دخلت الدّبلوماسية الجزائرية مرحلة التأثير الفعال، حيث فرضت نفسها كفاعل نشيط إقليمياً ودولياً، وذلك بعد عودتها القويّة على وقع الزيارات الناجحة للرئيس تبون بداية بتمهيده لعلاقات حسن جوارٍ مع الاتحاد الأوروبي، بزيارته لإيطاليا ثمّ البرتغال وإرسائه لشراكات اقتصادية قوية.
وقد شكّلت محطتا إيطاليا والبرتغال بالنسبة للجزائر بديلا أمثل وأنجع لعلاقات مضطربة مع فرنسا وإسبانيا، فرضها تمسّكها بمبادئها التاريخية والدولية الراسخة، حيث استطاع الرئيس تبون الحفاظ على مكانة الجزائر كمموّن استراتيجي لأوروبا بالغاز.
وفي هذا السياق، اغتنم الرئيس تبون فرصة تداعيات الحرب بين أوكرانيا وروسيا، من أجل مضاعفة حصة الجزائر من الغاز، بما يسمح لها أن تلعب أدوارا اقتصادية وسياسية، بقدر المكانة التي أصبحت عليها كفاعل إقليمي بارز.
الرئيس تبون استخدم نجاحه مع أوروبا لإقناع نظيره الروسي بوتين، خلال زيارته إلى بلاده، بقدرة الجزائر على القيام بوساطة بين روسيا والغرب الذي توقّف كثيرا عند هذه الزيارة من أجل معاينة العلاقات القوية بين موسكو والجزائر، وذلك في اتجاه تقريب وجهات النظر وإيجاد حلّ نهائي للأزمة التي أخذت ملامح عالمية بتأثيراتها المتعدّدة خاصة تداعياتها على أسعار المواد الاستراتيجية في الأسواق الدولية.
ومن هذه المحطة، سعت الدبلوماسيةُ الجزائرية لكسب أوراق جديدة، بتعزيز علاقاتها مع روسيا والصّين التي زارها الرئيس تبون من أجل الظفر بدعمها الحاسم للانضمام إلى مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، بما يسمح للجزائر اكتساح فضاءات دولية أرحب، تتمكن عبر الحضور فيها والمشاركة في محافلها من إقناع المزيد من دول العالم لتأييد القضايا التي تؤيّدها الجزائر وتدعمها وعلى رأسها؛ القضيتين الفلسطينية والصحراوية.
وقد حرصت الجزائر من خلال زيارة رئيس الجمهورية إلى الصين، لبناء شراكات اقتصادية مع هذه الدول البعيدة عن محيطها الإقليمي، وكذلك لتحفيز الصين وروسيا إضافة إلى قطر وتركيا، اللتان أصرّ الرئيس تبون على زيارتهما مجدّدا، من أجل مضاعفة استثماراتها في الجزائر في مجالات اقتصادية قائمة وتوسيعها إلى قطاعات أخرى، تماشيا مع قانون الاستثمار الجديد والمعدّل، حيث أعلن رئيس الجمهورية أن الصين ستستثمر بالجزائر 36 مليار دولار في مجالات مختلفة.
الرئيس تبون وحرصا منه على زيادة حجم استثمارات دول مجموعة البريكس في الاقتصاد الجزائري، أعلن عن تقديم طلب الجزائر لأن تكون عضوا مساهما، في بنك بريكس بمبلغ 1.5 مليار دولار، كعربون يؤكد إرادة الجزائر لأن تكون عضوا فاعلا في منظمة بريكس بوسعها تقديم إضافة ملموسة لها، تؤهلها لأن تحظى بمزايا عضويتها انطلاقا من التزاماتها تجاهها.
وتؤكّد هذه الجولة المكوكية الأخيرة التي شملت ثلاث دول فاعلة في مناطقها، وحتى على الساحة الدولية، بما تلعبه من أدوار جيوسياسية في العديد من الأحداث العالمية، بعد نظر الرئيس تبون في ربط علاقات متجدّدة تضمن مزايا وتفضيلات للدبلوماسية الجزائرية من أجل تقوية تأثير أدواتها السياسية والاقتصادية، ضمانا لمصالح الجزائر وترسيخا لمبادئها الثابتة.
أحمد عاشور