اليد التي تُصافح كيان الصوص، وتمولها أبوظبي، وتساندها باريس، لا يمكن أن تكون يدًا صادقة تمتد لبناء جسور الأخوة… بل هي يدٌ مسمومة تحمل خنجر الغدر بين أصابعها
دعوة ملك المخزن محمد السادس إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لفتح صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية-المغربية لم تكن بريئة كما روّجت لها أبواق المخزن، بل كانت مبادرة ظاهرها الودّ وباطنها الخداع والمناورة
فالملك الذي يتحدث عن “الأخوة وحسن الجوار” هو نفسه الذي مدّ يده إلى الكيان الصهيوني في اتفاق تطبيعي جعل المغرب قاعدة متقدمة للموساد في شمال إفريقيا، لذلك، كيف يمكن أن تكون نية الحوار صادقة من طرفٍ تحالف مع كيانٍ يحتل أرضًا عربية ويستهدف أمن المنطقة؟
تطبيع الرباط مع الكيان الصهيوني لم يكن خطوة سياسية عابرة كما تحاول الدعاية المخزنية تصويره، بل يمثل تحوّلًا استراتيجيًا خطيرًا في بنية التحالفات الإقليمية، حيث انتقل من مجرد تقارب دبلوماسي إلى شراكة أمنية واستخباراتية موجّهة بوضوح ضد الجزائر.
فالتنسيق بين الأجهزة الأمنية المغربية والصهيونية، وما تبعه من صفقات تسلّح وتبادل للخبرات في مجالات المراقبة والتجسس السيبراني، يكشف أن الهدف لم يكن السلام ولا التنمية، بل إقامة جبهة أمنية مشتركة لتطويق الجزائر واستهداف استقرارها الداخلي.
هذا التحالف يعكس رهانات النظام المغربي على الحماية الصهيو أمريكية، مقابل التفريط في المواقف المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يضع المغرب في موقع المتورط في المشاريع الصهيونية بالمنطقة، بدل أن يكون فاعلًا مستقلًا يدافع عن قضايا الأمة.
ولا يتوقف السمّ المغربي عند حدود الكيان الصهيوني، فالمخزن نسج خيوط تحالفٍ مريبٍ مع الإمارات وفرنسا، في محاولة لتطويق الجزائر سياسيًا وإضعافها اقتصاديًا.
فباريس التي فقدت نفوذها في الساحل الإفريقي، وجدت في الرباط حصان طروادة جديدًا لإعادة موطئ قدمها في المنطقة، بينما تلعب الإمارات دور الممول الخفي لكل المشاريع الهدّامة التي تستهدف الجزائر ووحدة المنطقة واستقرارها، خدمةً لمصالح قوى أجنبية لا تريد لبلدان المغرب العربي أن تنهض على أسس السيادة والاستقلال. فكيف يمكن للجزائر أن تصدّق “يدًا ممدودة” وهي ترى تلك اليد نفسها تُصافح أعداء الأمّة وتغرس خناجرها في خاصرة الجار؟
الملك الذي يطالب بفتح صفحة جديدة، هو نفسه الذي يُشرف على آلة إعلامية تمارس الكذب والتضليل ضد الجزائر ليلًا ونهارًا، وينفق الملايين على حملات دعائية دولية لتشويه مواقفها، خاصة بعد الموقف الثابت للجزائر من قضية الصحراء الغربية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
ولعل أبرز مثال على زيف الخطاب المغربي، أنه في الوقت الذي كان فيه ملك المخزن يرفع شعارات الحوار وحسن الجوار مع الجزائر، كان ممثله في الأمم المتحدة يقوم بسلوك وقح وقذر بمحاولة حجب علم الجزائر في تصرفٍ يختصر بجلاء حقيقة السياسة المغربية القائمة على النفاق الدبلوماسي وازدواجية المواقف.
ذلك المشهد الصغير في قاعة الأمم المتحدة عبّر عن جوهر كبير في العقل السياسي المغربي: خطابٌ ناعمٌ يُقال أمام الكاميرات، يقابله سلوك عدواني متجذر في الممارسة الواقعية.
بقلم محمد كحلوش
