انتخاب الجزائر للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي.. الدبلوماسية الجزائرية تقطف ثمار ما زرعه الرئيس تبون قبل ثلاث سنوات ونصف من العمل الدؤوب

العالم بأسره انتخب اليوم الجزائر بأغلبية ساحقة لا غبار عليها، لتبوأ العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، لمدة سنتين بداية من 1 جانفي 2024 وذلك على إثر تصويت 184 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، وذلك تقديرا لدورها المحوري في مناطق جغرافية عدة، تمثل بالنسبة لها فضاء وجوديا لا مناص من قيادته ولعب أدوار كبرى داخله.

الإنجاز الذي تحقق اليوم لم يأت من فراغ ولم يكن وليد الصدفة، فقد سبقته ثلاث سنوات ونصف هي المدة التي قضاها رئيس تبون منذ انتخابه، في عمل دبلوماسي دؤوب ومكثّف، رغم ما ورثه من تركة دبلوماسية ثقيلة ومليئة بالأعباء المتراكمة لمرحلة تميزت بالفتور وغياب الجزائر عن عدد من المحافل الدولية والإقليمية، وحتى عن القضايا والشؤون التي تخصها في ساحات إقليمية تملك فيها الكلمة الأولى والأخيرة.

ومن اليوم الأول لتوليه رئاسة الجمهورية، شرع الرئيس تبون في بعث الدبلوماسية الجزائرية من جديد وإعادة إحيائها، فأجرى تغييرات جذرية طالت طاقمها الوزاري والإداري، لتبدأ قاطرتها في التحرك على جميع الأصعدة، والبداية كانت باستعادة المكانة القيادية في القارة الإفريقية، حيث تمكنت الجزائر من أن تطرح نفسها كوسيط لعدد من القضايا الشائكة على غرار أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا.

كما أطلق الرئيس تبون العديد من المبادرات الدبلوماسية لتسوية الأزمات خاصة مع البلدان الحدودية مع الجزائر، فاستطاعت الجزائر أن تفرض رؤيتها للحل في ليبيا ومالي، لتصبح مع مرور الوقت رقما صعبا داخل مؤسسات القارة الإفريقية، لا يمكن اتخاذ أي قرار دون الرجوع إليها، وقد اتضح ذلك جليا في حشد الجزائر لعدد من الدول الإفريقية لمواجهة العديد من المستجدات، على غرار الوقوف في وجه مطامع الكيان الصهيوني للتغلغل في القارة الإفريقية وطرد وفده المتطفل الذي حاول التسلل إلى أشغال مؤتمر الأفارقة، كذلك إحباط المساعي الخبيثة لنظام المخزن من أجل تغيير مواقف الدول الإفريقية حيال القضية الصحراوية عبر أساليب قذرة مارستها الدبلوماسية المغربية.

الرئيس تبون وبعد ثلاث سنوات على إطلاقه وكالة للتعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية (ALDEC) ذات بُعد أفريقي، عهِد إليها بالمهمة خلال القمة رقم 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، فأعلن قرار الجزائر ضخ مليار دولار “من أجل التضامن والمساهمة في دفع عجلة التنمية بالقارة الأفريقية”.، وها هي الدبلوماسية الجزائرية تحصد اليوم ما زرعته في تلك اللحظات الفارقة من تاريخها.

أما على الساحة العربية فقد أثبتت الجزائر من خلال التزامها بدعم أمّ القضايا العربية والإسلامية، القضية الفلسطينية والوقوف في صفها، وإدانة التطبيع ورفض الهرولة إليه، والعمل جاهدة على رص الصف الفلسطيني هنا بالجزائر، التي احتضنت أياما بعد مشهد المصالحة التاريخية بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد من جميع فصائله، قمة لجامعة الدول العربية ترأستها بعزم واقتدار، أرست خلالها تقاليد راسخة في العمل العربي المشترك.

الجزائر أثبتت مقدرة كبيرة على إدارة علاقاتها مع الجوار الأوروبي والمتوسطي، فتعاملت بندية ومن منطلق مبادئها الراسخة في الاحترام المتبادل مع فرنسا وإسبانيا، وأصرت على استخدام الوسائل الدبلوماسية التي هي حقّ لها في مثل هذه الحالات، وسحبت سفيريها من باريس ومدريد دون اعتبار لأمور أخرى مهما كانت تمثل مصلحة كبيرة، سوى للكرامة والعزة، وقد تكللت هذه السياسة الصارمة خاصة بعد زيارة الرئيس تبون إلى إيطاليا، بأن أصبحت الجزائر شريكا استراتيجيا للقارة العجوز بأسرها، لا يمكن لأي دولة فيه أن تثير حفيظتها فضلا عن التفكير في التدخل في شؤونها أو الإساءة إليها.

كما استطاعت الجزائر أن تحافظ على علاقات جيّدة مع الدول الكبرى في العالم، فبشهادة وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا، الجزائر هي صديقة لهذه الدول، والعالم في حاجة إلى رؤيتها المتبصرة في قضايا عديدة على مستويات عدة في مناطق المغرب العربي وشمال إفريقيا والساحل والمتوسط والمنطقتين العربية والإسلامية، بل إن الجزائر ومن خلال مبادئها في السعي لإحلال السلام يمكنها أن تلعب أدوارا كبيرة في فضاءات أخرى خارج محيطها الإقليمي والجغرافي.

أحمد عاشور