر الذهبي المخرج محمد والي يصرح لدزاير توب: “تغليف القصص الثورية بصبغة إنسانية مفتاحنا لإعادة السينما الجزائرية للعالمية … وسأصنع أفلاما تواكب ذائقة الجيل الحالي”

الفائز بجائزة الوهر الذهبي المخرج محمد والي يصرح لدزاير توب: “تغليف القصص الثورية بصبغة إنسانية مفتاحنا لإعادة السينما الجزائرية للعالمية … وسأصنع أفلاما تواكب ذائقة الجيل الحالي”

حوار: حنان مهدي

 

1. بداية، مبارك عليك سيد محمد والي الفوز بجائزة الوهر الذهبي عن فيلم طحطوح.. حدثنا قليلا عن تفاصيل انجازك لهذا العمل؟

 

شكرًا لكم، بالنسبة لطحطوح فقد استلهمنا فكرته من تقرير تلفزيوني بث عبر قناة خاصة، وقمنا بتطويرها لتكون فيلمًا وثائقيًا، ثم انطلقنا في كتابته وذلك بإضافة مسارات حول القصة وشخصية طحطوح، لنباشر بعدها عملية اكتشاف مكان التصوير وهو قرية “أفيغو” بولاية برج بوعريريج نهاية سنة 2019، ومع جائحة كورونا تعطل التصوير ليستأنف مجددا بعد قرار السماح بالحركة والتنقل، وقد استمر العمل عليه أسبوعًا كاملاً، أقمنا خلالها في قرية بطل الفيلم والتي تقع على مستوى دائرة مجانة.

 

 

2. ما هي الرسالة الرئيسية التي أردت إيصالها من خلال هذا الفيلم؟

 

رسالة الفيلم تتحدث عن شخصية تعيش في الهامش، فنحن كجزائريين عشنا فترات هجرة قسرية مرتين عبر التاريخ، مرة بسبب الاستعمار الفرنسي، ومرة أخرى بسبب تدهور الحالة الأمنية خلال العشرية السوداء، إلا أن طحطوح بقي متمسكًا بأرضه وقريته التي ارتوت بدماء الشهداء، فليس من السهل أن يترك الإنسان قريته في أول أزمة تحدث.. لقد فضل طحطوح الصمود لأن الأحلام والذكريات التي عاشها في قريته ولم يكن مستعدا للتخلي عنها رغم قسوة الظروف عليه.

 

وفيه كذلك رسالة معنوية نتقاسمها نحن كجزائريين جميعا، فصحيح أننا فقدنا آلاف الأرواح خلال تلك الفترة المؤلمة، ولكننا أيضًا فقدنا الكثير من الأمور المعنوية كطفولتنا مثلا.. فأنا على سبيل المثال لم أعش طفولة طبيعية، لقد كبرت في بيئة مشحونة نسمع فيها دوما أخبارا عن الموت والقتل مثل مقتل أبناء الكشافة الإسلامية.. وقد كانت تلك الأخبار تمنعنا نحن أطفال المناطق الداخلية من السفر والتنقل والذهاب إلى البحر والمدن الساحلية بسبب تدهور الحالة الأمنية، لقد عشنا طفولة صعبة وحرمانا حقيقا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولم نتحرك أو نلعب كبقية أطفال العالم.

 

 

 

3. ما هي أكبر التحديات التي واجهتها أثناء إنتاج فيلم “طحطوح”؟

 

لقد أنتجت 30 وثائقيًا خلال مسيرتي في صناعة الأفلام، لذلك كان التحدي الأكبر لي هو أن أصنع فيلما وثائقيا مختلفا عن كل ما أنجزته سابقا، وقد ساعدتني الظروف الصحية خلال فترة كورونا إلى حد كبير في تطوير جميع أدواتي الفنية والسينمائية فيما يتعلق بسرد القصة، اذ استغليت فترة الحجر الصحي والذي كان فرصة ثمينة في مشاهدة الكثير من الأعمال بعناية والتعمق فيها وبالتالي تطوير فكرتي.

 

والتحدي الثاني الصعب هو التنقل إلى القرية والعيش فيها.. فكيف يمكن سرد قصة طحطوح في قرية لا يوجد فيها إلا هو ووالديه؟.. هنا، سعيت جاهدا لابتكار حلول تحرك الشخصية وأحداث القصة دون ملل حتى يكون ممتعا لعيون المشاهدين لأن الفراغ لا يصنع فيلمًا وثائقيًا.. ولتحريك الشخصية كان لازما علينا العيش معها في القرية ومشاركتها نمط حياتها وكل تنقلاتها وتفاصيلها الدقيقة، والحقيقة هي أن هذا الأمر كان مرهقا نوعا ما خاصة وأن المخرج يصادف مشكلات أثناء التصوير ويجب عليه أن يجد لها حلولا فورية لها.

 

 

4. كيف كانت تجربة العمل مع فريقك في هذا الفيلم، خاصة مع الممثلين وفريق الإنتاج؟ 

 

بسبب كورونا، كانت تجربتي مع الفريق مليئة بالتفاصيل، لقد قرر الفريق العيش في القرية بدلاً من الفندق وذلك لنكون أقرب إلى القرية ومن شخصية طحطوح.. لقد كان هذا القرار صائبًا، خاصة وأنه سمح لنا بالتفاعل العفوي مع طحطوح عن قرب والتقاط كل لحظاته الطبيعية وهو يمارس حياته اليومية بكل أريحية، كما أن علاقتنا مع أهل القرية المضيافين توطدت بشكل لا يصدق في مدة جد قصيرة، وهو ما ساهم بشدة في نجاح العمل أخيرا.

 

 

5. هل هناك مشاهد أو تفاصيل في انجاز “طحطوح” كانت مفصلية بالنسبة لك كمخرج؟ وكيف ساهمت في تطور القصة وإيصال رؤيتك؟

 

أثناء تصوير “طحطوح”، راودني احساس بأنه قد يكون آخر فيلم أخرجه خلال حياتي، حقيقة لقد واجهت صعوبة فنية خلال التصوير.. فكنت أتساءل طوال الوقت: كيف سيخرج الوثائقي بطريقة فنية بشكل نهائي؟ طبعا؛ لأن الفيلم الروائي يختلف كليا عن الوثائقي الذي يطبخ أو يُصنع خلال عملية المونتاج. وقبل الانطلاق في المونتاج كانت هناك عدة مسارات في شخصية طحطوح كنت أتساءل: كيف عساني سأمسك بها وأجعل منها فيلمًا مغريًا وصالحًا للمشاهدة؟.. حقيقة الرؤية لم واضحة بتاتا لي وهو موقف يحدث معي ولأول مرة خلال مسيرتي.. لا أدري إن كان خوفا من النتيجة؟ أو بسبب طموحي لانجاز فيلم قوي وناجح؟ حقا، كل هذه الهواجس عشتها في فيلم طحطوح خاصة وأن الشيئ المهم والمركزي هو مدى نجاح فيلم طحطوح في توجيه الأنظار نحو القرية لترميمها وإعادة الروح لها.. وكمخرج لست ملزما بتغيير الواقع وأن أصنع له قصة نجاح.. لقد التزمت بالموضوعية إلى حد بعيد وكان التحدي ألا أتدخل في صنع نتيجة الفيلم، بل أترك المشاهد يكتشف تلقائيًا هل نجح طحطوح أم فشل؟

 

 

 

6. كيف كان تفاعل الجمهور مع فيلم “طحطوح” في المهرجانات ؟ وهل كنت تتوقع هذا النوع من الردود؟

 

لقد تفاجأت من تفاعل الجمهور الكبير مع الفيلم، سواء في مهرجان الإسماعيلية بمصر، أو في لبنان، أو مؤخراً في وهران.. وخاصة في وهران، فقد لاحظت أن الكثير من الجمهور لديه قصصا مشابهة لقصص طحطوح في زوايا مختلفة، خاصة في نوعية الفقد الذي عاشوه خلال العشرية السوداء من الناحية المعنوية، لقد لاحظت أنه لامسهم في الكثير من المحطات أثناء سرد قصته. لهذا، فالكثيرون أخبروني أننا كجزائريين نعتبر طحطوح رمزاً للنضال والإصرار في محاولة ترميم ذاكرته وإعادة الروح لقضية مهجورة.

 

وما أثر في نفسيتي كمخرج للعمل، حدث وفاة طحطوح بتاريخ 25 جوان 2024، وهو بكامل قوته الصحية إثر تعرضه لوعكة صحية عابرة.. لقد كان يحلم دوما بمشاهدته خلال العرض على المنصة وهو لم يكتب له.. كان همه أن يشارك في مهرجان ليقول للناس: “هذه قصتي، وأنا طحطوح!”.. ولكن الجميل في الأمر أن قصته لم تنتهِ بعد، بل بقي رمزاً للصمود الفردي ومثالاً يُحتذى به.

 

وما سرني وسط كل هذا، هو أن طحطوح شاهد الفيلم مرتين، وقد كان في كل مرة يبكي كطفل صغير حينما يشاهد نفسه وقصته، لقد كان تأثره شديدا خاصة أنه شخصية حساسة فعلى الرغم من حركيته ونشاطه إلا أنه لم يستطع الصمود أمام قضية أفيغو وقصته الأسطورية.

 

 

7. كيف ترى تطور الإنتاج السينمائي في الجزائر عموما؟ وهل هي قادرة على الوصول للعالمية!

 

الإنتاج السينمائي كما هو معروف، بلغ ذروته بعد الاستقلال، لأن الرؤية كانت واضحة بالنسبة لنا فسمة السينما الثورية كانت ثيمة معروفة عنا، واشتغلنا عليها بقوة كجزائريين فقدمنا قصصاً نالت جوائز عالمية، مثل وقائع سنين الجمر الذي نال السعفة الذهبية للمخرج محمد الأخضر حمينة، وفيلم “معركة الجزائر” الشهير.. فهذه الأفلام وبصراحة أصبحت بصمة لنا وللسينما التاريخية، فحين عرفنا نقطة قوتنا، قدمنا قصصاً محلية وصلت إلى العالم بسهولة، لأن العالم كان ينتظر أن يعرف من نحن؟ الجميع يريد قصصاً حقيقية، لذلك كانت السينما الثورية عنواناً لنا كجزائريين ونجحنا فيها.

 

ولكن الإنتاج السينمائي خلال فترة التوقف التي حدثت في العشرية السوداء وما بعدها تأثر كثيرا، أعتقد أنه فقد هويته ولم يستقر على مسار واضح، لذلك لم نستطع تقديم شيئا للعالم، خصوصاً وأن الأمور التي تصل إلى العالم تنطلق من المحلية، ونحن نعرف جيدا نقاط قوتنا وكيفية استثمار تاريخنا وقصصنا سينمائياً للوصول إلى العالم.. حتى نظرتنا للأفلام الثورية تغيرت عن تلك التي أنتجت في الستينات والسبعينات. ربما لأننا ركزنا على أفلام تركز على الشخصيات وهو ما لم يكن مثيراً للجمهور، خاصة وأننا أدركنا أن الشعب هو البطل كما ترسخ في العقل الجمعي للمجتمع الجزائري فذلك ما صنع نجاحنا.. أما أفلام الشخصيات، فعلى الرغم من أهميتها، إلا أنها غفلت عن القصص الإنسانية التي كانت تختبئ خلف تلك الشخصيات ولم تقدم بأسلوب مؤثر.

 

وأعتقد أن العودة القوية للسينما تتطلب معرفة نقاط قوة الجزائريين، فهذا ما سيساعدنا على العودة إلى الساحة الدولية بكل سهولة؛ نحن في زمن تطورت فيه منصات العرض وزاد الإقبال على استهلاك السينما.. أظن أن الإنتاج السينمائي الجزائري ينتظره الكثير، خاصة أن المادة الخام ما زالت موجودة، وقصصنا كجزائريين مغرية للآخر، والسينما الجزائرية والعالم بحاجة إلى معرفة من نحن من خلال السينما!

 

 

8. بعد النجاح الذي حققته مع “طحطوح”، ما هي مشاريعك القادمة؟ 

 

بعد تتويج فيلم طحطوح في الطبعة 12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي قررت أن أوقف مسيرته عند هذا الحد؛ فقد شارك في 3 مناسبات وفاز بـ 3 تتويجات، وهو ما جعلني أقرر أن الوقت قد حان للتوقف عند هذا النجاح والتفكير في مشاريع قادمة.. طبعا، هذه المشاريع لن تخلو من طعم الذاكرة، فهي تحمل في طياتها تاريخنا كجزائريين.. ولكن، هذه المرة، سأقدمها بأسلوب عصري ومختلف عن الأساليب التقليدية الكلاسيكية، لأنني أريد أن أخاطب جيل الشباب الحالي بأدواته وذائقته السينمائية التي تطورت مع تطور الإنتاج العالمي والمنصات الحديثة.

 

لا شك أن التعامل مع الذاكرة باستخدام الأدوات العصرية سيضفي نكهة مختلفة وسيتيح لنا استكشاف قصص جديدة غير تلك التي تناولناها سابقاً بأسلوب كلاسيكي، لذلك أهدف إلى تجديد أدواتي وأساليبي لأعطي قصصي زخما باستثمار كل ما توصلت إليه السينما من تطور وازدهار، وذلك بتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإنتاج، لأجل أن أواكب ما هو موجود وأن تكون أعمالي مواكبة للعصر ومستفيدة من التطور سواء من حيث الصورة أو سرد الحبكة وبناء القصة.

 

9. كلمة أخيرة لقراء دزاير توب؟

 

سعيد جدًا بهذا الحوار عبر منصة دزاير توب الرائدة رقميا والذي أعطى لي فرصة للقاء بالجمهور الجزائري وتقريب الصورة له عن تفاصيل صناعة فيلم طحطوح.. شكرا لكم على هذه الفرصة الطيبة.