إنّ مقاربة الجزائر في حلّ الأزمات الإقليمية، وخاصة في دول الساحل، تنبع من مبادئها الراسخة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبذل المساعي الحميدة، من أجل إزالة الخلاف بين الأطراف المتعددة داخل الدولة الواحدة، إذ لا يذكر التاريخ أنّ الدولة الجزائرية ومنذ استقلالها قامت بأيّ تدخل سواء سياسيا أو عسكريا في شؤون أي دولة قوية أو ضعيفة كانت.
لكن وعلى خلاف هذا النهج الأصيل الذي تتخذه الجزائر، يسعى ثلاثي الشرّ والفتنة المتمثل في كلّ من المغرب وفرنسا والإمارات، إلى انتزاع مكانة الجزائر ودورها الإستراتيجي في منطقة الساحل واستبداله بأجنداتها المشبوهة القائمة على استنزاف ثروات شعوب المنطقة، وذلك من خلال محاولات يائسة وبائسة للإيقاع بها في فخ من الفتنة عبر الدسائس المغرضة والمؤامرات الشيطانية.
المغرب يطمح من وراء دور الوكالة الذي يقوم به نيابة عن فرنسا والإمارات إلى تسهيل تموقع الكيان الصهيوني في المنطقة وفرض أكذوبة “مغربية الصحراء” على دولها، وهذا ما أبداه بشكل وقح حينما استضاف وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد، ودعاهم إلى تأييد دولهم لما أسماه بزعمه “المبادرة الدولية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”، في حين أن الحقيقة التي تكمن وراء هذه “المبادرة المؤامرة” تروم شيئا آخر وتخفي وراءها دبلوماسية التفافية تسعى الرباط من خلالها إلى الوقيعة بالجزائر وبث الفتنة بينها وبين الدول المذكورة.
ورغم أنّ المغرب ليست لديه حدود مع أيّ دولة من دول الساحل إلّا أنه وبتحريض من الإمارات وفرنسا يسعى لإقحام نفسه والتدخل في شؤونها، وما لم يتحقّق له بالتاريخ والجغرافيا يسعى للحصول عليه عبر القيام بدور الوكالة لدى كلّ من فرنسا التي تسعى للحفاظ على مصالحها الاستعمارية قائمة في دول الساحل، والإمارات التي تريد جلب الكيان الصهيوني إلى المنطقة لتفكيكها ومن ثمّ الإجهاز على مقدراتها خاصة من المعادن النفيسة والنادرة، التي تحصل عليها أبو ظبي من تلك دول بثمن بخس، مستفيدة من غطاء النزاعات المستمرة والاقتتال بين الأطراف المتصارعة على السلطة، والتي تحرص الجزائر على توحيد صفوفها وجمع كلمتها حفاظا على أمن المنطقة.
إنّ الدور الإيجابي للجزائر في تحقيق الاستقرار في مالي ظهر جليا من خلال محاولتها لاستعادة الأمن في الدولة الجارة، فهذا الدور الفاعل للجزائر يقتضيه حرصها على حماية أمنها القومي من تداعيات عدم الاستقرار في دول الساحل التي تربطها بها حدود جغرافية ممتدة وتجمعها بها أواصر اجتماعية ضاربة في عمق التاريخ.
لقد سعت الجزائر بحرص وصدق لا غبار عليهما لحلّ الأزمة المالية منذ سنوات وهي تحاول جمع الأطراف الماليين على اتفاق الجزائر، كما أنها ومنذ الإنقلاب على الرئيس النيجري محمد بازوم سعت إلى الالتزام والتمسك بالشرعية والحلول السلمية في النيجر الصديق، فمساهمات الجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في منطقة الساحل كانت مبنية بصفة دائمة على احترام سيادة دوله ووحدتها الترابية، على خلاف ما تقوم به الدول الثلاث من تدخل سافر ومساعي خبيثة لتعريضها إلى اللا أمن واللا إستقرار.