خطاب محمد السادس الأخير: الصحراء الغربية أولا وأخيرا.. والمغاربة في القبر!
في خطابه الأخير أمام البرلمان المغربي وفي خرجة مثيرة للدهشة، اختار محمد السادس تخصيص كلمته حول قضية الصحراء الغربية فقط لا غير!.. يأتي ذلك في وقت يغرق فيه بلده وسط أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة تناساها جملة وتفصيلا، ليستمر في إغراق شعبه أكثر بقضية الصحراء الغربية، والتي لا ينفك عن دك أنفه فيها كلما سنحت له الفرصة.. وكأن مغربه يعيش في رفاهية اجتماعية واقتصادية مطلقة لا تستدعي الاهتمام ولا حتى الإشارة إليها من بعيد.. ولو من باب إغلاق الأفواه وإسكات الناقدين إن لم يكن من باب الأصالة واحترام الشعب والمواطنين!.
إن المتعارف عليه في الدول ذات السيادة والتي تحترم نفسها وشعبها أن يكون البرلمان مناسبة سياسية مقدسة للمرافعة لأجل الحقوق والحريات وكرامة العيش، بحيث يطرح فيه الملفات الداخلية التي تهم المواطنين بشكل مباشر، كالحديث عن قضايا البطالة، والتعليم، أو أزمة السكن والفقر وجل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.. إلا أنه يخيل لنا وكأن ملك المغرب قد اكتشف سر الخلاص والتملص من مسؤولياته تجاه شعبه.. فبات يتهرب من القضايا المهمة المؤرقة لتلهيته عن واقعه المظلم! أو أنه يجهل تماما بأن له شعبا.. ولشعبه مطالب؟
الحقيقة هي أن ما حدث ليس مجرد خطاب عابر، بل هي سابقة غير معتادة، تجعلنا نجزم أن رمال الصحراء في عيون الملك الطماع أشد قدسية من مواطنيه المغلوبين على أمرهم.. بل إنها أشد عظمة من شاب مغربي يخاطر بحياته في عرض البحر الأبيض المتوسط للبحث عن فرص أفضل.. وفقير معدم لا يجد ما يطعم به صغاره، ومريض يتأوه على سرير المستشفى لا يحظى بالرعاية الصحية اللازمة بسبب نقص المعدات، ومدمن يتعاطى المخدرات هربا من واقعه المظلم يترامى بين ثنايا الطرقات لا يجد من ينقذه.. وأشد أهمية من أب لا تغفو عينه وهو يجلس محتارا لحلول فصل الشتاء ويحيا على أمل أن يصمد سقف بيته المهترئ وجدرانه البالية في وجه الأمطار كي لا تغرقه وأطفاله!.
لا أدري إن كنت أهذي حين أجدني أفكر نيابة عن نواب البرلمان المغربي الذين يدعمون كل هذا الجنون ويلتزمون الصمت ارضاء لملكهم المغيب عن الواقع والذي قبر قضايا مهمة كهذه، وقبر شعبا بأكمله وأسقط كل حقوقه مفضلا الحديث عن بلد آخر.. وكيف لهم ألا يهمسوا بكلمة حق واحدة مفادها: “هااي؛ سيادة الملك.. انتبه قليلا، لدينا شعب وللشعب مطالب!”.. طبعا، لأنه وفي موقف كهذا لا يسع للملمة الفضيحة وتبريرها أو غض البصر عنها تماما، إلا تصور أن الملك يجهل تماما بأن له شعبا يعاني من ظروف معيشية قاهرة، لذلك سيكون الطبيعي أن يهمل هذه التفاصيل الصغيرة.. فكيف له أن ينتبه للتفاصيل اليومية للمواطنين البسطاء وهو الذي يعيش في قلاع محصنة بالأسوار الشاهقة منذ نعومة أظافره؟ وهو ابن الملك محمد الخامس الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب؟ فأنى للولد المدلل أن يحس ويدرك بأن هناك من البشر داخل حدود بلده من يجوع حقا.. وهو لم يجع يوما؟ وأن هناك من لا يجد مسكنا وهو الذي يمتلك عشرات القصور داخل المغرب وخارجه؟!.. لذلك فليس غريبا أن ماهو عظيم لغيره من البسطاء، تافه جدا بالنسبة له. وليس غريبا أن يروقه النضال لأجل سرقة رمال أهل الصحراء الغربية؛ بدلا من السعي لتحسين أوضاع شعبه الإجتماعية!
الحقيقة هي أن الملك المثير للضحك، ما كان ليفعل فعلته لو لم يجد نفسه تائها يتخبط وسط عنجهيته، في وقت بدأت فيه المؤسسات الدولية ومحكمة العدل الأوروبية، تتخذ قرارات تعيد النقاش حول قضية الصحراء الغربية إلى الواجهة الدولية وتبطل إتفاقاته مع الاتحاد الأوروبي لسرقة ثروات الشعب الصحراوي؛ لذلك لازال لغاية اليوم يهذي متمسكا بقشة شرعية احتلاله ألا وهي تغريدة المجنون ترامب التي اكتسب منها شرعية احتلاله للصحراء الغربية، فكافأه وباركه بها نتيجة لتطبيعه العلاقات مع الكيان الصهيوني تعبيرا لرضاهم عنه وعن خيانته للقضية الفلسطينية والتنكر لاسلاميته وعروبته!
وسط كل هذا العبث، لا يزال هذا السؤال ينخر رأسي:
ما هي درجة ومرتبة المغاربة في سلم أولويات الملك إن كان شغله الشاغل أولا وأخيرا هو قضية الصحراء الغربية؟! ومتى سيركز قليلا على قضاياه الحقيقية المستعصية بسبب سياسته الغبية؟ إن لم يكن اليوم، فهل غدا أو بعد غد.. أو لاحقا!!
أو عساه تبرع بشعبه المغربي لشريكه في الحكم الكيان الصهيوني الذي باعه أرضه وعرضه .. ولأنه وجد نفسه قد أصبح ملكا بلا شعب ولا دولة، أخذ يتوهم الصحراء المستقلة أرضه، وشعبها الذي يمقته شعبه، ووصل به الحد ليتوهم أن برلمانه المغربي هو برلمان الصحراء الغربية والنقاش فيه هو حول قضاياها المصيرية؟
بقلم الكاتبة: حنان مهدي