حقوقي مغربي: وثيقة حركة “العدل والإحسان” وضعت النظام في مأزق وشكلت صدمة للطبقة السياسية الموالية للمخزن

قال المؤرخ والحقوقي المعطي منجب إن الوثيقة السياسية التي أصدرتها جماعة العدل والإحسان، شكلت صدمة للطبقة السياسية الموالية للمخزن، وسيكون على القصر وحاشيته العثور على طريقة أخرى لمواصلة تجاهل “الجماعة” ومحاولة احتواء وزنها الاجتماعي والسياسي الساحق.

واعتبر منجب في مقال بعنوان “إسلاميو العدل والإحسان يضعون النظام الملكي في مأزق” نشره على “أوريان 21” أن “الجماعة” اتخذت خطوة حاسمة إلى الأمام بتعبيرها عن معارضة “شاملة”؛ دينية واجتماعية وسياسية، مع رفضها أي اندماج في منظومة الحكم دون أن تكون الحكومة منتخبة وصاحبة سلطة تنفيذية حقيقية، ومسؤولة أمام البرلمان. فالجماعة ترفض نظام المخزن الاستبدادي الذي يسود فيه الملك ويحكم دون منازع، وتشترط لدخول اللعبة السياسية اعتماد دستور ديمقراطي.

وأشار منجب إلى رغبة الجماعة في إيجاد تسوية مؤقتة ضمنية مع القصر، والحل الوسط يظل هو الملكية البرلمانية. فهذا المفهوم يتجلى من بين سطور وثيقتها، على الرغم من أن الجماعة لم تذكره لعدة أسباب، منها أن تبني هذا المفهوم من شأنه أن يفسَّر من طرف حلفائها المحتملين على أنه استسلام صريح، وأيضا لعدم مفاجأة قاعدة المتعاطفين.

وتوقف الكاتب عند نقطتين مهمتين في التوجه السياسي الجديد للجماعة؛ أولهما أنه لا يمكن تحقيق نهاية الاستبداد وإقامة نظام ديمقراطي في المغرب إلا من خلال نقلة نوعية كاملة بانتخاب جميع الذين يمسكون بالسلطة السياسية. فلا يمكن لأي مصدر آخر للشرعية، حتى لو كانت ذات مرجعية دينية أو حتى إلهية أن تعارض مبدأ السيادة الحصرية للناخبين، وبذلك تم تجاهل “إمارة المؤمنين”.

وتشير النقطة الثانية إلى آلية للحكامة الرشيدة وهي المساءلة، حيث يجب محاسبة جميع المسؤولين. ويجب أن تكون هذه الآلية التشريعية موجودة على جميع مستويات المسؤولية. فهذه هي الطريقة الوحيدة لمقاومة الفساد السياسي والمالي، فضلا عن الاقتصاد الريعي الذي ابتلي به النظام الحالي، بل أصبح ركيزة من ركائزه.

وبما أن الوثيقة تعبر عن التزام “العدل والإحسان” الرسمي بالديمقراطية التعددية وضد أي نظام ثيوقراطي، يضيف منجب، فمن المؤكد أن مثل هذا الالتزام سيكسر جدار غياب الثقة بين الجماعة والكثير من أطراف المعارضة الديمقراطية، سواء كانت محافظة أو تقدمية. ومن المرجح أن يتبدد التردد والخوف الذي أثارته الجماعة في صفوف المجتمع المدني الحديث. وهكذا، فإن العديد من التحالفات المناهضة للنظام مثل “الجبهة الاجتماعية” سوف تستقبل بارتياح كبير هذا التحول الجوهري في عقيدة الجماعة السياسية من خلال فتح الأبواب التي كانت مغلقة بإحكام في السابق.

وتوقف المقال على كون وثيقة الجماعة أزعجت كلا من المعارضة الرسمية، التي انكشفت حقيقتها، والمدافعين عن “المساء الكبير” الثوري الذين كانوا يخشون اندماجا خالصا وبسيطا لـ “العدل والإحسان” داخل دواليب النظام الحاكم. ومقابل ذلك، رحب المجتمع المدني اليساري على العموم بمبادرة “العدل والإحسان”.

من ناحية أخرى، يرصد منجب خشية بعض المثقفين من التيار الإسلامي، أن يبتعد التنظيم السياسي الصوفي كثيرا عن طهرانية أصوله، وأن تؤدي مبادرته في النهاية إلى “هضم” الجماعة من طرف “الغول المخزني”، وأن تلقى نفس مصير حزب “العدالة والتنمية”.

وينقل منجب الجواب المسبق لقادة “العدل والإحسان” على هذا التخوف بأن أهم شيء هو أن يظل الشعب هو صاحب السيادة الوحيد. وإذا “صوت الشعب بحرية لصالح دستور يعطي السلطة لشخص واحد [أي الملك]، فهذه ليست مشكلة. وهذا يعني أننا لم نشتغل جيدا وأخفقنا وأنه سيتعين علينا مواصلة نضالنا السلمي من أجل التغيير الديمقراطي بشكل أقوى”، كما يقول عمر إحرشان القيادي بالجماعة، الذي أورد منجب رأيه في متن مقالته التحليلية، محرجا النظام الحاكم الذي مازال ملتزما الصمن تجاه وثيقة “العدل والإحسان”.