أثبت نسبة المشاركة المرتفعة في ثاني انتخابات رئاسية أعقبت الحراك المبارك، والتي جاءت في جو من الهدوء والسكينة أن الشعب الجزائري حريص على الانسجام الوثيق مع قيادته السياسية، وعلى الاصطفاف المتين خلف المسار الدستوري الذي بدأ برئاسيات 2019.
لقد أظهرت المشاهد الممتابعة طيلة يوم انتخابي سادته الطمأنينة والابتهاج، عزم الجزائريين على أداء واجبهم وإصرارهم على إكمال مسيرة البناء والتشييد في صرح الجزائر الجديدة الشامخ، الذي يعد بمستقبل مشرق ونعيم مغدق على أبناء الوطن الواحد، بعد أن حفظوا درس الوحدة والتلاحم والوقوف في خندق واحد من أجل تفويت الفرصة على المتربصين والحاقدين، من زارعي الفتن ومتحيني مناسبات التآمر وخلق الفتن والدسائس.
رئاسيات 7 سبتمبر 2024 ستبقى علامة بارزة ونقطة فارقة في تاريخ الجزائر المعاصر الناصع بوطنية شعبه الرافض للمؤامرات الخارجية والتدخل الأجنبي في شؤون الدولة الجزائرية والتكالب عليها، خاصة وأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء والازدهار، وتواصل مسارها كدولة صاعدة وقوة ناهضة تطمح للعب أدوار كبيرة في عالم يموج بالمخاطر.
الجزائريون واعون جدا بحساسية الظرف الدولي والإقليمي المعقد وبصعوبة الموقف الإقليمي المهدد، في ملفات عدة أمنية وسياسية واجتماعية عابرة للحدود، لقد خاضوا في بداية تسعينيات القرن الماضي تجربة مريرة ودامية رغم أنها تسببت لهم في أحزان فراق الأحباب وضياع الآمال وتأجيل الأحلام، إلا أنها أكسبتهم حصانة ضد أزمات ومحن أضحت شعوب البلدان المجاورة تتجرع الآن مآسيها المريعة وتتكبد ويلاتها الفظيعة ولا تجد طريقا للخلاص والفكاك منها، لاسيما وأنّ أيادي آثمة وغير بريئة في الخارج هي من تمسك بمعادلات الصراع والحل معا، وهي كلفة باهظة يستحقها أي خلاص لن يكون في النهاية إلا مرهقا ومضنيا ولا يمكن له أن يعيد الأوضاع إلى سابق عهدها إلا بعد مرور عقود طويلة.
المسار الدستوري جنب الجزائريين المحصنين ضد كل ما هو خارجي، من السقوط في حمم التبعية ووحل التدخلات ومن الوقوع فريسة للضغوطات والابتزازات، فما يحققه اليوم رجالات الجزائر من سيادة سياسية واستغناء اقتصادي، لا يقل في أهميته عن معركة التحرير وغاية الاستقلال التي خاضها وحققها المجاهدون والشهداء بالأمس.
إن رمزية 12 ديسمبر 2019 و7 سبتمبر 2024 لا تقل أهمية عن رمزية 1 نوفمبر 1954 و5 جويلية 1962، إنها تواريخ ستظل على مر السنين تذكر الجزائريين بموعدهم مع التاريخ، ليسطروا أروع الصفحات في مسيرة البناء والتشييد، وأيضا في ملحمة تفويت الفرص على الأعداء والمتربصين.