تناقضات العالم الحر / بقلم هاجر ميموني
يعتقد كلّ متعصّب لنظريّة أو فكرة؛ بأنّها صحيحة، ويبني اعتقاده على قواعد فهم تبدو له سليمة، وما نشأت فكرة في الكون إلاّ كانت من نسج تحليل فكري بشري لا غير، قد يصيب فيها صاحبها أو يخطأ، فمنذ نشأة الكون ومنذ قيام الفلسفة والعلوم الأخرى الدّقيقة؛ ما وجدت بالمرّة فكرة مكتملة وتوصّلت إلى الحقيقة المطلة فيما تناولته، لذلك اندثرت نظريات وجدّدت أخرى ونشأت أخرى، ما عدا آخر ديانة نزلت للإنسانية، ففيها الحقيقة المطلقة لما قبل نشأة الكون وما بعد النشأة والأيلولة النّهائية له، وما من مخلوق تدبّ فيه الرّوح حتّى وإن كان حيوانا أو طيرا، لا يحبّ الحرّية، فكلّ حيوان قُيّد، فإن فكّ قيده ينطلق يجري في حركات هستيرية، وما من طائر حُبس في قفص وفًتح له باب القفص إلاّ سارع للطّيران وغادر قفصه حتّى وإن كان مصنوعا من ذهب، يعانق الفضاء.
إنّ القيم التّي قامت عليها اللّبرالية: الحرية والمساواة، لا يرفضها إلاّ من كانت نفسه مجبولة بروام العبودية، واللّبرالية ليست سلعة توضّب وتحمّل وتصدّر في حاويات التّصدير لتستهلك، ولا هي بدواء يُتناول ليتحوّل حال الإنسان من حاله لحالها، إنّما اللبرالية الحقّة هي ممارسة للفعل فعليا وفق منظور متدرّج يُراعى فيه جميع القيم الأخلاقية للمجتمع، ومتى مورست بشكل ارتجالي تُناول منها جميع مناقضاتها هي الأولى.
اجتمع العالم الحرّ كجلّبة واحدة؛ وبعويل وتباكي على قيم الحريّة والمساواة والعدالة، وقطعوا المسافات وجنّدوا وسائلهم الإعلامية وقدّموا دروعا بشرية عربية سلبت عقولهم محتويات قشور اللبرالية، لقد شربوا منها كؤوسا دهاقا، وجاؤوا لتصدير الليبرالية في حركة اصطلح على تسميتها بـ: الرّبيع العربي. وكأنّي بهم راعهم حال الإنسان العربي، وهم يحبّون له الخير والازدهار والتّقدم في حياته، ففكّكوا بذلك النّسيج الاجتماعي في الأمة الواحد، وأدخلوها في متاهة بدايتها كانت معروفة ونهايتها تركوها لأقدارهم، وجعلوا وقود نارها أبناءها، فأريقت دماء، وارتكبت منكرات، وهجر النّاس من أوطانهم، ودمرت مدن، فكانت بداية مأساة اللاجئين من هنا.
ما تناقلته القنوات الفضائية ومواقع التّواصل الاجتماعي من معانات اللاّجئين على حدود بلاروسيا، ورفض العالم الحرّ تقبّلهم أو حتّى مدّهم بالمساعدة الاجتماعية في مثل تلك الظّروف المزرية والقاسية، وعلى مثل أصنافهم نساء، نساء حوامل، أطفال صغار، رضّع، كهول، لا لسبب ارتكبوه سوى أن من أوصلهم لحال حالهم لم يكن صادق النّية، مع أنّ التحليل المنطقي والموضوع، يحيل إلى الجزم بأنّ معظمهم مسالمون، ولم يكونوا من أنشأ مأساتهم، خرجوا ينشدون لقمة عيش في مكان آمن. ويحقّ لهم أن يوصفوا برسل محبّة وسلام، ولم يكتفي العالم الحرّ بالتّنكّر لهم، بل طاردهم في مشاهد مؤسفة جدا، يُستبان منها اندثار القيم الإنسانية، والقسم الأخلاقية، و ما يحز في النفس أن غالبيتهم عرب، وكأن الإنسان العربي خلق للتلاعب به.، أو كأنّ به بَـلادة.
فهذا العالم الحرّ الذّي سبق له وأن جاءهم حتّى عقر دارهم ليخلّصهم من أنفسهم، تنكّر لهم حين أتوه بأنفسهم، في ظروف وحال لا يحتمل أي عذر، وتملص من مسؤوليته في نشأة هذه المأساة الإنسانية. والتّي ما كان لها لأن تكون لو استحكم العقل.
والغريب في الأمر؛ أن من قبلوا أن يكون درعا لهذا العالم الحرّ، اختفوا في هذه المأساة، هل أصابهم الخرس يا ترى !؟. ولا أقول ندموا، فمن جبلت نفسه على الفتنة، يقضي فاتنا مفتونا.
بقلم هاجر ميموني