تاجُه موضع شكّ وألاعيبه لم تعد تنطلي على المغاربة.. محمّد السّادس في مواجهة الشارع الغاضب من دعم المخزن للصهاينة في جرائمهم ضدّ الشعب الفلسطيني

داخل ملعب الرجاء بالدار البيضاء، الأحد الماضي، كانت المشاهد في المدرجات أكثر منها في ملعب كرة القدم. ولم يتوقف عشرات الآلاف من مشجعي ذلك الفريق وخصمه المغرب التطواني طوال المباراة عن الهتاف لفلسطين والتلويح بعلمها. وبحلول ذلك الوقت، كانت إسرائيل قد بدأت بالفعل حملة القصف واسعة النطاق على القطاع، ردا على هجوم حماس على الأراضي الإسرائيلية.

في المغرب، تعتبر ملاعب كرة القدم، إلى جانب شبكات التواصل الاجتماعي، واحدة من المساحات القليلة التي يعبر فيها المواطنون عن أنفسهم بحرية. ولم تكن مباراة الدار البيضاء الوحيدة التي رفعت فيها الشعارات المؤيدة للشعب الفلسطيني. فقد كانت هناك فضاءات أخرى، وفي نهاية الأسبوع الماضي، خرج آلاف المغاربة إلى الشوارع بشكل عفوي في 33 مدينة للتعبير عن دعمهم للقضية الفلسطينية.

نظام المخزن كان آخر نظام عربي ينضمّ إلى ما يسمى باتفاق إبراهيم ويقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وفي عام 2020، عندما وقع المغرب على اتفاقية التطبيع، استمر الرأي العام في التعاطف مع الفلسطينيين. والآن، أدى الهجوم الوحشي الذي شنته كتائب القسام والرد الصهيوني إلى ظهور هذا الدعم على السطح مرة أخرى. ويعارض أكثر من ثلثي المغاربة التطبيع مع دولة الاحتلال، وفقا لاستطلاع الباروميتر العربي العام الماضي، وهو أحد الاستطلاعات القليلة التي يمكن إجراؤها حول هذا الموضوع.

ومقابل اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بـ “السيادة المغربية” على الصحراء الغربية، أقام الملك محمد السادس علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني. ومنذ ذلك الحين، تفنّن نظام المخزن في إظهار علاقات صداقة “ممتازة” أكثر من غيره من الأنظمة العربية المطبعة، والدليل على ذلك أن الرباط هي أكثر عاصمة في العالم تستقبل حتى الآن، وخلال هذا العام، أكبر عدد من الزيارات من الوزراء وكبار المسؤولين الصهاينة.

وقد كان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو نفسه قد تلقى دعوة رسمية من قبل عاهل المخزن لزيارة المغرب هذا الخريف. وقد وجه له هذه الدعوة بعد أن اعترف، مثل ترامب، بـ”مغربية” الصحراء في يونيو الماضي. ويغطي التعاون الثنائي العديد من المجالات، لكن الرباط تركز بشكل خاص على المسائل الأمنية والعسكرية حتى يكون لهذا “الاعتراف” انعكاس واقعي على الأرض بالقضاء على جبهة البوليساريو الممثل الوحيد لآخر شعب محتل في إفريقيا.

وفي نظر الكيان الصهيوني، فإنّ المملكة العلوية ليست مجرد دولة عربية، فما يزيد قليلا عن 10٪ من السكان الإسرائيليين هم في الأصل من المغرب. ومن هنا كان العدد الكبير من السياح الذين، وبمجرد أن تمّ إطلاق رحلات جوية منتظمة مباشرة بين تل أبيب والدار البيضاء، سافروا إلى بلد أجدادهم. إنها الدولة العربية الوحيدة التي تعيش فيها جالية يهودية صغيرة (حوالي 3000 شخص) محمية ومدللة من قبل النظام الملكي. قبل وقت طويل من إقامة الرباط وتل أبيب علاقة رسمية، كان كلاهما يتعاونان بالفعل بشكل سري في مسائل الأمن والتجسس.

كما أنّ مثل هذه العلاقات الوثيقة مع الكيان العبري تضع سلطات المخزن الآن في وضع غير مريح. إنهم يريدون الحفاظ على العلاقة مع حليفهم الجديد بأي ثمن، لكنهم يسعون إلى تجنب المزيد من تنفير الرأي العام. يقول بيير فيرميرين، أستاذ تاريخ المغرب العربي بجامعة السوربون: “إنهم يقومون بالتوازن في محاولة للظهور بمظهر جيد للجميع في نفس الوقت”.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المغربية في 8 أكتوبر أن المغرب “يدين الهجمات ضد المدنيين بغض النظر عن أصلهم” ويطلب “الوقف الفوري لجميع أعمال العنف”، وافتتح العاهل العلوي دورة الخريف للبرلمان بكلمة لم يشر فيها إلى الصراع الفلسطيني، رغم أنه يرأس لجنة القدس التي تتولى حماية الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس بدءا المسجد الأقصى.

وكانت الدبلوماسية المغربية والملك نفسه بعيدان عن الإدراك. ولم تذكر وزارة الخارجية في بيانها الهجمات التي نفذتها كتائب القسام، التي تصنفها العديد من الحكومات الأوروبية كمنظمة إرهابية، كما أنها لم تستنكر “الوحشية والطبيعة الإجرامية للاحتلال الصهيوني”، كما فعلت جارتها الجزائر، ومع بعض الفروق الدقيقة، تونس، الدولة الثالثة في المغرب العربي.

لقد خرجت بعض الأحزاب السياسية المغربية من سباتها في الدفاع عن الفلسطينيين. وقد قام بذلك حزب التقدم والاشتراكية، الوريث المخفف للحزب الشيوعي، الذي حمل “الكيان الصهيوني” مسؤولية التصعيد العسكري. كما فعل اتحاد القوى الاشتراكية الشعبية، وهو عضو في الاشتراكية الدولية، ذلك أيضًا، وبعبارات أكثر قياسًا.

وكان الإسلاميون الأكثر قوة هم حزب العدالة والتنمية، وهو التشكيل الذي تراجع انتخابياً في عام 2021، لكنه لا يزال يتمتع بجذور شعبية. وأعرب زعيمها عبد الإله بنكيران في 7 أكتوبر عن “اعتزازه الكبير بالأحداث في فلسطين”، أي بالهجوم الذي شنته حماس ووصفها حزبه بأنها “عملية بطولية”.

وأصدر ديفيد كوفرين، الذي يرأس البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الرباط – التي لم تصل بعد إلى رتبة سفارة – بيانا طويلا أوضح فيه للمغاربة أن “المسؤولية الكاملة عن الهجوم الإجرامي تقع على عاتق حماس”. وبعد 48 ساعة، ردت قيادة حزب العدالة والتنمية مرة أخرى وطالبت هذه المرة السلطات المغربية “بإعلانه شخصا غير مرغوب فيه”.

وبهذا الطلب، فإنّ الإسلاميين تدخلوا في السياسة الخارجية للمغرب، وهو اختصاص حصري للملك. فالملك هو الذي يعين، على سبيل المثال، وزير الخارجية. وسبق أن وبخ القصر الملكي بنكيران وحزبه في مارس الماضي لانتقادهما التطبيع مع إسرائيل وارتكابهما لـ “تجاوزات غير مسؤولة”، بحسب بيان المخزن. كما ذكّرهم بأن السياسة الخارجية هي من صلاحيات السيادة.

ونأى أحد أفراد العائلة المالكة، مولاي هشام، الذي يوصف بـ”الأمير الضال” والمقيم بالولايات المتحدة، بنفسه عن الموقف المغربي الرسمي. وكتب على عدة شبكات اجتماعية: “مقاومة جيش محتل حق معترف به، لكن قتل واختطاف الأبرياء، بغض النظر عن جنسيتهم، (…) أمر مستهجن أخلاقيا”. وقد ترددت أصداء كلماته، التي تذكر “الحق في المقاومة”، على نطاق واسع في المغرب.

ولم تنظم هذه الأحزاب مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، لكن المجتمع المدني المغربي يواصل التعبئة، فقد دعت الجبهة المغربية لدعم فلسطين إلى “مسيرة وطنية” يوم الأحد 15 أكتوبر الجاري وسط الرباط. ومن أهدافها طرد رئيس البعثة الإسرائيلية. إنه تحدٍ جديد للسياسة الخارجية التي يؤكّد دستور المغرب أنّها بيد الملك فقط.