بوقدوم يلقي كلمة قوية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول فلسطين… وهذا ما جاء فيها
ألقى اليوم وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم، كلمة قوية وهامة بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حول تطورات الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعدوان الصهيوني على المدنيين العزل.
وهذه كلمة الوزير بوقدوم كاملة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد رئيس الجمعية العامة،
السيد الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور،
باسم المجموعة العربية، أتقدم بخالص عبارات الشكر والعرفان للسيد فولكان بوزكير، رئيس الجمعية العامة، على الاستجابة السريعة للطلب المقدم من قبل المجموعة العربية ومجموعة منظمة التعاون الإسلامي، لتنظيم هذا الاجتماع الطارئ.
يأتي هذا الاجتماع في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها أشقاءنا الفلسطينيون جراء الجرائم الهمجية والاعتداءات الغاشمة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق شعب ذنبه الوحيد أنه رفض الانصياع لمنطق سلب أراضيه بالقوة وعارض سياسة الأمر الواقع.
لقد شاهدنا جميعا الصور المروعة للقتل والدمار وتابعنا على المباشر الاعتداءات التي تستهدف حياة ومقدسات الفلسطينيين في القدس المحتلة والغارات الوحشية التي توزع الموت والرعب في قطاع غزة المحاصر. أيعقل بعد هذا كله أن نلزم الصمت خلف شاشاتنا، نعد القتلى والجرحى بالمئات خاصة من الأطفال والنساء والشيوخ، ناهيك عن الخسائر الفادحة في البنى التحتية الرئيسية؟ أمن الممكن بعد كل ما رأيناه بأم أعيننا أن نلقي السمع للأطروحات الزائفة التي تحاول أن تبرر الصمت المشين لمجلس الأمن أو تلك التي تضع على قدم المساواة المعتدي والمعتدى عليه، الظالم والمظلوم؟
لاشك، سيدي الرئيس، أن أيَّ محاولة لتزييف الحقائق وقلبها مآلها الفشل لا محالة، أمام الأدلة الدامغة والموثقة لعمليات هدم البيوت على رؤوس ساكنيها الأبرياء ولكل أشكال الظلم والقهر وانتهاكات حقوق الانسان. ولا ريب أن الحصانة الممنوحة للاحتلال لن تزيد الأوضاع إلا تأزما وتعقيدا، فضلاً عن أنها لا تخدم مصالح المستفيد منها في المقام الأول.
السيد الرئيس،
إن مبعث المبادرة المشتركة بين المجموعة العربية ومجموعة منظمة التعاون الإسلامي والتي حظيت لاحقا بدعم مجموعة دول عدم الانحياز، يكمن في حمل منظمتنا على الاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة بها بموجب الميثاق.
فأمام عجز مجلس الأمن عن اتخاذ موقف من هذه الأحداث المأساوية، ترى المجموعة العربية ضرورة تحرك الجمعية العامة على وجه السرعة لاعتماد خطوات عملية بغية التوصل إلى وقف شامل للعنف المسلط على الفلسطينيين واستعمال كافة الوسائل المتاحة في سبيل حمايتهم وحماية مقدساتهم.
من هذا المنطلق، ترى المجموعة العربية أن خطورة الوضع تستوجب تضافر جهود جميع القوى الحية من أجل ضمان الوقف الفوري للعدوان والتكفل السريع بالأزمة الإنسانية الكارثية في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ثم العمل على توفير المناخ والظروف المواتية لاستئناف عملية السلام قصد معالجة جذور الصراع بإنهاء احتلال جميع الأراضي الفلسطينية، وفقا للمرجعيات الدولية ذات الصلة.
كما تنتظر المجموعة العربية من الجميع إدانة واضحة وصريحة لعمليات القتل الممنهج التي تستهدف الفلسطينيين بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب في حق الفلسطينيين العزل. وتطالب الأمين العام للأمم المتحدة اعلان حالة الطوارئ الانسانية لتمكين المجموعة الدولية من المساهمة الفعلية في التخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين والتحرك لإعادة اعمار قطاع غزة الذي يئن تحت وطأة حصار جائر منذ خمسة عشر عاما.
السيد الرئيس،
تأتي هذه الأحداث الأليمة لتذكرنا مرة أخرى بحقيقة معاناة الشعب الفلسطيني الأبي الرازح تحت الاحتلال والحصار والذي نحيي صموده وتمسكه بحقوقه المشروعة. كما تؤكد تقصير منظمة الأمم المتحدة، وبالخصوص مجلس الأمن، في العمل على ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية التي تغذي حالة اللااستقرار على الصعيد الاقليمي وتهدد السلم والأمن الدوليين.
وفي هذا الإطار يجدر بنا البدئ بتسمية الأمور بمسمياتها. فاحتلال الأراضي الفلسطينية وباقي الأراضي العربية يبقى احتلالا مهما طال الزمن وهذا الاحتلال بطبيعته يبقى مولدا ومصدرا لأبشع الانتهاكات.
لذا فالقضية الفلسطينية لن تعرف طريقا للحل إلا عبر معالجة الأسباب الجذرية للصراع برمته عبر انهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبهذا الخصوص، تؤكد المجموعة العربية على أن مدينة القدس الشريف المحتلة، تبقى عاصمة دولة فلسطين الأبدية وجزءا لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وتشدد على ضرورة الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم بها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، بما فيها المسجد الأقصى المبارك.
وختاما السيد الرئيس،
ستة وسبعون عاما تمر على انشاء منظمة الأمم المتحدة، ظلت خلالها القضية الفلسطينية الثابت الوحيد على أجندتنا في مدة اعتمد فيها مئات القرارات، أكدت جميعها على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والاستقلال والسيادة وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
رغم ذلك، لا يزال الظلم التاريخي الممارس بحق الفلسطينيين قائما ليومنا هذا ولم تعرف الوعود المقطوعة لإحقاق الحق من قبل المجموعة الدولية ممثلة في جمعيتنا الموقرة، سبيلا للتنفيذ، بينما يستمر تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على ممتلكاتهم وأرضهم.
أين نحن من القرار رقم 181 الذي قضى بالتقسيم وإضفاء صيغة دولية لرعاية مدينة القدس مرفقا بخريطة تفصيلية بالحدود المقررة، ومن مؤتمر مدريد للسلام واتفاقات أوسلو؟ و أين نحن من مئات القرارات المعتمدة من قبل الجمعية العامة وعشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن انطلاقا من القرار رقم 242 سنة 1967 إلى غاية القرار 2334 سنة 2016؟ خلال هذه المدة، قامت السلطة القائمة بالاحتلال بالسيطرة على ما يزيد عن 85% من الأراضي الفلسطينية، بينما تتعرض القدس لحملات التهجير والتدمير التي تستهدف تشويه هويتها.
لذا فقناعتنا راسخة أن لا حل للقضية الفلسطينية من دون اتخاذنا جميعا موقفا شجاعا لوضع حد لأمرين اثنين: الإفلات من العقاب واحتلال الأراضي الفلسطينية.
وشكرا على كرم الإصغاء