• Day Mode
  • Night Mode
Search Icon

الكاتب فريد بغداد يُشرِّح جِراح عُشرية الدّم في روايته الجديدة “الأوردة المتفجرة”

صدر حديثا عن دار أدليس رواية جديدة للكاتب فريد بغداد، تحت عنوان “الأوردة المتفجرة”، تحكي في سياقها الرّئيسي قصّة صحفي يحاول التغلّب على أزمة نفسية عرضت له بعد مقتل صديقه الحميم أمام عينيه، وفشله في الوصول إلى حقيقة الجهة المرتكبة للجريمة، ما أدى إلى دخوله في حالة من الصّراع الدّاخلي.

يعمل مسعود سلماوي صحفيا في جريدة مستقلة، يعيش في شقة بحي الحراش مع صديقه أحمد الباحث الزراعي، الذي يعكف على تطوير بحث حول سلالة قمحية محلية في طريقها للانقراض، يقرر أحمد السفر إلى إنجلترا من أجل إتمام أبحاثه، وأثناء طريقهما إلى المطار يتعرض أحمد للاغتيال بالقرب منه، ويتزامن مقتله مع تفجير بداخل المطار حدث في 26 أوت 1992 واتهم إسلاميون من جبهة الإنقاذ بتنفيذه.

يدخل مسعود في أزمة نفسية، بسبب قرار الشرطة إيقاف التحقيق في قضية مقتل صديقه حيث تربطها بحادثة المطار وتقرّر أنّها جزء من تلك العملية الإرهابية، وتلصق تهمة الاغتيال بإسلاميين متطرفين، ونظرا لأن البلاد تعيش بداية أزمة أمنية ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة، صارت جرائم القتل خلالها توحي بشكل نمطي وآلي يؤدي بالسلطات الأمنيّة إلى وضع أحكام مسبقة دون تروّي أو تحقيق دقيق، بكون الفاعل ينتمي إلى الجماعات المسلحة.

يرفض مسعود طريقة الشرطة في ربطها بين حادث تفجير المطار وإلصاق تهمة اغتيال أحمد بمنفذيه، ويستند في ذلك إلى كون القتلة سرقوا بحث أحمد وأخذوا معه عينات القمح، يضع العديد من الاحتمالات حول الجهة المستفيدة من قتل أحمد وسرقة بحثه دون أن يصل إلى ما يؤكد تخميناته، فيدخل في أزمة نفسية معقّدة ومتأصّلة.

يخرج مسعود تدريجيا ونسبيا من أزمته النّفسية، بعد أن ينتقل من صحيفة عمومية إلى صحيفة مستقلة ظنا منه أن سقف الحريات فيها مرتفع وسيتيح له كشف العديد من قضايا الفساد في تلك الفترة التي انتشر فيها بشكل رهيب مسّ كلّ جوانب المجتمع والدّولة، غير أنه لم يكن قد شفي من فوبيا الطائرات النّاجم عن حادثة الاغتيال، وهو ما يحول دون سفره إلى الخارج في ما بعد.

يلتقي مسعود بسمير بن دالي زميل أحمد الذي يكون على دراية بمشروعه البحثي ويقبل أن يتكفّل بإعادة بعثه مجددا في كندا التي سيسافر إليها قريبا، في الأثناء يواجه مسعود مشكلة في عدم نشر الصحيفة لمقالاته الجريئة التي تتهم مسؤولين في السّلطة بالضلوع في قضايا فساد، يستقيل ويجد فرصة عمل في بريطانيا، غير أن مرضه النفسي يمنعه من السفر، عند توديعه لسمير في المطار وهو مبتهج بكون بحث أحمد سيرى النور أخيرا، وبعد أربع سنوات على الاغتيال قضاها في التفكير في أسباب مقتله، لازمته خلالها مأساة نهاية حلم صديقه الحميم باستعادة تلك السلالة القمحية التي من شأنها أن تحقق اكتفاء ذاتيا للبلاد وتجنبها التبعية الغذائية للخارج، يكتشف مسعود بأنه لم يُصب بأعراض فوبيا الطائرات ما يؤكد له بأنه قد شفي تماما من أزمته النفسية، فيقرر السفر.

الرّواية مليئة بالأحداث الفرعية والشخصيات العديدة بأدوارها الدرامية المتنوعة التي تشكّل رافدا سرديا لسياقها الرّئيسي، بعضها تربطه صلة مباشرة بمسعود وأخرى لا تجمعها به أي علاقة، لكنها رغم ذلك تساهم بقسط وافر في تحريك فصولها وأحداثها، التي تمثل في مجملها انعكاسات للأزمة السياسية والأمنية التي عاشتها الجزائر في تلك الفترة المعقدة والدّقيقة والمضطربة جدا.

الرواية سلّطت الضوء أيضا على التغيرات التي طرأت على بنية المجتمع الجزائري السياسية والاجتماعية بشكل أساسي، بعد أن وقع دخل دوامة العنف والعنف المضاد وغرق في حلقتهما المفرغة، وما انعكس عنه من أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، كما ركّزت كثيرا على مظاهر الفساد بأبعاد مختلفة وفي مناحي عدّة، عبر سرد أحداث وتصوير وقائع عكست إلى أيّ مدى انحدر فيه المجتمع إلى غياهب البؤس والمعاناة والتردّي الأخلاقي والظلم الاجتماعي بسبب مخلّفات وتأثيرات تلك الأزمة.

الرواية ستكون حاضرة في صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته 25، والذي سيدوم من 24 مارس إلى غاية 01 أفريل 2022، بقصر المعارض- الصنوبر البحري.

مقتطف من الرواية:

“…يتنهّد مسعود إذ يسحب رشفة مرتجفة من فنجانه بشفتين متردّدتين، وبنفَس طويل أحال الصّوت المصاحب لها إلى كتلة من إزعاج، حطّمت الصّمت السّائد وبدا معها الأمر مفتعلا، ثمّ ما لبث أن انفجر مسترسلا في عتاب لاذع لصاحبه:

– ليتك اخترت السّفر إلى فرنسا، على الأقلّ لن تشعر بالغربة هناك، ستجد أمامك جزائريّين أينما اتّجهت، حتّى وأنت تحزم حقيبتك لا أفهم لماذا تصرّ على إنجلترا؟!

– ما بك يا مسعود… إلى متى تعيد طرح هذا السّؤال؟! لقد أجبتك مرارا، ثمّ لم يعد أوان له، لقد استكملت جميع وثائق السّفر، اليوم عدت بالجواز والفيزا، وبالأمس استلمت من البريد بعض الأوراق، بعثها المعهد الزّراعيّ البريطانيّ الذي سأزاول دراساتي وأبحاثي به…”

أحمد عاشور