حوار ثقافي مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجزائر، جلال ميرآقائي

حوار ثقافي مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجزائر، جلال ميرآقائي

بقلم/ هناء سعادة

أجرينا حواراً مع المستشار الثقافي الإيراني لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجزائر، السيد جلال ميرآقائي، تناولنا من خلاله العلاقات الثقافية بين الجزائر وإيران وسبل تعزيزها. إليكم الحوار…

 

  • سعادة المستشار، أُسدل الستار مؤخرا على فعاليات مهرجان ايمدغاسن السينمائي الدولي في طبعته الثانية في الجزائر، وقد حصد الفيلم الإيراني ”كانيبال Cannibal”، أو آكل لحم البشر، للمخرج الإيراني رامين ساماني، مناصفة مع فيلم “توك توك Tuktuk” للمخرج المصري محمد خضر من مصر الدرع الذهبي للمهرجان، والذي تنافس عليه 29 فيلما من 24 دولة حضرت بأعمالها الفنية، بداية لو تحدثنا عن هذا التكريم؟

 

المستشار الثقافي: صحيح، حصد الفيلم الفيلم الإيراني ”كانيبال  Cannibal”، أو آكل لحم البشر، مناصفة مع فيلم “توك توك Tuktuk” من مصر الدرع الذهبي للمهرجان، والفيلم يتناول الصراع من أجل البقاء في عالم يفتقد إلى المبادئ الإنسانية ويمجد المال، إذ يروي في مدة 9 دقائق، قصة سائق مركبة لسحب السيارات المتضررة، حيث يرتكب جريمة بسكب نوع من السوائل على الطريق لإحداث حوادث مرورية، ليقوم بعدها بسحب المركبات المتضررة مقابل مبلغ من المال حتى يلبي احتياجات عائلته. كما شهدت التظاهرة الفنية تتويج الممثل الإيراني بهزاد دوراني بجائزة أفضل ممثل في المهرجان عن دوره في فيلم “كانيبال”.

حقيقة ليست هذه المرة الأولى التي يفوز فيها فيلم إيراني بمسابقات دولية تنظم من طرف دولة الجزائر الشقيقة، فمنذ سنتين تقريبا، حاز الفيلم القصير “البقرة ” للمخرج الإيراني رسول حق جو بجائزة “البوابة الذهبية” للطبعة الخامسة لمهرجان البوابة الرقمية للفيلم الدولي القصير بعنابة شرق الجزائر (دورة أغسطس 2020). وأنا بدوري، أثمن هذا التكريم، كما أنتهز هذه السانحة للتعبير عن فخري واعتزازي بجودة وعمق العلاقات التي تربط البلدين الشقيقين، أملا في الارتقاء بهذه العلاقات وتعزيزها أيضا في الشأن الثقافي باعتباره مجالا مهما للتعريف بثقافة البلدين.

 

  • ماذا عن التعاون الثقافي بين الجزائر وإيران؟

 

المستشار الثقافي: لقد عبرت الجزائر وإيران، في مناسبات عديدة، عن رغبتهما في تعزيز التعاون الثقافي القائم بين البلدين، وتوسيعه ليشمل مجالات أخرى مثل المسرح والموسيقى والأدب، نظرا للمكانة المرموقة التي تحتلها إيران في عالم السينما باعتبارها إحدى أهم المدارس السينمائية، مما خولها التتويج بالكثير من الجوائز المحلية والإقليمية والعالمية. وتربط الجزائر وإيران منذ زيارة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي وقتها رضا صالحي أميري للجزائر في آذار / مارس 2017 م اتفاقية تعاون بين هيئة فارابي الإيراني للسينما وبين المركز الجزائري للسينما والسمعي البصري. يرمي هذا الاتفاق إلى تعزيز الإنتاج السينمائي المشترك والتعاون في مختلف مجالات السينما بين البلدين. وفي وقت سابق، أشاد وزير الثقافة الجزائري الأسبق عز الدين ميهوبي بالسينما الإيرانية ومكانتها العالمية والمساعي المبذولة لتقوية التعامل السينمائي بين إيران والجزائر، مشيرا إلى الجهود الجبارة المبذولة من الجانب الإيراني في إخراج الفيلم التاريخي “أحمد باي” في أبهى حلة.

 

  • سعادة المستشار، هل لكم أن تحدثونا عن هذه التجربة؟

 

المستشار الثقافي: هذا الفيلم هو من إنتاج المنتجة السينمائية الجزائرية سميرة حاج جيلاني وإخراج المخرج الإيراني جمال شورجه. يروي الفيلم قصة أحمد باي (1784-1850)، آخر حاكم عثماني للجزائر، إذ يرصد حياته من الفترة الممتدة ما بين 1826 إلى 1848، وهو التعاون الثاني بين البلدين في مجال السينما بعد استعانة الجزائر بخبراء إيرانيين في التجميل والإكسسوارات بقيادة السيدة سودابة خسروي في فيلم ابن باديس للمخرج السوري باسل الخطيب، وقد حظيت هذه التجربة بإعجاب الجزائريين الذين باركوا هذه الخطوة ونادوا بمزيد من التعاون الثنائي. ففي وقت سابق، أشادت المنتجة الجزائرية للفيلم، سميرة حاج الجيلاني، بالحرفية العالية التي يتمتع بها الإيرانيون، حيث لم يألوا جهدا في إنجاح هذا العمل المشترك.

 

  • وماذا قدّم الطاقم الإيراني من خلال هذه التجربة؟

 

المستشار الثقافي: قدّم الكادر الإيراني دورات تدريبية للجزائريين. وشملت الدورات تدريبات وحصصا تعليمية عن المؤثرات الخاصة والأزياء وكيفية إدراج الصور والمكياج. كما تم تأطير 27 مصمم أزياء جزائري من قبل متخصصين إيرانيين، بينما قام متخصصون إيرانيون في مشاهد الحرب والمؤثرات الخاصة لـ “أحمد باي” بتدريب ضابطين من الجيش الجزائري (الجيش الوطني الشعبي الجزائري). أما فيما يتعلق بالمكياج والديكور، لم يبخل الإيرانيون في مد يد العون لنظرائهم الجزائريين ومشاركتهم خبراتهم القيمة.

 

  • ماذا عن إقامة المعارض في البلدين؟

 

المستشار الثقافي: لم تتخلف الجزائر وإيران في بعث وإقامة تعاون دائم بينهما، حيث قاما، في هذا الإطار، بالتوقيع على إتفاقية للتعاون الثقافي يوم 25 ديسمبر 2004، تجسدت على أرض الواقع بتنظيم وإقامة عدة تظاهرات ثقافية في كلا البلدين. ومنه، يحظى التعاون الثقافي بتقدير كبير من الجانبين. فقبيل جائحة كورونا أقيم معرض ثقافي جزائري في مركز ملال الثقافي بهدف التعريف بعادات وتقاليد المجتمع الجزائري. تم عرض أعمال فنية بصرية وتقليدية (ألوان مائية ، طلاء زيتي ، منمنمات ، رسم على الرمال ، ألواح خزفية ، إلخ) والحرف اليدوية لتمكين الإيرانيين من رصد الجوانب التاريخية ونمط حياة الشعب الجزائري. قدّمت هذه الفعالية صورة وافية عن عراقة وتميز الموروث الحضاري والثقافي الجزائري وتألق مُبدعيه في مختلف الأشكال الفنية والحرفية. ومن ناحية أخرى، أُقيمت معارض ثقافية إيرانية مختلفة في الجزائر لتعريف الجزائريين بالثقافة والفنون الإيرانية، تحت إشراف السفارة الإيرانية في الجزائر، مثل: المعرض الذي أقيم في ولاية البليدة، الواقعة على بعد حوالي 45 كم جنوب غرب الجزائر العاصمة، والمعرض الدولي العاشر لفن الخط والمنمنمات بحضور فنانين إيرانيين بارزين، واللذين لاقوا استقبالا حارا وتم تكريهم أيضا، ناهيك عن مشاركة وفد ثقافي إيراني في فعاليات الأسبوع الثقافي الإيراني في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية عام 2016م، تم من خلالها عرض كتاب بعنوان “أوراس” يضم مختارات من أشعار وزير الثقافة الجزائري الأسبق عز الدين ميهوبي مترجمة إلى الفارسية من إنجاز الأستاذ الإيراني “مصطفى أميدي”ـ وتم منح الوزير ميهوبي مجسما للمقاوم الجزائري الأمير عبد القادر من تصميم النحات الإيراني حبيبي كهدية للجزائر.

كما أقيم سنة 2019 م أسبوع الفيلم الإيراني في الجزائر العاصمة بهدف التعريف بالثقافة والسينما الإيرانية، وكان مصحوبا بورشات متنوعة عن السينما الإيرانية تحت إشراف مخرجين ومنتجين إيرانيين بارزين.

 

  • وماذا عن التبادل الثقافي بالمطلق؟

 

المستشار الثقافي: نظمت مؤخرا سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالجزائر مسابقتين خلال رمضان 2021 و2022، تناولت الأولى جهود الإيرانيين في خدمة القرآن، والثانية جهود الجزائريين في خدمة القرآن الكريم، ولاحظنا إقبال الجزائريين على المشاركة، وتم تكريم الفائزيين، وأقمنا أيضا مسابقة بمناسبة ولادة خير خلق الله، النبي محمد (ص)، حول الوحدة الإسلامية وروادها في العالم الإسلامي.

كما يُشارك الإيرانيون في مختلف الفعاليات الثقافية الجزائرية، كالمسابقة الدولية للقرآن، مثل مشاركة الحافظ الإيراني للقرآن الكريم “بيمان أيازي”، وفي المعرض الدولي للكتاب، حيث تعرض الجمهورية عددا معتبرا من الكتب في مختلف التخصصات، وغالبا ما يشارك كُتاب إيرانيون في هذا المهرجان الثقافي السنوي، فمثلا في سنة 2016م، شارك الشاعر والمترجم الإيراني ومدير المجلة الفصلية التخصصية والدولية “شيراز”، موسى بيدج، في المعرض كمندوب عن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، وعرض نماذج عن أعماله الشعرية.

ويشارك الإيرانيون أيضا في مختلف اللقاءات والندوات الفكرية التي تنظمها مختلف الهيئات والجامعات الجزائرية. وسابقا، إرتبطت ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تعقد في الجزائر منذ 1968م وحتى عام1990م، حيث توقفت بسبب اندلاع العشرية السوداء بالبلد، بمشاركة الإيرانيين. كان هذا المؤتمر علميا خالصا للمذاهب والتيارات والأفكار وحتى الاجتهادات، وعلامة فكرية فارقة في العالم الإسلامي، يجمع تحت سقف واحد علماء الإسلام بجميع توجهاتهم وسائر طوائفهم ونِحَلِهم، وكان العلماء الإيرانيون أمثال أية الله الشيخ التسخيري و السيد هادي خسروشاهي، والعلامة الكبير الدكتور السيد جعفر شهيدي، والإمام موسى الصدر رحمهم الله جميعا من المشاركين الثابتين في هذه الفعالية الفكرية، إذ لزموها لسنوات عديدة، صادحين بأصواتهم التي تنادي بالوحدة والتسامح مع الآخر والتحاور معه وفق أرضية مشتركة للوصول إلى نقاش بنّاء ومُثمر، يُساهم في دفع عجلة التقريب إلى الأمام، والقضاء على المرض الذّيمزّق الأمة الإسلامية إلى مذاهب وطوائف وعشائر. ومن جهته، أشاد السيد هادي خسروشاهي في مقالات عديدة بالثورة الجزائرية وشخصياتها، أمثال الأمير عبد القادر. وأنا شخصيا، شاركت في هذه الفعالية، مما سمح لي بالتعرف على هذا البلد العزيز منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي بداية الألفية الثالثة، شاركت أنا في مؤتمرين إسلاميين في العاصمة الجزائرية، وفي وهران ضمن وفد من العلماء والمفكرين الإيرانيين.

وبالمقابل، يشارك الجزائريون في مختلف الندوات العلمية والأكاديمية والفعاليات الثقافية الإيرانية، كالمعرض الدولي للقرآن في إيران، والمؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية، والذي يقام سنويا في أسبوع ولادة النور حبيب الله محمد بن عبدالله المصطفى (ص)، بمشاركة العشرات من الشخصيات الجزائرية والباحثين والأساتذة، أمثال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور بوعبد الله غلام الله، والدكتور والكاتب والمفكر الجزائري نورالدين بولحية، والبروفيسور جمال تراكة، والسيدة نورا فرحات، وبمشاركة أيضا الدكتورة هناء سعادة، والدكتورة رشا روابح وغيرهم، كما شارك من قبل جمع من العلماء الجزائريين في المؤتمرات العلمية والثقافية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كأمثال المغفور له العلامة بوعمران الشيخ والشيخ عبد الرحمن شيبان، والدكتور عمار طالبي والدكتور مصطفى الغماري والشيخ عبد الرزاق قسوم. يستعرض المشاركون تاريخِ الوحدة بين المسلمين، مجددين ميثاقَ الوفاء والقرب والاتحاد، مصداقا لقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا…. ).

ومؤخرا، شاركت جمعية فرسان الركح للفنون المسرحية بأدرار بمهرجان الفجر السينمائي في دوررته 40، ومهرجان الفجر السينمائي الدولي هو أهمّ مهرجان سينمائي في إيران يعقد سنويا في العاصمة الإيرانية طهران في مطلع فبراير من كل عام، متزامناً مع الذکری السنوية لانتصار الثورة الإسلامية في إيران.

بناء على ما سبق، سنسعى جاهدين على تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين عن طريق إرساء آليات التعاون والعمل في المجالات ذات الصلة بالمشهد الثقافي والإبداع الفني والأدبي. لدينا رغبة صادقة في إقامة جسور تعاون ثقافي لأن الثقافة هي الثابت الدائم في بناء العلاقات، وهي الجسر الذي تنتقل منه العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرهما. وكما هو معلوم، تتقاسم الجزائر وإيران قواسم ثقافية وسياسية مشتركة، فكلاهما قارع الإستعمار والهيمنة، وقاوم كل ما يستهدف الاستقرار والأمن، وبالتالي فإن هذه القواسم ستعمل على بعث نفس جديد للعلاقات الثنائية الثقافية بين البلدين، بالتوازي مع إقامة علاقات ودية تغطي كافة المجالات، فالتعاون بين البلدين يشهد تطورا ملموس لاسيما على الصعيد السياسي، حيث تمكن البلدان خلال السنوات الأخيرة من إقامة علاقات متميزة تطبعها الثقة ويسودها جو من التفاهم والاحترام المتبادل، واليوم، كما جاء على لسان المتحدث السابق باسم الخارجیة الإيرانية، بهرام قاسمي، يتمتع البلدان بعلاقات إیجابیة وبناءة على كل الأصعدة والمجالات المتاحة، ولقد أبرمتا نحو 70 وثیقة للتعاون الثنائي حتى الآن. نحن نعتبر الجزائر دولة شقيقة، ولا ننسى كيف اضطلعت في تاريخ علاقتها مع إيران بالعديد من الأدوار المهمة، فهي التي أنجزت اتفاق الخلاف الحدودي مع حكومة الشاه في 1975م  في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، فضلا عن مساهمتها في إنهاء قضية الجواسيس الأمريكيين في قضية السفارة الأمريكية في طهران والتي انتهت بوساطة جزائرية، كما كان لها دور بناء أثناء الحرب المفروضة من قبل النظام الصدامي ضد ايران، حيث قامت الجزائر بدور الوسيط، وخسرت بسبب ذلك خيرة رجالها، الشهيد محمد صديق بو يحيى وزير خارجية البلد آنذاك، حيث أُسقطت طائرته في منطقة كردية بين العراق وإيران وتركيا، بعد أن غادرت الحدود العراقية بمسافة قصيرة. (أطلب من الباري تعالى الرحمة والمغفرة له وكل من كان معه في تلك الطائرة). بعد هذه الحديثة الأليمة، بذلت الجزائر جهودا حثيثة لإنهاء تلك الحرب ولطالما طرحت مبادرات لإرساء السلم والصلح في المنطقة.

واليوم، تساهم روح الدفاع عن المظلوم، ومواجهة الظلم ومواجهة الاستكبار التي تجمع إيران والجزائر، في تأكيد عزم قادة البلدين، والذي عبروا عنه في مناسبات مختلفة، وفي أي لقاء يتم، على المضي قدما في تطوير العلاقات الثنائية في جميع المجالات.

 

  • ماذا عن تعليم اللغة الفارسية والتعاون الأدبي والجامعي بين البلدين؟

المستشار الثقافي: حالیا يقدم القسم الثقافي للسفارة برامج ودورات تعليمية للغة الفارسية افتراضيا، ويشارك فيها جمع من الشباب الراغبين بتعلمها من مختلف المناطق الجزائرية، وأستاذة الدورات جزائرية تتقن اللغة الفارسية، وتتحدث بها بطلاقة تامة، ونحن في انتظار تفعيل مشروع تعليم اللغة الفارسية كتخصص قائم بذاته في الجامعات الجزائرية، وهناك مشروع تقدمت به جامعة الجزائر 2 إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من أجل اعتماد تخصص للأدب الفارسي أعقاب مشاورات أجرتها مع السفارة الإيرانية بالجزائر من أجل تدريس اللغة الفارسية وآدابها بالجزائر في إطار انفتاح الجامعات الجزائرية على لغات الشرق بقدر المساواة مع انفتاحها على اللغات الغربية. سابقا، قمنا بإهداء دورة کاملة من منشورات جامعة طهران إلى المکتبات الجزائرية، ونأمل في تعزيز التبادل بين الجامعات الجزائرية ونظيراتها الإيرانية.

من جهتنا، لاحظنا إقبال الجزائريين على تعلم اللغة الفارسية والنهل من الآداب الإيرانية، فمثلا نرصد إهتمام الباحثين والدكاترة الجزائريين بالشؤون الأدبية والفنية الإيرانية، والمتصفح لقاعدة المنصة الجزائرية للمجلات العلمية المصنفة والمحكمة ” Algerian Scientific Journal Platform” يرصد كما هائلا من المقلات العلمية والأدبية التي تُعنى بالجوانب الفنية والثقافية والأدبية الإيرانية. ومؤخرا أصدر الديوان الجزائري للمطبوعات الجامعية (هيئة نشر تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي) ترجمة لديوان مولانا جلال الدين الرومي ‘مثنوي معنوي’ تحت عنوان ‘الديوان العربي لمولانا جلال الدين الرومي ديوان العشاق وينبوع الاذواق’. وترجم الديوان الأستاذة بجامعة الجزائر وجامعة تولوز ورئيسة الجمعية المتوسطية للتربية المقارنة ‘عائشة محرزي’ اعتمادا على النسخة الفرنسية التي نقلها عبد الغفور روان فرهاد من الفارسية، مع مراجعة وتقديم وتعليق الأستاذ ‘محمد شطوطي’. تعد هذه الترجمة إضافة جديدة للمكتبة الجزائرية ولمعاهد العلوم الإنسانية بالجامعات الجزائرية، خاصة معاهد اللغات والأدب، ومعاهد اللغة والأدب العربي، لما لهذه الشخصية الشاعرة المتصوفة من تأثير في الأدب العربي، وما للأدب والشعر الفارسي من تأثير في الأدب العربي عامة.

بالمطلق عاد في السنوات الأخيرة الاهتمام في الجامعة الجزائرية بالأدب الفارسي، وأنجزت رسائل علمية بشأنه. كما تُولي المجالات المحكمة والمصنفة الجزائرية إهتماما بأعمال الباحثين الإيرانيين. وبالرجوع إلى التقارب الثقافي بين البلدين، وفي خطوة مباركة، قام القاص الجزائري ‘بلقاسم شايب’ بترجمة ‘رباعيات الخيام’ إلى اللهجة الجزائرية، وقد لقيت الترجمة استحسانا كبيرا لدى القراء والمهتمين.

والجدير بالذكر أن اهتمام الباحثين الجزائريين بالأدب الفارسي واللغة الفارسية ليس وليد الساعة، فقد كانت الفارسية تدرس بمعاهد اللغة والأدب العربي كلغة شرقية ثانية إلى جانب التركية إلى غاية سنة 1984، وكتبت آنذاك عدة رسائل علمية تطرقت من قريب أو بعيد إلى شعراء فارسيين، أمثال مولانا جلال الدين الرومي، ومولانا حافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي. وفي مطلع القرن الـ 20، قدم الدكتور الجزائري ‘محمد بن شنب’ قاموسا حول ‘ما تبقى من الألفاظ الفارسية والتركية في العربية الجزائرية’، أي في اللهجة العامية الجزائرية، خاصة في مدينة الجزائر، كما نشر الباحث والدكتور الإيراني  محمد علی آذرشب كتبا وأبحاثا عن الجزائر كمؤلفه “الجزائر فی الشعر الفارسی المعاصر (المقالة 9، المجلد 1436، العدد 38، يوليو 1436، فروردین 1394، الصفحة 175-186)، حيث تطرق إلى تغني الشعراء الإيرانيين بالثورة الجزائرية، وقدّم باقة متنوعة من الشعر الفارسي عن الجزائر وثورتها المجيدة، ناهيك عن كتابه “الجزائر بعيون إيرانية”، “تلمسان مقاومة وعرفان” الذي تناول وحدة الدائرة الحضارية الإسلامية، فالعالم الإسلامي بمختلف أقاليمه وقومياته وأعراقه ينتمي إلى دائرة حضارية واحدة، لذلك فإن فصول الكتاب حملت معالم هذه الوحدة على صعيد الخطاب وفي دائرة الثقافة والأدب ومشاريع الإحياء، وبعض ما جاء فيه كان من المقالات التي قدمت في مؤتمرات أقيمت في الجزائر.

نرصد أيضا في الفترة الأخيرة تزايد اهتمام الجامعة الإيرانية والباحثين الإيرانيين بالآداب الجزائرية والعربية بشكل عام، فمثلا نرى في المقرر الدراسي لطلاب اللغة العربية في مرحلة الدکتوراه دروسا تحت عنوان « نصوص من النظم والنثر المعاصر» والهدف منها هو دراسة والبحث في الأدب المعاصر العربي والتعرف على أدباء العرب في العالم العربي مثل: مصر، العراق، سوريا، لبنان والجزائر وتونس، كما تم تخصيص العشرات من المذكرات الجامعية الإيرانية لمرحلة الدكتوراه عن الأدب الجزائري.

وعلى صعيد متصل، تشهد إيران الآن حركة ترجمة حثيثة تقودها طبقة من كبار المترجمين مثل رحيم فروغي، ستار جليلزاده، عظيم طهماسبي وموسى بيدج وغيرهم ممن أقبلوا على الروايات والأشعار والكتب العربية فترجموها إلى لغة حافظ الشيرازي وعمر الخيام، فالترجمة اليوم كفعل معرفي حضاري يمكن التعويل عليها في التقريب بين الشعوب في خضم هذه الحروب والنزاعات التي نشهدها لأن الإنسان كائن اجتماعي وبناءً على التجارب التاريخية فهو يمتلك مع نفسه وفي نفسه خلفية غنية تراكمية من أنواع الثقافات، ولا يوجد إنسان أو ثقافة بإمكانها اعتبار نفسها بغنى عن تجارب الآخرين، لهذا السبب فإن تأثر الثقافات بعضها ببعض له أثر بالغ في ازدهار المجتمعات وتقدمها، وهنا لا يمكن إنكار دور الترجمة في نقل العناصر الثقافية، فمثلا طرح مؤخرا في الأسواق الإيرانية كتاب “التاريخ السياسي للجزائر” للكاتب الجزائري الأستاذ “عمار بوحوش”، وترجمه المترجم الإيراني”سعيد مصفى”، كما قام المترجم الإيراني ستار جليلزاده بترجمة أعمال ومجموعات قصصية  تقع في 450 صفحة وتحمل عنوان “رماد فوق الجرح” (خاکستر روی زخم) وتشمل خمسين قصة قصيرة لخمسين كاتباً عربياً معاصراً من تسع دول عربية وهي (الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، مصر، سورية، العراق، فلسطين، الكويت)، وتُرجمت أيضا روايات الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي إلى اللغة الفارسية، كرواية ذاكرة الجسد التي ترجمت إلى الفارسية سنة 2001 م، في 1100 نسخة للمترجم « رضا عامري» الذي ترجم فيما سبقروايات « نجيب محفوظ» و « أشعار نزار قباني»، فصلا عن ترجمة كتب أخرى كروايات الكاتب الجزائري طاهر وطار، وأيضا الكاتب كاتب ياسين.

وفي هذا السياق، كشف الكاتب الجزائري واسيني الأعرج عن ترجمة روايته “الغجر يحبون أيضا”، إلى اللغة الفارسية، في انتظار أن يكون لروايتيه “حارسة الظلال” و”مي: ليالي إيزيس كوبيا”، نفس المصير. وقد ترجم العمل الأول المترجم الإيراني الأستاذ حميد رضا مهاجراني، في حين ستترجم الثانية المترجمة الإيرانية الدكتورة شوكو حسيني.

كما يهتم الإيرانيون بترجمة كتب المفكرين الجزائريين، على رأسها كتب الفيلسوف مالك بن نبي، ودائما ما يثنون على أفكاره النهضوية باعتباره أحد رُوّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، وإذا ما تجولت في شوارع الجمهورية، ستصادفك أحياء تحمل أسامي شخصيات جزائرية كالأمير عبد القادر وغيره.

وبخصوص المؤتمرات الدولية، عُقد في إيران منذ أشهر مؤتمر عن الثورة الجزائرية بمشاركة مجموعة من الباحثين والدكاترة الجزائريين. أيضا، تُنظم الجامعات الإيرانية مؤتمرات وندوات خاصة عن الأدب الجزائري كالتي نظمت من طرف جامعة “بهشتي” في إيران، بالتنسيق مع وزارة الخارجية الجزائرية، والسلطات الإيرانية المختصة بالشأن الأدبي، وخُصصت للأدب الجزائري المعاصر، وحضرها مجموعة كبيرة من الأدباء الجزائريين إلى جانب كوكبة من الأكاديميين الجزائريين. تنوعت المواضيع المطروحة ما بين مواضيع  عن الاستعمار وما بعده، ومكانة الثورة والمقاومة في الأدب الجزائري، أثر الاستعمار في الأدب الجزائري، ناهيك عن الكاتب الجزائري ورغبته في التأليف والإبداع بلغة المستعمر، ومكانة الأدب الجزائري في العالم العربي، والخطاب النقدي من منظور نقدي، وكذا الأدب الجزائري من منظور مقارني بالأدب العربي والآداب الغربية، كما أدرجت مواضيع للنظر في مسألة الأدب الجزائري والفنون الجميلة والسينما، وكذا صورة الآخر في الأدب الجزائري، وصورة الجزائري في الأدب العالمي.. ويحضرني الآن تصريح الشاعر الجزائري طارق ثابت في إحدى المنابر الإعلامية عندما قال بأنه تفاجأ “بمستوى المداخلات الأكاديمية للمشاركين الإيرانيين في تلك الندوة، سواء تلك التي ألقيت باللغة العربية أو باللغة الفارسية، حيث قدم الإيرانيون مداخلات قيمة حول ميهوبي، الأعرج، كاتب ياسين بشكل جعلنا نندهش من وعيهم بآدابنا وعمق إطلاعهم”.

وقد تم بالمناسبة تكريم الروائي الجزائري واسيني الأعرج إلى جانب المجاهدة جميلة بوباشا، بمناسبة الذكرى الستين لثورة أول نوفمبر. وقد انضمت “إلينا زافيرا سعدي”، التي قدمت عرضا لفيلم والدها معركة الجزائر، كان متبوعا بنقاش تاريخي. وأنوه هنا إلى تعلق الإيرانيين بثورة التحرير الجزائرية، وقد ترجم فيلم” معركة الجزائر إلى الفارسية” وعُرض مرات عديدة على الشاشات والسينما الإيرانية. كما قدم العديد من الشعراء الإيرانيين أشعارا باللغة الفارسية عن الثورة الجزائرية المجيدة، ك: عبد العلي أديب برومند، وخسرو فرشيد ورد، وعلي محمودي، و محمد جعفر بور تويسركاني، و محمد جعفر إيرانيور تويسركاني، وغيرهم.

ونحن نتحدث عن الثورة الجزائرية المباركة، أنوه في هذا المقام إلى أن  السفارة الجزائرية في طهران أقامت حفلا لتكريم المناضلة الجزائرية جميلة بوباشا، حضره عدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبمشاركة المناضلة بوباشا، وجاء التكريم بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس جبهة التحرير الوطنية. ومن الشخصيات الإيرانية التي حضرت التكريم، نذكر المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضيه أفخم ، وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام غلام علي حداد عادل، ورئيس لجنة التخطيط والميزانية في مجلس الشورى الإسلامي غلام رضا مصباحي مقدم، و مستشار رئيس مجلس الشورى الإسلامي في الشؤون الدولية حسين شيخ الإسلام، بالاضافة إلى سفراء فلسطين وكوبا ورومانيا وتونس والسفير التونسي السابق وممثلين عن سفارتي اندونيسيا وليبيا.

وفي حوار لها مع وكالة مهر للأنباء، قالت المناضلة الجزائرية أن الثورة والدين الإسلامي هما من أهم القواسم المشتركة بين إيران والجزائر، مضيفةً بأن أفضل الذكريات لها في إيران عندما زارت مدينة مشهد، وأكدت قائلة: “نحن كذلك كالإيرانيين نحب أهل البيت (ع)، ولهذا السبب قمت بزيارة مرقد الإمام الرضا (ع)،  مضيفةً أن الذكرى الأخرى الجميلة لها في إيران هي عندما ذهبت إلى اصفهان، وقالت أن هذه المدينة مضرب مثل في الثقافة والصناعات اليدوية.”

كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن نظرة الإيرانيين للجزائر والجزائريين إيجابية مئة بالمئة خلافا لما يشيعه المغرضون، وهم حريصون كل الحرص على تطوير علاقاتهم مع أشقائهم الجزائريين. فبعد انتصار ثورة الجزائر المجيدة، عمت الإحتفالات في مساجد إيران، كمسجد هدايات تحت إمامة السيد محمود طالقاني، والذي كان آنذاك الرجل الثاني بعد الإمام الخميني، حيث عمت الهتافات ك “الجزائر بيروز” أي “الجزائر تنتصر”.

وقبل إنتصارها، حظيت هذه الثورة المجيدة ضد المستعمر الفرنسي بدعم من قبل أبناء الشعب الإيراني، وأشير هنا إلى المفكر الإيراني الكبير الدكتور علي شريعتي، حيث حمل لواء مناهضة الاستعمار الفرنسي وهو في قلب فرنسا، واصطف إلى جانب ثورة الشعب الجزائري، ودافع عنه وسجن بسبب ذلك، وموقفه كان مدعوما بموقف شعبي في إيران يناصر ثورة الشعب الجزائري.

كما طالب كبار العلماء الإيرانيون من أبناء الشعب الإيراني أن يدعموا ويساعدوا الشعب الجزائري بكل الطرق الممكنة، وقد تم جمع الكثير من المساعدات المالية وأوصلوها إلى أبناء الجزائر عبر وسطاء، واستمر هذا الدعم الشعبي حتى انتصار الثورة الجزائرية، وبعد الاستقلال، قام النظام الملكي في إيران بدعم النظام الجديد في الجزائر رغم اختلافه مبدئيا مع الكثير من أصول الثورة الجزائرية لكنه كان مرغما بسبب الموقف الشعبي الداعم لأبناء الجزائر، وأصبحت إيران من أولى البلدان التي اعترفت باستقلال الجزائر.

أخص بالذكر دفاع المفكر الإيراني علي شريعتي (1933-1977) عن القضية الجزائرية، وتعاونه مع  جبهة التحرير الوطني (FLN)،  وقربه من الشاب المناضل، والطبيب المُنظر فرانز فانون”. لم يخف شريعتي تعاطفه مع نضال الشعب الجزائري وجبهة التحرير الوطني، حيث أضحى على إتصال دائم مع أعضائها، بعد أن تعرف على أحدهم بمحض الصدفة في صالون لتصفيف الشعر. قام مصفف الشعر، وهو عضو في جبهة التحرير الوطني، بضمه إلى شبكة الجبهة بباريس، والتي استخدمت فيما بعد غرفته للتنسيق حتى تتماهى عن الأنظار الفرنسية، كما كان السيد علي على اتصال وثيق ودائم بالمناضلين الجزائريين، وشارك معهم في المظاهرات لصالح القضية الجزائرية سنة 1959، وبذلك تلاحمت شخصيته  وجدانيا مع الثورة الجزائرية وانتقلت من دائرة النّظر إلى دائرة الفعل، وأبصرت في هذه الثورة وعيا ثوريا نوعيا تصنعه معجزة الإيمان والوعي، تلك المعجزة التي جسّدتها الثورة الجزائرية في تصدّيها للهيمنة  الإمبريالية الفرنسية،  وما قدّمته من دروس في فن الثورة وتكوين الوعي والمحافظة على الذّات الثقافية، وروحها الثوري الذي انعكس في أبحاث شخصيات فكرية وثورية من طراز رفيع، جعل من أفقها أفقا عالميا؛ ومن أفكارها جذوة للحركة والتأثير في النفس الخاضعة خاصة للقوى الاستعمارية الإمبريالية.

يقول علي شريعتي عن الثورة الجزائرية: “انظروا إلى الجماعة العلماء التي قامت بإعلان الجهاد الفكري والاجتماعي و الثقافي، والعسكري وصارت سدّا في كل طريق في مواجهة الاستعمار الفرنسي ونفوذه الشامل، وأضرمت أول شرارة للحرية في قلوب الناس، وأنظروا إلى الشخصيات القومية لهذه الحركة من أمثال : عبد القادر رئيس القبيلة الذي حارب ثلاثين سنة، وبن بيلا وبن خدة وكريم بلقاسم وآيت احمد ومحمد حيدر، وهواري بومدين وعمر مولود وكتاب ومفكرين من أمثال: فرانز فانون وكاتب ياسين وزهرة ظريف وجميلة بوباشا . عجبا: كم هي مثمرة هذه الثورة ومُربّيةُ للمواهب وكم تصنع من البشر”.

كان للدكتور شريعتي ولا يزال تأثير كبير في المجتمع الجزائري، وما زالت أقواله تتردد على ألسنة الجزائريين، خاصة النخب منهم، حيث يرتبط اسمه بالمفكر والكاتب والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي لأن كلاهما طالب بشن ثورة ضد الاستبداد الخارجي والعمل على إصلاح النفس.

ومن أهم الخطب التي ألقاها آية الله الخميني مع عودته من باريس إلى طهران، تلك التي طلب فيه من المسلمين الاتحاد، وربط وحدتهم بتشابه ثوراتهم، وطالب الإيرانيين بالاقتداء بالثورة الجزائرية التي ربطت بين الجهاد الأصغر ضد الاستعمار والجهاد الأكبر ضد التخلف، واستقبل الإمام الخميني في أولى أيام الثورة كبار الجزائر، ومن بينهم المفكرين الكبيرين المرحومين نايت بلقاسم وأحمد حماني، حيث أبان التلفزيون الجزائري صورهما، وهما يجلسان على الأرض في مكان إقامة قائد الثورة الإيرانية مع الإمام الخميني.

 

  • التعاون الثقافي يصحبه تعاون ثنائي في مختلف القطاعاتـ، فهل لكم أن تضعونا في الصورة؟ وماذا عن العلاقات السياسية بين البلدين في الوقت الراهن؟

 

المستشار الثقافي: تشهد العلاقة بين طهران والجزائر توافقا تجاه الكثير من الأحداث الدولية وتطابقا في قضايا أخرى، كالملفين السوري واليمني وحزب الله والملف النووي الإيراني، ويرجع ذلك لمنهجهما الثابت والرافض للهيمنة والإستبداد، ورفض اللعبة الدبلوماسية التي تمليها الغطرسة الغربية، فما يربط هذين البلدين هو رفع شعار الثورة، فكلاهما قاد ثورة مجيدة (الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي بالنسبة للجزائر  والثورة الإسلامية الإيرانية ضد نظام الشاه) ما يجعلهما عازمين على مواجهة الاستعمار والإمبريالية العالمية، ومتوافقين في تكوينهما وبنية سياستيهما الإستراتيجية. كما يعود هذا التقارب إلى تاريخٍ طويل في العلاقة الثنائية، إذ تعد إيران من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي سنة 1962، وتباعا، تم فتح سفارة لها بذلك البلد سنة 1963. تلت هذه الخطوة  فتح سفارة الجزائر بإيران سنة 1966.

توجت هذه العلاقات الدبلوماسية بالوساطة الجزائرية في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين سنة 1975 بين العراق وإيران في الصراع الحدودي بشأن شط العرب، وعرف ذلك باتفاقية الجزائر.

وقد لاقت الثورة الإيرانية ترحيبا من طرف الجزائر، وعرف التعاون الإيراني أشده حين قامت الولايات المتحدة بقطع علاقتها بإيران سنة 1980 حينها توالت المبادرات الجزائرية للوساطة، فقد كانت راعية مصالح طهران بواشنطن ونجحت الوساطة الجزائرية في إيجاد حلٍ سلميٍ للأزمة، كما قام الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد بزيارة إلى إيران سنة 1982 أسفرت على الكثير من الاتفاقات الثنائية. و ننوه أيضا إلى أن إيقاف حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران سنة 1988، كان برعاية جزائرية بحتة كما ذكرت سابقا.

شهدت العلاقات بعدها مدا وجزرا بسبب العشرية السوداء بالبلد، وما تخللها من ضبابية، إلا أنه سرعان ما انقشع ضباب الخلاف بين البلدين لتعود العلاقات إلى سابق عهدها، وتزدهر بعد وصول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم  سنة 1999 رغم الضغوط التي مورست على هذا البلد في دلالة قوية للإحترام الذي تكنه الجزائر للعمق الشعبي والثقافي لهذه العلاقة؛ فالجزائريون يثمنون جهود إيران الحثيثة ومواقفها الوطنية المؤيدة للشعوب المستضعفة، خاصة ما تعلق بقضية فلسطين، فضلا على أن تاريخ البلدين، وحجمهما الإقليمي، ورهانات الواقع والجغرافيا، لم تكن لتسمح باستمرار القطيعة بين ثقلين، لهما وزنهما، وقبل ذلك رغبتهما في استئناف فرص التعاون والشراكة بينهما. فمع صعود الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة وبروز الفيلسوف محمد خاتمي منذ مطلع الألفية الثانية، أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في سبتمبر/أيلول 2000 وتم تبادل السفراء في أكتوبر/تشرين الأول 2001 لتنطلق العلاقات بشكل سريع، ترجمتها الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى بين الطرفين، وكرّستها المبادلات والاتفاقيات الثنائية في عديد القطاعات. هذا الوضع الاستدراكي في علاقات الجزائر وإيران، نجم عنه مباركة طهران لمشروع المصالحة الوطنية في الجزائر، مقابل دفاع هذه الأخيرة عن حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية.

في أكتوبر 2000، اجتمع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مع نظيره الإيراني آنذاك محمد خاتمي في نيويورك على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأعلنا تعزيز العلاقات وتبادل السفراء اعتباراً جانفي 2001. وتطورت العلاقات خلال السنوات التي تلت، خصوصاً على الصعيد السياسي، لتنتقل العلاقات بين البلدين إلى التفاهم المتبادل و التشاور حول القضايا الإقليمية و الدولية.

في سنة  2003، قام الرئيس الجزائري بوتفليقة بزيارة رسمية إلى إيران، أعقبتها زيارةٌ للرئيس الإيراني محمد خاتمي للجزائر سنة 2004، والتي كانت بمثابة الزيارة الأولى لرئيسٍ إيراني للجزائر، وجاءت تتويجًا لمساعي البلدين لطي صفحة التوتر والقطيعة. وحينها  أعلنت إيران عن دعمها سياسة بوتفليقة الساعية إلى المصالحة الوطنية.

تكثفت الاتصالات واتسع التعاون بين البلدين وتوالت  الزيارات بين الرئيسين بوتفليقة وخاتمي. فقد زار وزير الشؤون الخارجية منوشهر متكى الجزائر في أغسطس/آب 2006. كما زارها مسؤول الملف النووي الإيراني علي لارجاني في يونيو/حزيران 2006. وتبادل البلدان العديد من الوفود السياسية والثقافية والمالية. كما أقامت إيران أول معرض تجاري للصناعة الإيرانية في الجزائر في مايو/أيار 2006.

أما بخصوص الشراكة الاقتصادية، فقد عقد أول إجتماع  للجنة الاقتصادية المشتركة في يناير (كانون الثاني) 2003 في الجزائر، ووقّع خلالها البلدان عدّة مذكرات تفاهم، شملت العديد من المجالات، واستمرت اللجنة في الدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى الأمام، ففي فبراير (شباط) من سنة 2015، وقّع البلدان على خمس اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية لتعزيز الشراكة بين البلدين. وخلال اجتماع اللجنة نهاية سنة 2015؛ أعرب نائب الرئيس الإيراني السابق جهانغيري عن أن الجزائر توجد ضمن قائمة أهم الدول التي تنوي إيران تقوية علاقاتها الاقتصادية معها، وأن الشركات الإيرانية مستعدة للاستثمار في الجزائر، وهو ما دعا إليه كذلك الوزير الأول الجزائري وقتها عبد المالك سلال، الذي طالب بإقامة شركات مختلطة بين الطرفين لأجل الدخول إلى السوق الأفريقية، داعيًا رجال الأعمال الإيرانيين إلى الاستثمار في الجزائر، ليوقع البلدان في مايو (أيّار) 2016 على 19 مذكرة تفاهم 15 منها في مجال صناعة السيارات وقطع الغيار، ناهيك عن مجالات الصحة الحيوانية والمالية والتعليم العالي والصناعات الصغيرة والتعاون القضائي وتطوير النشاط الاقتصادي بالمناطق الصناعية والاستثمار المشترك في قطاع البتروكيمياويات. وفي السنوات الأخيرة، فاق عدد الإتفاقيات المبرمة 70 إتفاقية، تغطي مختلف مجالات الحياة. كما تمتلك طهران استثمارات بالجزائر، أهمها مصنع للسيارات للمجموعة الصناعية إيران خودرو، والمعروفة باسم «IKCO»

والجدير بالذكر أن الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمن حضر مراسم تنصيب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله إبراهيم رئيسي، وقد خصه الرئيس بلقاء منفرد، شددا فيه عن رغبة البلدين في التوجه نحو مرحلة جديدة من العلاقات. وقال الرئيس الإيراني في هذا الصدد: “الرجال والنساء الجزائريين لطالما ذكّرونا بروح الصمود والمقاومة ضد النفوذ الأجنبي”، مضيفاً أن إرادة طهران متمثلة في النهوض بمستوى العلاقات مع الجزائر، وأن تعزيز العلاقات الثنائية ينبغي أن يشكل أرضية لرفع التعاون بين البلدين على الصعيد الدولي أيضاً. من جانبه، أثنى بن عبد الرحمن على تعاطف الرئيس الإيراني مع الشعب الجزائري، ومعربا عن رغبة بلاده في تنمية العلاقات في مختلف المجالات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وعلى هامش الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بنظيره الجزائري رمطان لعمامرة وناقشا ضرورة تدعيم العلاقات الثنائية. وفي 11 نوفمبر 2021، تبادلا مكالمة هاتفية، أشاد فيها أميرعبد اللهيان بموقف الجزائر لتصويتها ضد انضمام الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي، وموقفها من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومن جهته، وجّه السيد لعمامرة دعوة رسمية للدبلوماسي الإيراني لزيارة الجزائر.

ومؤخرا في شهر فبراير، إلتقى رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي، الرئيس عبد المجيد تبون بالدوحة، وأكدا على ضرورة  تعزيز العلاقات الإيرانية – الجزائرية على الصعد الثنائية والإقليمية والدولية، إنطلاقا من إرادة وعزيمة القادة لرفع مستوى التعاون بشتى المجالات بين الجانبين.

وفي ذات الشهر من نفس السنة، تم تنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائر-إيران بمقر المجلس الشعبي الوطني الجزائري، بغية تعزيز الروابط البرلمانية ومد جسور التواصل والتعاون الثنائي بين البلدين. وقد أوكلت رئاسة هذه المجموعة البرلمانية إلى النائب موسى خرفي عن حزب حركة مجتمع السلم. وفي هذا الصدد، أكد نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني المكلف بالنشاط الخارجي، مندر بوذن، والذي أشرف على مراسم التنصيب، أن تنصيب هذه المجموعة مع مجلس الشورى الإسلامي الإيراني دليل على رغبة المجلس الشعبي الوطني في تطوير علاقته بهذه المؤسسة حتى ترقى إلى مصف علاقاتهما التشريعية المميزة، والتي يؤطرها بروتوكول-إطار للتعاون أبرم سنة 2006 بين الطرفين، مضيفا بأن علاقات الصداقة التي تجمع بين الجزائر وجمهورية إيران الإسلامية تجسد أسسها في الاحترام والثقة المتبادلة والتوافق والإدارة المشتركة لأجل تحقيق رفاهية شعبي البلدين والعمل على استتباب نظام دولي عادل تحترم فيه سيادة الدول وكرامة الشعوب.

تعتبر العلاقات الجزائرية الإيرانية من العلاقات النوعية التي ستشهد إزدهارا لمواقفهما المتناغمة في كثير من القضايا الإقليمية، ومبادئهما المعادية للهيمنة والإستبداد، فمرجعيتهما السيادية وحرصهما على الوحدة سيقفان سدا منيعا بوجه الإملاءات. ونحن نعلم أن الجزائر، وبالرغم من الضغوط التي تمارس ضدها، ستبقى صاحبة الموقف المقاوم الصامد، النابع من نوفمبريتها، وروح الثورة المتجذرة في عمق كل جزائري حر، فالعارفون بشؤون الدبلوماسية الجزائرية يؤكدون أنّ الجزائر رفضت تاريخيا، ولن تقبل مستقبلا الاصطفاف في لعبة المحاور الدولية والسياسية، فالنظام الجزائري من الأنظمة النادرة التي دعمت الدولة السورية، ورفض التصويت بالقمم العربية للاعتراف بالمعارضة السورية باعتبارها ممثلًا شرعيًّا للشعب السوري. أمّا في اليمن، فقد رفضت الجزائر دعوة المشاركة في القتال في اليمن ضمن تحالفٍ ضد الحوثيين، وقائمة المواقف المشرفة للجزائر تطول…..

 

  • نعود سعادة المستشار إلى مشواركم الغني والحافل بالإنجازات في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية، وصحبتكم لرواد الوحدة الإسلامية، هل لكم أن تحدثونا عن ذلك؟

 

 

المستشار الثقافي: للأسف يتخذ أعداء الوحدة الإسلامية أساليب متفرقة لتشتيت صفوف المسلمين، وقد نهى القرآن الكريم، والروايات الشريفة الكثيرة عن ذلك، ومن أخطر تلك الأساليب التكفي الذي يُعد من أخطر المكائد التي تؤدي إلى القطيعة التامة بين المسلمين، فلا يخفى علينا أن الحضارةَ الإسلاميَّةَ هي خلاصةُ التفاعلات الثقافيّة العميقة التي حققت الازدهار والنّماء في المجالات العلمية والثقافيّة والفكرية للمجتمع الإسلاميّ، ومن البديهي أنّ إقصاء الطرف الآخر يؤدي إلى تجمد الفكر و تخلف المسيرة الحضارية وما يصحبها من عنف و تعصب و إرهاب. و الأدهى والأمر هو أن إقصاء الآخر وصل اليوم إلى حد تكفيره والدعوة إلى تصفيته، فقد تناسى دعاة التكفير خطورة جناية التكفير لهدمها شرع الله و سفك الدماء ونشر الفساد على الأرض، ومنه، برزت جهود مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد كان لي شرف صحبة رواد الوحدة كالعلامة الكبير الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني والداعية المجاهد العلامة الشيخ محمد علي التسخيري رحمهما الله. كرّس الشيخ التسخيري حياته قولا عملا لدعم مؤتمر الوحدة الإسلامیة والتقریب بین المذاهب الإسلامیة، فقد كان جزء لا يتجزأ من أي مشروع حواري إسلامي علی الإطلاق في العالم الإسلامي، منها ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر، واستمر بنشاطه وجهوده المكثفة لتعزيز الترابط والتواصل بين علماء العالم الإسلامي، وترسيخ ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية حتى آخر رمق فيه، حيث كان موفقاً في هذا المجال، و الشيخ واعظ زاده الخراساني، وهو من الشخصيات الرحّالة التي أمضت مرحلةً كاملة من حياتها في الدول العربية المهمة، مثل مصر والمغرب والجزائر، وكان الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ونائب الشيخ الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين لمدةٍ من الزمن.

نحن نثمن جهود علمائنا الأجلاء الذين لا يؤلون جهدا للدفاع عن الوحدة الإسلامية والمشروع الحضاري، من خلال تبني مجموعة من الآليات كعقد مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة، في أسبوع ولادة النور حبيب الله محمد (ص)، خير المرسلين وسيّد الوصيّين، وهي مبادرة تحت إشراف المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، تجمع تحت سقف واحد رموزُ المذاهب والطوائف والأديان وكبار رجالات مجامع التقريب والحوار والوحدة والإتحاد، وفق منطق قرآني یقول «تعالوا إلي كلمة سواء» و«إنما المؤمنون إخوة»، وفي كل سنة، تشارك الجزائر بخير مفكريها وعلمائها، كرئيس المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور بوعبد الله غلام الله، والدكتور الباحث نورالدين بولحية، وغيرهما، حيث يستعرض المشاركون تاريخِ الوحدة بين المسلمين، مجددين ميثاقَ الوفاء والقرب والاتحاد، مصداقا لقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا…. )، وقوله: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) “الانبياء / 92″، فقد خاطب اللّه المسلمين بأنهم أمة واحدة في ظل ربوبية اللّه التي تلزمهم عبادته وتقواه، فالإتحاد هو الشرطِ اللازم لإحقاقِ الحضارة الإسلامية خاصة بعد تعمق الفجوات بسبب الفتاوى المغرضة وموجات التكفير التي جعلت المسلمين ينظرون إلى مذاهب بعضهم البعض كأنها أديان مختلفة، متجاهلين أن الاختلافات بسيطة و ساحات الوفاق بين الأمة الإسلامية أوسع مما نتصور. والجدير بالذكر أن بلدكم الجزائر الحبيبة هي من الدول الرائدة في هذا المجال بإقامتها لمؤتمر التفاهم بين المذاهب الإسلامية في 2002 بمبادرة من معالي وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق الدكتور بوعبدالله غلام الله، وبمشاركة ثلة من العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، وقد شاركت فيه مع سماحة أية الله الشيخ محمد علي التسخيري رحمه الله.

 

  • سعادة المستشار، كلمة أخيرة تود توجيهها؟

 

المستشار الثقافي: أولا بخصوص العلاقات الثنائية بين الجزائر والجمهورية الإسلامية الإيرانية، أقول أن العلاقات الثقافية التي تربط الشعبين الشقيقين الإيراني والجزائري ترجع إلى أعوام بعيدة، وهذه الخلفية التاريخية يجب أن تستثمر على الوجه الأمثل في سبيل ترقية العلاقات الفنية والأدبية في شتي مجالاتها، فکلا البلدان يمتلک طاقات يمکن أن تثري هذا الشق، فضلا عن المجالات الأخرى.

كما أنتهز هذه السانحة لأشيد بمواقف دولة الجزائر ضد الكيان الصهيوني، حيث أن وجهودكم الجبارة التي حالت دون انضمام الكيان الصهيوني الغاصب والقاتل للأطفال بصفة عضو مراقب إلى الاتحاد الإفريقي، فضلا عن رفضكم للتطبيع المخزي، معتبرين إياه خيانة للقضية الفلسطينية وعمل غير مسؤول، شكّل خطوة ثمينة في سياق الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم والتطلعات بتحرير القدس الشريف، وبالتأكيد يحظى هذا الموقف بدعم وتقدير كل الأحرار في العالم، لاسيما المدافعين عن القضية الفلسطينية. وهنا استذكر جملة شهيرة أصبحت شعارا للجزائريين لنصرة الشعب الفلسطيني، قالها الرئيس المرحوم هواري بومدين: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، هذا الشعار يمثل سياسة الجزائر بخصوص القضية الفلسطينية، وهو ذاته بالنسبة لبلدي، وهذه النقطة سببت تقاربا أكثر بين البلدين.

وعلى صعيد آخر، ندعو كافة الخيرين من أمتنا إلى عدم الانجرار لدعوات التكفير والتخوين، وإلى الالتزام بما يدعونا إليه ديننا الحنيف من أخلاقيات الأخوة والتكافل وتغليب مصلحة الأمة على مصالح الأفراد والأحزاب، والسير على قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع، تجنبا لسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل، وصون حرمة الإنسان وكرامته التي تعتبر من أهم مقاصد الإسلام، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الإسراء/70.