في زمن تتوحد فيه الأمم في عالم مليء بالأنانية والشراسة، خدمة مصالحها المشتركة، وتتحد ضد الآخر الذي لا ينتمي إليها من أجل إضعافه وتشتيته والفتك به كي تستفيد من مكتسباته ومقدراته، تقف الأمة العربية في مهب ريح عاصف وفي مفترق طرق يحتّم عليها أن تتخذ قرارا واضحا ومحددا من أجل السير في الطريق الصحيحة المؤدية إلى غد أفضل لبلدانها وشعوبها.
لقد أدركت الجزائر، بقيادة الرئيس تبون، أن هذه الريح العاصف قضت زمنا طويلا في تفريق إخوة الدم والدين والتاريخ واللغة، وحالت دون رؤيتهم للمخاطر المحدقة التي تتربص بهم من أجل الفتك بأمّتهم وحضارتهم، ومنعها من أن يعود لها أدنى أمل للنهوض والتقدم، فكانت نقطة بداية الطريق بجمع الكلمة وتوحيد الصف ولم الشمل.
لقد كان نوفمبر، وظل ولا يزال، ملهما للشعوب في مسار تحررها من الاستعمار، ومن الهيمنة، وحتى من الأزمات الداخلية، التي تعكس مظاهر التشرذم والانقسام والتخلف والضعف والفشل، فكان نوفمبر بذلك فكرة خالدة لا تموت، وليس مجرّد حدث تاريخي عابر يخصّ أمة بعينها تتشوّف للتحرر من مستعمرها ونيل استقلالها السياسي.
إن الجزائر، بلد نوفمبر، لا تهوى تصدير الثورات إلى العالم، فقد أرست منذ بداياتها الأولى كدولة مستقلة، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إيمانا منها بحق كل دولة في التمتع بسيادتها على أراضيها، وبحريتها الكاملة في اتخاذ القرارات التي تخص شؤونها وحدها، لكن إشاعة فلسفة نوفمبر، من باب تلاقح الأفكار، الذي يعد سنة كونية، كان ولا يزال عهد الدولة الجزائرية، وبفكرة التحرر من مشاكل الفرقة والانقسام والانعتاق من الضعف والوهن والتطلع للوحدة والنهضة وبناء مستقبل أفضل للشعوب العربية، بدأ التخطيط لقمة الجزائر.
وفي هذا الصدد، كان على الجزائر وهي تسعى جاهدة للم شمل الإخوة العرب الذي افترق لمدة ثلاث سنين عجاف، أن تضعهم وبكل حرص وصدق وصراحة، أمام مسؤوليتهم التاريخية في تحرير آخر أرض عربية مستعمرة، ألا وهي فلسطين الجريحة والسليبة، وبذل الوسع من أجل إقامة دولة للشعب الفلسطيني المشتت على أرضه وعاصمتها القدس الشريف، فالعقل الجزائري يدرك جيدا أنه لا شمل يجتمع ولا وحدة تتحقق وجزء من الأراضي رهين الاستعمار، ومن هنا كانت البداية لعقد قمة الجزائر، بتوحيد الفصائل الفلسطينية على أرض الجزائر الطاهرة.
وبعد أن نجحت الجزائر في لم شمل الفلسطينيين، أصبحت الطريق سالكة ويسيرة أمام عقد قمة للقادة العرب في يوم اندلاع الثورة الجزائرية المجيدة، حتى يستلهم لقاؤهم المتجدد بعد غياب، من نضالات المجاهدين والتفافهم حول القضايا المصيرية، وأيضا ببركة هذا التاريخ الحافل بالبطولات والتضحيات، وكذلك بنكران الذات ووضع الخلافات جانبا، والتفكير فقط في تحقيق الهدف والوصول إلى الغاية.
لقد نجحت قمة الجزائر قبل الأوان، وحققت أهدافها قبل انعقادها، فالقضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية عادت إلى الواجهة بكامل زخمها وعنفوانها، وكل من حضر من القادة العرب يدرك هذه الحقيقة، وسيكون حتما في الموعد من أجل احتضانها من جديد ووضعها مجددا على سكتها الطبيعية بعيدا عن مشاريع التطبيع والتنازل والتهاون والتخاذل.
وبعد فلسطين سيكون للعمل العربي المشترك موعد مع ملفات التعاون المختلفة، التنموية والأمنية بشتى أبعادهما استراتيجيا وطاقويا وفي مجال المياه والغذاء والصحة والبيئة وغيرها من الأبعاد، التي توافق وزراء الخارجية العرب من خلال الجلسات التي جمعتهم على رفعها لاجتماع القادة العرب من أجل تفعيلها والمصادقة عليها.
لم يبق إذن سوى التطلع ليوم الثاني من نوفمبر لمعرفة ما توصل إليه القادة العرب، وهذا يعني انتظار صدور إعلان الجزائر والبيان الختامي لاجتماع القادة العرب وللقمة العربية، التي ستحمل هذه المرة الكثير من الحلول لهموم الشعوب العربية ولقضاياها المصيرية.
أحمد عاشور