شارك، اليوم الإثنين، وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية الطيب زيتوني، في افتتاح فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لقمة الشراكات، التي تُعقد في العاصمة الهندية نيودلهي يومي 2 و3 ديسمبر الجاري.
وشهدت القمة حضورًا دوليًا بارزًا من ممثلي الحكومات، المؤسسات الاقتصادية، وخبراء الشراكات الدولية.
وإستعرض الوزير خلال كلمة ألقاها على المشاركين الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي أطلقها رئيس الجمهورية.
وفي التالي كلمة الوزير زيتوني كاملةً :
اصحاب المعالي والسعادة
السيدات والسادة الحضور
بداية، يسعدني أن أزور نيودلهي في ظل الزخم الذي تشهده العلاقات الجزائرية الهندية، إثر الزيارة التاريخية التي قامت بها السيدة دروبادي مورمور رئيسة دولة الهند إلى الجزائر، شهر أكتوبر الماضي، وما تمخض عنها من قرارات اقتصادية وتفاهمات سياسية مهمة، إثر المباحثات التي أجرتها مع أخيها السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
كما أنتهز هذه السانحة لأنقل لكم باسم الحكومة الجزائرية عبارات التقدير والشكر على الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا الحدث الاقتصادي الدولي الذي تحتضنه نيودلهي واتحاد الصناعة الهندية (CII) ،الذي نالَ شرف التنظيم بالتعاون مع إدارة ترقية الصناعة والتجارة الداخلية التابعة لوزارة التجارة والصناعة الهندية.
ويعكس انعقاد هذه القمة سنويًا منذ عام 1995، أهميتها في كونها أرضية فعاّلة في تعزيز التعاون الدولي والشراكة الاقتصادية بين مختلف البلدان والمؤسسات.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور،
إن هذه السانحة تُتيحُ لي الإشارة إلى ما توصلت له بلادي على اثر الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي باشرتها بلادي منذ 2020، تنفيذًا لبرنامج رئيس الجمهورية السيّد عبد المجيد تبون، وآثارها الإيجابية على مجتمع الأعمال وتحسين بيئة الاستثمار، من خلال الإصلاح الجوهري الذي مسَّ قانون الاستثمار والقانون النقدي والمصرفي الجزائري.
وذلك يندرج ضمن مساعي الجزائر للارتقاء إلى النموذج الاقتصادي المؤمّن قانونياً وتشريعياً، ضمانًا للحرّية الاقتصادية وتساوي الفرص بين المستثمرين المحلييّن والأجانب، مع تعزيز معايير الشفافية والانفتاح مواكبةً للتحولات الاقتصادية العالمية.
وتترجمُ هذه الإصلاحات التي مسّت مناخ الأعمال، المنحى التصاعدي الذي تعرفه طلبات الاستثمار في العديد من المجالات و التي فاقت في الآونة الخيرة 10 ألاف مشروع استثماري بقيمة 30 مليار دولار أمريكي.
هذا، بالإضافة إلى مقومات موقع الجزائر الاستراتيجي، باعتبارها مركز تتقاطع فيه المبادلات التجارية الحرّة مع 100 دولة ، وذلك في ظل انخراط الجزائر بمنطقة التجارة الحرّة القارية الافريقية، التي تتيحُ لوحدها سوقًا لأزيد من 3.000 مليار دولار امريكي، بالإضافة الى عضوية بلادنا في منطقة التجارة الحرّة العربية الكبرى، الى جانب اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي .
إنّ كلَّ ذلك يجعلُ الجزائرَ مركزاً اقتصادياً حقيقياً في المنطقة، ناهيك عن مميزاتها الجغرافية، بامتلاكها شريطًا ساحليًّا تتجاوز 1600 كلم مُطلًّا على البحر الأبيض المتوسط، وحدودًا بريةً طولُها أزيد من 6000 كلم، تُعزز تواصلَها بـمختلف الأقطار العربية والإفريقية، والأوروبية من خلال البحر الأبيض المتوسط ومعابرها البرية، مما يُسهل انسياب السلع والبضائع.
ويجدرُ بي المقامُ هنا الإشارةَ كذلك، إلى المشاريــع القارية الاستراتيجية التي أنجزتها بلادنا، كالطريق الذي يربط تندوف (جنوب الجزائر) بالزويرات الموريتانية، والطريق العابر للصحراء بين الجزائر ولاقوس (بنيجريا)، والذي سيصبح المقطعُ الجزائري رواقًا اقتصاديًّا، يُسهّل الولوج إلى السوق الإفريقية، من خلال ربط الموانئ الجزائرية شمالاً بالعمق الإفريقي للقارة.
بالإضافة إلى تطوير شبكة النقل بالسكك الحديدية، التي بلغت 4,722 كيلومتر، ومن المتوقع أن تصل إلى 6,500 كيلومتر، عند اكتمال البرنامج الجاري إنجازه، و15,000 كيلومتر بحلول عام 2030.
كما أطلقت الجزائر ثلاثة مشاريع منجمية ضخمة، تعد من بين الأهم في العالم، وهي: منجم الحديد بغار جبيلات باحتياطي ضخم بلغ نحو 3.5 مليار طن، ومنجم الزنك والرصاص بوادي أميزور، أحد أكبر الاحتياطيات العالمية في هذا المجال يفوق 54 مليون طن، ومنجم الفوسفات بشرق البلاد، باحتياطي يفوق 1200 مليون طن، والذي تُقدَّر استثماراته بنحو 7 مليارات دولار، خطوة من شأنها أن تضع البلاد في قائمة أهم الدول المنتجة و المصدّرة للأسمدة في العالم.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور،
إن هذه المكاسب والإنجازات الكبرى، تترجمها مؤشرات مهمة، تتمثل أساسًا في بلوغ نسبة النمو 4,2% ، و ناتج محليّ إجمالي يقدر بـ 267مليار دولار، الى جانب احتياطي للصرف الذي تجاوز 70 مليار دولار، بالإضافة الى قيمة الصادرات خارج المحروقات التي تُسّجل ارتفاعا متصاعدا في الآونة الأخيرة، و هذا ما أكده العديد من الهيئات الدولية من خلال ترتيب الجزائر في مقدمة أهمّ اقتصادات أفريقيا لسنة 2024.
وكل هذه المؤشرات الإيجابية، تعكس الديناميكية التي تُميز الاقتصاد الجزائري وقدرته على التكيّف مع التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.
كما سَتَتعَزز آفاق الاقتصاد الجزائري من خلال مواصلة تجسيد البرنامج الطموح للسيّد عبد المجيد تبون، رئيس الجهورية، لبلوغ ناتج إجمالي يفوق 400 مليار دولار خلال السنوات القادمة، مع تحقيق نسبة نموّ تفوق 4% على الأقلّ.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور.
نتطلع، من خلال مشاركتنا، في هذه القمة إلى الاستفادة من الخبرات العالمية لتعزيز قدراتنا الوطنية، ضمن مساعي بلادي المستمرة لبناء شراكات نوعية وقوية مع مختلف البلدان، لا سيما في مجالات المدخلات والصناعات التحويلية و الميكانيكية، قَصْدَ تعزيز القدرات الإنتاجية المحليّة وبلوغ الاكتفاء الذاتي.
وإنني باسم الحكومة الجزائرية أجدد دعوة كافة الشركاء للالتحاق بالنهضة الاقتصادية الجزائرية والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تقدمها الجزائر، والعمل معاً لبناء مستقبل اقتصادي مشترك يقوم على الابتكار والإنتاجية.
فإن الجزائر تؤكد حاجة الدول إلى التعاون متعدد الأطراف للحدّ من تكاليف التشرذم الجغرافي-الاقتصادي وتغير المناخ والمخاطر التي تنجم عنهما، بالإضافة إلى مواجهة الصدمات وتعجيل التحول إلى الاقتصاد الاخضر كنموذج للتنمية المستدامة.
وفي الختام،
لا يمكنني أن أختم مداخلتي هذه دون أن أعرج على قضية الساعة، اذ يقع علينا اليوم كمشاركين في قمة الشراكات بنيودلهي، مسؤولية لفت انتباه العالم مجددًا إلى أن تطور الاقتصاد العالمي مرهون بإحلال السلام العادل والمستدام، بإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي يواجه رفقة الشعب اللبناني حرب إبادة جماعية لم يشهد لها تاريخ الإنسانية مثيلا.
ان الانتهاكات والمجازر التي يرتكبها يوميا الاحتلال الإسرائيلي، في حق الأبرياء العزل، وما يحدث في قطاع غزة منذ أكثر من عام، قد أثرّت في نفوس كل الشعوب المتحررة، ما انعكس سلبًا على في استقرار المنطقة وعلى تقدم اقتصاداتها.
سَيُسّجلُ التاريخ كل المواقف المتخاذلة في نصرة المظلومين وستبقى القضية الفلسطينية وصمة عار على جبين أحرار العالم، الذين ينبغي عليهم الضغط لمحاكمة مُجرمي الحرب تنفيذا لقرارات الجنائية الدولية.