خبراء إسبان: رفض المغرب لـ “إسبانية سبتة ومليلية” يفرض على إسبانيا اتخاذ موقف مبدئي وثابت بألّا تدعم “مغربية الصحراء”
عاد الإعلام الإسباني مجدّدا ليثير مسألة أحقية إسبانيا بمدينتي سبتة ومليلية، حيث أشارت صحيفة “ديباتي” إلى الاحتجاج الدبلوماسي الذي قدمته وزارة الخارجية المغربية ضد نائب رئيس المفوضية الأوروبية المسؤول عن الهجرة، مارغريتيس شيناس، على إثر دفاعه وفي عدة مناسبات، عن فكرة أن المدينتين اللتين تتمتعان بالحكم الذاتي تقعان على حدود إسبانيا والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي حدا بالدبلوماسية المغربية لإن توجّه لوفد الاتحاد الأوروبي في الرباط عشرات “التصريحات المعادية” لشيناس حول المغرب و “مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين”.
وفي هذا السياق، استشهد صاحب مقال جريدة “ديباتي” المعنون بـ ” دفاع المغرب يرفع الضغط على إسبانيا من أجل “احتلال” سبتة ومليلية في إعادة تسليح كاملة” بمقولة الدبلوماسي الإسباني خافيير روبيريز في 21 يونيو، بكون “أوروبا واضحة تمامًا بشأن حدود أوروبا وأن سبتة ومليلية جزء منها.” لافتا إلى أنّ هذه الكلمات التي قالها تعكس جوهر قضية مثيرة للجدل تظهر بشكل دوري: الادعاءات المغربية بشأن سبتة ومليلية.
وعن مناسبة مقولة الدبلوماسي الإسباني خافيير روبيريز المذكورة أعلاه فقد أوضحت “الديباتي” أنها جاءت في سياق مداخلة له أثناء تقديم تقرير في مدريد بعنوان “دور سبتة ومليلية في جدول الأعمال العالمي” ، أعدته “مؤسسة الفكر الأوروبية” يوروبا سيودادانا، والذي تضمن أيضًا مداخلة الأدميرال خوان رودريغيز غارات والفريق فرانسيسكو غان بامبولس، حيث أنّ أحد المفاتيح التي يكشف عنها هذا التقرير هو استراتيجية مغربية قائمة على “استغلال سبتة ومليلية والعلاقات الدبلوماسية مع إسبانيا لتحقيق مصالحهما”.
وبهذا المعنى، يستنكر التقرير أن الرباط لم تتوقف عن مساعيها لـ “زرع الشكوك حول إسبانية سبتة ومليلية”. ويترك هذا الاستنتاج الممناهض لمصالح إسبانيا: «المدينتان الإسبانيتان عانتا من مخططات مغربية لزعزعة الاستقرار. لم يقترن التحول في السياسة الإسبانية باعتراف صريح بالسيادة الإسبانية ووحدة أراضيها من قبل الرباط. لذلك، لا يمكن استنتاج أن سبتة ومليلية ستتمتعان براحة البال في المستقبل. الضرورة الإستراتيجية للمغرب، التي تتعارض اليوم مع استقلال الصحراء الغربية، تصطدم بـ “إسبانية سبتة ومليلية.”
ويضرب المقال مثالا على هذا الاستنتاج الذي يجعل من “مغربية الصحراء” تصطدم بـ “غسبانية سبتة ومليلية”، ما يحدث في الآونة الأخيرة، حيث يقوم المغرب بزيادة الضغط على إسبانيا بشأن مطالبه الإقليمية. فقبل عام، وفي يوليو 2022، طالب محمد السادس بتسليم سبتة ومليلية ، اللتين تشكلان منبرًا لـ “الممارسات الإجرامية”، لكنه، في الوقت نفسه، أعرب عن استعداد المغرب للحوار مع إسبانيا حول جميع “القضايا العالقة”. “. الملك لم يكن أكثر وضوحا من ذلك وأكد أن المغرب لم يتوقف منذ استقلاله عن المطالبة بإنهاء احتلال إسبانيا لسبتة ومليلية والجزر المجاورة المنهوبة في شمال المملكة. من أجل تحقيق هذا الهدف ، “اختار المغرب اتباع طريق العقل الواضح واعتمد مسارًا سلميًا وحضاريًا (…) وحث على إنشاء خلية تفكير مغربية – إسبانية مشتركة لإيجاد حل لمشكلة هذه المناطق المحتلة “.
وبعد ذلك بعام، في حفل استقبال ملكي بمناسبة مهرجان العرش الذي نظمه محمد السادس في تطوان (المغرب)، أمكن قراءة كتابات “سبتة المختلة” و “مليلية المحتلة” بالعربية على أوراق الاعتماد. لكن في أبريل، كان رئيس مجلس المستشارين المغربي، النعم ميارة، هو الذي أدلى ببيان يطالب بـ “تحرير” سبتة ومليلية. لم يرد سانشيز على كلام النعم ميارة، لكن وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس فعلت ذلك بقولها: “سبتة ومليلة إسبانيتان مثل زامورا أو فالنسيا ولا يوجد شيء آخر يمكن مناقشته حول هذا الموضوع”.
في السابق، في سبتمبر 2022، كان هناك أيضًا جدل كبير للسبب نفسه. أكد المغرب، في رسالة موجهة إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن بلاده “ليس لها حدود برية مع إسبانيا” وأن مليلية “لا تزال سجنًا محتلاً”، وبالتالي “لن يكون الحديث عن الحدود ممكنا، ولكن فقط حول نقاط دخول«
من جانبه، أوضح الأدميرال غارات فرضية مفاده أنه »لا يمكن للمغرب أن يدخل سبتة ومليلية بالدم والنار«، وذلك على الرغم من عملية إعادة التسلح القوية التي يطورها المغرب بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وقال الأدميرال والأستاذ في الكلية الحربية البحرية: “يمكن لروسيا أن تنقلب ضد المجتمع الدولي بأسره تقريبًا لأن لها حق النقض في مجلس الأمن الدولي و 6000 رأس نووي”.
لكن هؤلاء الخبراء أوضحوا أن الحالة المغربية مختلفة، فالعدوان العسكري من قبل المغرب للاستيلاء على سبتة ومليلية مستبعد عمليا في السياق الحالي لأن المجتمع الدولي لا يتسامح مع الحروب العدوانية، كما شوهد مع أوكرانيا، وأيضا بما أن إسبانيا ستحصل على دعم الناتو في دفاعها.
مقال “الديباتي” تناول أيضا تصريحات عميل المخابرات الإسبانية السابق، فرناندو سان أغوستين، الذي ربط بين أساليب “الحرب الهجينة”، من تلاعب وتسميم وتدخل وأفعال لا يكون فيها الفاعل معروفا، مثل التلاعب بالهجرة وغيرها، وبين المشروع الذي ينفّذه المغرب بشكل سري لاستعادة مدينتي سبتة ومليلية وجزر الكناري المتمتعة بالحكم الذاتي، مؤكّدا أنّ هذه الخطة لن تتوقف وأن المغرب سيثابر على نواياه.
ويسلّط المقال الضوء على عطلة رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، بالمغرب بإشارته إلى أنّه بقدر ما قام به سانشيز برعاية مرحلة جديدة من العلاقات مع المغرب، وتعزيز التحوّل التاريخي لإسبانيا إزاء الصحراء أو تجاهل الشكوك حول التجسس المغربي في قضية بيغاسوس، فإن المطالب المغربية بشأن المدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي تشبه سحابة صيف عابرة. حيث أنّ سانشيز وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أنه اختار المغرب لقضاء إجازته الصيفية، وهو الأمر الذي أثار انتقادات من شركائه في حزب سومار وحزب الشعب.
وقبل ذلك كان وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الحكومي، خوسيه مانويل ألباريس، قد حذّر ممّا وصفه “عودة مقلقة للمواقف المعادية للمغرب” من قبل حزب الشعب ” بقوله: “ما ألاحظه هو أن حزب الشعب يعود إلى أصوله: لصدام المواقف مع المغرب.” وبعيدًا عن الستارة الدخانية التي تمثلها هذه الكلمات، طورت السلطة التنفيذية سياسة خارجية تركز على المغرب بينما تصم آذانها عن هجماتها على السيادة الإسبانية.
ومن الحقائق أيضًا أن الدعم الصريح للولايات المتحدة وإسرائيل قد دفع المغرب إلى تسريع إعادة تسليحها، ولهذا السبب يتغير التوازن الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة شيئًا فشيئًا. فقد منحت الولايات المتحدة الرباط حق الحصول على أسلحة حساسة، مثل الطائرات بدون طيار MQ-9b Sea Guardian أو بطاريات صواريخ هيمارس. كما حصلت القوات المسلحة المغربية على قاذفة صواريخ PULS (نظام إطلاق دقيق وعالمي) إسرائيلية الصنع، وكلاهما يجعل المدن الرئيسية لجنوب إسبانيا في متناول اليد.
صحيفة “الديباتي” الإسبانية لم تستبعد احتمال نشوب صراع تقليدي مع المغرب. كما أنّها لفتت إلى أنّ مجموع العوامل ذات الطبيعة المختلفة للغاية تشكل فسيفساء بعيدة كل البعد عن الصورة المثالية التي تنقلها الحكومة الإسبانية للعلاقات بين البلدين، مشيرة إلى أنه في تلك “المنطقة الرمادية” غالبًا ما يتحدث المتخصصون العسكريون عن ممارسة هذه اللعبة “منطقة ممتدة يمكن فيها رؤية خطوط مقلقة.”
أحمد عاشور