دردشة ثقافية مع المستشار الثقافي السابق للسفارة الإيرانية في الجزائر سيد جلال ميرآقائي “ماذا قدم الإيرانيون للغة العربية؟” … بقلم د. هناء سعادة

بقلم/ د. هناء سعادة

أجرينا حوارا مع المستشار الثقافي السابق لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيد جلال ميرآقائي، وتناولنا جهود أهل فارس لتنوير الحضارة الإسلامية بعد إسلامهم، حيث ساهموا في كمال ونضج الدعوة الإسلامية ولغتها العربية وآدابها وعلومها.

– أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بكم في هذا العدد الجديد من حواراتنا الشيقة.

سيد جلال ميراقائي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أنا مسرور جدا بتواجدي معكم اليوم للغوص في الحقول الأدبية والفكرية الإيرانية وتعريف القارئ العربي بها.

– موضوعنا اليوم يتناول خدمة الإيرانيين للغة العربية ومدى التأثر والتأثير بين اللغتين، إذ استنارت بلاد فارس بالإسلام بعد أن اعتنق الإيرانيون الدين الإسلامي، ودخلوا تحت رايته أفواجاً أفواجاً، فلانت قلوبهم بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأصبحوا والعرب بنعمة الله إخواناً وأمة واحدة، وسجّل التاريخ صفحات رائعة من التآخي العربي الإيراني، هي بحق من أروع صفحات عطاء الدين في إنقاذ الشعوب من النزاعات الدموية ومن الروح التسلطية. هل لكم أن تحدثونا عن ذلك؟

سيد جلال ميراقائي: شرّف اللّه عز وجل إيران بالدين الإسلامي الحنيف، فأقبل الإيرانيون على تعلم لغته ودراسة مصادر الإسلام والتعمق فيها لانصياعهم الفكري والنفسي لهذا الدين المبين، واهتمامهم الشديد بإثراء العلوم الإسلامية وصيانتها. ونتيجة لهذا الاهتمام، برز فيهم أئمة القراءات مثل عاصم ونافع وابن كثير والكسائي، وأئمة التفسير مثل الطوسي والطبري وأبي الفتوح الرازي والفخر الرازي والميبدي والبيضاوي، وأئمة الحديث مثل أصحاب الكتب الأربعة كالكافي والصدوق والطوسي. وأصحاب الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، فضلا عن كوكبة من الباحثين والعلماء من أمثال الشيرازي والبيضاوي وعبد القادر الجرجاني وعبدالقادر الجیلانی والغزالی والقشیری والخطيب التبريزي وإبن فارس القزويني والسكاكي والنيسابوري والرازي والخوارزمي وإبن سينا ومئات من العلماء والمؤرخين والفقهاء واللغويين والأدباء والبلاغيين والمتكلمين والفلاسفه والعرفاء وأصحاب الفنون الجميلة، وغيرهم من الإيرانيين الذين كان لهم دورا مشرفا في بناء الحضارة الإسلامية.

لم يكن هذا العطاء الحضاري بين الأمتين العربية والفارسية وليد الساعة، بل أن التفاعل الثقافي بين العرب والفرس سبق ذلك بآلاف السنين، وهو قديم قدم مجاورة بلاد العجم لبلاد العرب. فتجاور الفرس والعرب وتخالطهم، وما وقع بينهم من أحداث المودة أو العداوة، وتردد القوافل التجارية، واستعانة كليهما ببعضهما البعض فيما يحزهم من الخطوب، أدى بلا ريب إلى تشابك لغتي الأمتين، وتقارب آدابهما بالرغم من أن إحداهما آرية، والأخرى سامية. وفي عصر الإسلام، توطدت العلاقات بشكل أكبر، ما مكّن الإيرانيين من سقي دوحة الحضارة الإسلامية. وبذلك، أكرمت إيران اللغة العربية أيما تكريم، وتهافت الإيرانيون على تعلمها لما تتمتع به من خصائص جماليّة شعرية وفن لغوي ساحر.

– كيف ساهم الإيرانيون في خدمة هذه اللغة، وما مدى تأثر اللغتين ببعضهما البعض؟

سيد جلال ميراقائي: لم تكن مساهمة الإيرانيين تنطوي على تعلم هذه اللغة فحسب، بل تعدت ذلك لتشمل المساهمة في رسم العلوم النحوية الخاصة بها وميدان النظم والنثر، فضلا عن كتابة القواميس والمعاجم اللغوية، وهاهو عمرو بن عثمان الشيرازي المعروف باسم «سيبويه» يمضي كل عمره في تدوين قواعدها، حيث أّلف كتاباً منقطع النظير موسوم ب: «الكتاب»، وقد ترجم إلى اللغات الحية ويدرس في فروع العلوم الإنسانية في مختلف الجامعات، مما جعل الإيرانيين يفتخرون بأنّهم من خدمة لغة القرآن وهذا شرف ما فوقه شرف.

واليوم، ثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية اللغة العربية دستوريا، حيث تنص المادة الــ 16 من الدستور الإيراني على وجوب تدريسها، إذ تقول المادة بصريح العبارة: “ركيزة وجود هذه اللغة في الحقول الدراسية في البلاد، هي تمثيلها المعبر العلمي والثقافي الوحيد إلى المعارف الإسلامية”، فاللغة العربية كما تنصّ المادة المذكورة هي “لغة القرآن والمعارف الإسلامية.. والأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل”. وبذلك، أعاد مجلسا الشورى والخبراء التأكيد على ضرورة تدريس العربية من المراحل الابتدائية إلى الجامعية، مما جعل هذه اللغة اليوم تحتل رسميا المرتبة الثانية بعد الفارسية في إيران، علما أن حضورها في البلد سابق على الإسلام، إذ يرجع تأثر الإيرانيين باللغة العربية إلى حقبة ما قبل الإسلام، حيث عاشت هذه اللغة في بلاد فارس قروناً طويلة، كما دخلت مفردات فارسية إلى العربية منذ العصر الجاهلي، وتعرّبت واندمجت بجوهر اللغة العربية بحيث أمكن ورود بعضها في القرآن الكريم. ومنذ معرفة الإيرانيين بالإسلام، تبادلت الفارسية التأثّر والتأثير مع العربية بشكل أوسع، وجرت أكبر عملية تفاعل حضاري وحركة لغوية كبرى بينهما، حيث لعبت اللغة العربية دوراً مهماً في إثراء الدريّة الفارسية الحديثة، والتي تشتمل على مفردات عربية تربو على 50% من معجمها اللغوي. كما قلّد الشعراء الإيرانيون الخيال العربي في قصائدهم، خاصة في قصائد المدح والغناء واستخدموا بحور الشعر العربي نفسها، خاصّة بحور الرجز والتقارب وغنّوا على الوزن الرباعي “دو بيتی”، ونقلوا صوراً من البلاغة العربية وتراكيبها، إضافة إلى القواعد العربية كجمع المذكر السالم وجمع التكسير مع أنها خلاف القاعدة الفارسية، وكذلك علامة التأنيث لبعض الصفات، والتنوين وصيغة المثنى، ومطابقة الصفة للموصوف وتقديم الفعل في الجملة أحيانا.

وبالمقابل، تتضمّن اللغة العربية، وفق مصادر مختلفة، نحو خمسه آلاف كلمة مُعرّبة من الفارسية، وأوجد بذلك باب مهمّ فيها، وهو باب التعريب والمعرّبات، وبدأت موجة نقل الآثار الفارسية إلى العربية، حيث لعبت حركة الترجمة والتعريب دوراً هامّاً في تقريب الثقافتين، وجنّد الإيرانيون كلّ طاقاتهم لوضع مؤلفاتهم في متناول يد العرب. فكانت هناك على سبيل المثال: آثاراً كالحكم والأمثال والمقامات، وأخرى كقصة اسكندر، وكتاب الصور وقصة بهرام جوبين وقصة رستم واسفنديار، وقصص على لسان الحيوان، ومن أشهرها كتاب “كليلة ودمنة”، وكتاب “التاج”، و”خداينامه” (سِيَر ملوك الفرس)، والذي نقله ابن المقّفع إلى العربية، والذي يعتبر من أشهر المترجمين في تلك الحقبة، بسبب أسلوبه الأدبي الرائع وسهولة كلامه ومعرفته الكاملة بالأدبين، إضافة إلى آل نوبخت المنجّم، وأولاده موسى بن خالد ويوسف بن خالد والحسن بن سهل المنجّم، وجبلة بن سالم والبلاذري، وغيرهم الكثير من العلماء الذين كان لهم دور بارز في هذا المجال لنشر تعاليم الإسلام وترويجها. فكان العنصر الفارسي في كل هذه المسيرة يكرّس اللغة العربية التي انغرست في شعور كلّ مسلم باعتبارها جزءًا لا ينفصل عن الإسلام.

قدم علاقة الفرس باللغة العربية

– ذكرتم أن عملية التأثر والتأثير بين اللغتين والتبادل الثقافي بشكل عام كان قائما حتى قبل الإسلام، هل لكم أن تحدثونا عن ذلك؟

سيد جلال ميراقائي: لم يتعامل الإيرانيون في الحقبة الجاهلية مع اللغة العربية كأية لغة تخص أمة معينة، أو بإعتبارها أداة للتواصل الإنساني فحسب، بل تعدى ذلك، حيث تسللت هذه اللغة لأفئدتهم، وتغلغلت في وجدانهم بحكم الجوار الجغرافي وما فرضه ذلك من عوامل التواصل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وصولاً إلى المعارك العسكرية، فتجاور الفرس والعرب وتخالطهم، وما وقع بينهم من أحداث المودة أو العداوة، وتردد القوافل التجارية، بين جزيرة العرب وإيران، واستعانة الفرس برؤساء العرب، والتجاء هؤلاء الرؤساء إلى الفرس فيما يحزبهم من الخطوب — كل هذا، لا ريب، وصل بين لغتي الأمتين، وقرّب بين آدابهما، فضلا عن ثقافتيهما فمثلا، قدم الفارسي عبد الله بن جدعان إلى العرب بطعام لا عهد لهم به ، هو الفالوذج الفارسي، وأعجبوا به كثيرا.

وبالرجوع إلى العصور الغابرة، ذكر صاحب “الشاهنامه” أو ” رسالة الملوك”، أبو القاسم الفردوسي، عن فريدون ملك الفرس، الذي زوّج أبناءه من بنات ملك اليمن. وكذلك ما جاء في “مروج الذهب” لأبي الحسن المسعودي، الذي وصف لنا الجموع التي كانت تأتي مكّة المُكرّمة من بلاد فارس فتطوف بالكعبة تعظيماً للنبي إبراهيم.

ويقول المسعودي في هذا الصدد:” كانت أسلاف الفُرس تقصد البيت الحرام تعظيماً، وكانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالاً في صدر الزمان وجواهر، وقد أهدى ساسان بن بابك غزالين من ذهب وجواهر وسيوفاً وذهباً كثيراً فقذفه في زمزم”. (مروج الذهب، المسعودي، ج1، ص265). ذكر المؤرخون أنالإيرانيين كانوا يعتقدون أن النبي إبراهيم عليه السلام الذي بني الكعبة الشريفة هو جدهم، وبذلك يقدسون الكعبة التي بناها.

كما هبّ الإيرانيون لنصرة عرب اليمن أمام الأحباش، حيث استنجد العرب بالروم، فلم ينجدوهم، ليحل محلهم الإيرانيون الذين هبوا لنصرة العرب وقضوا على الغزاة من الأحباش والسودان القادمين من إفريقيا. ذكر العديد من المؤرخين ومنهم ابن الأثير الموصلي (الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 1، ص 288) أنّ دفاع الإيرانيين عن العرب في جنوب الجزيرة العربية إستمر لفترة طويلة من الزمن، وكان ذلك على مرحلتين، تمثلت المرحلة الأولى في صد الهجوم الإفريقي، بعدها عاد الإيرانيون أدراجهم، وانتهز الأفارقة فرصة غيابهم وهجموا مرة أخرى على المنطقة العربية، فعاثوا في الأرض فسادا قبل أن يتلقفهم الإيرانيون مرة أخرى، ويقضوا عليهم بشكل كامل، وهذا التعاون بلا شك ساهم في تعزيز التبادل الثقافي بين الأمتين، حيث أبدى الإيرانيون في تلك الفترة إعجابا كبيرا باللغة العربية لدرجة أن بعضهم نظم الشعر بهذه اللغة الشاعرية. لم يفوت المسعودي التذكير بهذه الحروب التي كانت تشنّ على عرب الجزيرة، إذ كتب عن قصيدة عربية فصيحة نظمها شاعر فارسي، احتفاءً بدفاع الساسانيين عن قبيلة حِمْيَر في اليمن، حيث أنشد قائلاً:

نحن خضنا البحار حتى فككنا

حِمْيَراً من بلية السودان

بليوث من آل ساسان شوس

يمنعون الحريم بالمرّان (الرماح) / (مروج الذهب، ج2، ص57).

تحيلنا القصيدة الآنفة الذكر إلى أعمال الشعراء الإيرانيين القدماء الذين نظموا شعرهم بعربية بليغة، إذ يشير السيد علي السقا إلى ما يقوله مؤرّخون عن تشرّب سكان بلاد فارس للعربية في زمن سابق على حكم الساسانيين (وتسمّى الدولة الفارسية الرابعة، وكانت تتنازع السيطرة على المنطقة بينها وبين الإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية)، والتي انتهت بدخول المسلمين إلى إيران. ومن القصص الأدبية التي آثرها الرواة قصة الحاكم بهرام جوربن يزدجرد الأثيم الذي بعث بهِ أبوه إلى الحيرة بالعراق لينشأ بها، فتعلم هناك لغة العرب وشعرهم، وبات يلقي أشعارا باللغة العربية. وللإشارة، يعود بهرام إلى الحقبة الساسانية، وهي آخر سلالة حكمت إيران قبل الإسلام، وقد كان لملكها بهرام جور باع طويل في الأدبين العربي والفارسي، وعُرف عنه شغفه الكبير بنظم الشعر، حيث ألقى أشعارا عربية تغنت بالفروسية والشجاعة في ميادين الحروب. (مروج الذهب، ج1، صص287و288).

قال المسعودي عن هذا الشاعر الأديب: “خرج بهرام جور إلى رحلة صيد وغاب عن الأنظار لفترة، فجزعت عليه فارس لما كان عمها من عدله، وشملها من إحسانه ورأفته برعيته، واستقامة الأمور في أيامه…نشأ مع العرب بالحيرة وكان يقول الشعر بالعربية… وكان مكتوب على خاتمه: “بالأفعال تعظم الأخبار”، ومما أحفظ، يضسف المسعودي، من شعر بهرام جور قوله يوم ظفر بخاقان وقتله:

أقول له لمَّا فَضَضْتُ جموعه كأنَّك لم تسمع بِصَولات بهرام

وعندنا مثل آخر أقرب عهدًا، نجده في أخبار عدي بن زيد العبادي وأسرته، فأبوه تعلم الفارسية وتولى البريد لكسرى برويز. أتقن عدي الكتابة باللغتين العربية والفارسية، وكتب في ديوان كسرى وخلفه في عمله ابنه زيد.

كما شدّ الخطباء العرب الرحال في تلك الحقبة إلى ديار الفرس، الذين كانوا يكرمونهم ويغدقون عليهم العطايا، نذكر على سبيل المثال الخطيب “غيلان” من قبيلة ثقيف في مدينة الطائف، فقد جاء إلى إيران قبل الإسلام، وألقى أمام حكامها خطبة عربية جليلة، فأعجبوا به، وطلبوا من العمال أن يصطحبوه إلى الطائف بالرغم من بعد المسافة الجغرافية، وبنوا له قصرا هناك. (قصص العرب، ج1، ص265).

كما كرّم الإيرانيون الشاعر الجاهلي الأعشى، فعلى الرغم من ضعف بصره، إلاّ أنه تمتع بقريحة نفّاذة، فكان يقطع المئات من الكيلومترات ويأتي إلى إيران لملاقاة أحبابه الإيرانيين الذين كانوا ينصتون لأشعاره، ويكرمونه مقابل ذلك، ونتيجة لهذا التلاحم، نظّم الشاعر أبياتا تتضمن كلمات فارسية. (المطالعات في مختلف المؤلفات، الحمامي، ص 21). مكن هذا التزاور العرب من معرفة قصص الفرس وآدابهم، فقد كانوا على دراية بقصص الأبطال الفرس كرستم واسفنديار، ففي سيرة ابن هشام أن النضر بن الحارث كان يجلس لأهل مكة فيقول: يحدثكم محمد بأخبار عاد وثمود وأنا أحسن حديثًا منهُ، هلموا أحدثكم بأخبار رستم واسفنديار والأكاسرة، وفي بعض الروايات أن النضر اشترى كتب الأعاجم فكان يحدث منها.

كذلك كان دين الفرس معروفًا عند العرب، وفي كثرة ذكر القرآن المجوس دليل على هذا. وكان المجوس في البحرين ويقال إنه كان في بني تميم من يعبد النار وأن لقيطبن زرارة سمى ابنته دختتوش وهو اسم فارسي كاسم (قابوس) الذي سمي به بعض المناذرة.

التبادل بين اللغتين الفارسية والعربية في عصر الإسلام وما أنتجه من عطاء

– هل تواصل التمازج اللغوي في عصر الإسلام بين الأمتين؟ وماذا قدم الإيرانيون المسلمون للغة العربية؟

سيد جلال ميراقائي: عند ظهور الإسلام، أسلم من كان في اليمن التي كانت ولاية فارسية قبل سقوط الدولة الساسانية. كما يعدّ تحوّل إيران إلى الإسلام من أعظم الفترات التاريخية التي تجذّرت فيها اللغة العربية في البلاد، فأصبحت لغة الدولة ووسيلة التواصل الرسمية بين الحكام والدواوين والقادة والتجار، وقد كُسرت كافة الحدود بين هاتين الحضارتين بعد دخول إيران في الدين الإسلامي مما أدى إلى التأثير المتبادل بين لغتيهما، مفرزين أروع ما جادت به قرائح الأدباء والشعراء الفرس، وكمثال أذكر بيتين عربيين فصيحين وبليغين فی نعت سیدنا محمد بن عبدالله صلی الله علیه وآله من شاعر فارسي غير عربي اللسان، الشاعر الإيراني الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين سعدي الشيرازي الملّقب بـ “أفصح المتكلمين”، والذي يعدّ، كما جاء على لسان الدكتور عباس خامه يار، من أحد العمالقة الخمسة في الأدب الفارسي على مرّ العصور، وكما أنه ومن خلال أشعاره العربية وقدرته وإبداعه في النظم والنثر وبما اقتبسه من القرآن والحديث والأدب العربي، يعتبر أحد النماذج الباهرة في التفاعل بين ثقافتين ولغتين في ظلّ الحضارة الإسلامية.

بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله صلّوا عليه وآله

كما إفتتح معاصره الشهیر الشاعر حافظ الشيرازي ديوانه ببيت كتب صدره باللغة العربية وعجزه بالفارسية.

ألا أيها الساقي أدر كأساً وناولها

كه عشق آسان نمود أول ولى افتاد مشكلها

وبالمطلق، تفتّحت العبقريّة الإيرانيّة خلال المرحلة الإسلاميّة في مختلف الميادين العلميّة والأدبيّة واللغوية والفلسفيّة والعرفانیة وعلم الرياضيّات والطبّ والفلك والعلوم الدينيّة، حيث أضاف الفرس إلى العربيّة كثيرًا من المفردات، وزادوا على الأدب العربي بعض الموضوعات، وولّدوا الكثير من المعاني، ونافسوا العرب في النثر والشعر، وأغنوا الثقافة العربيّة بمئات المؤلّفات في شتى العلوم ونقلوا إلى الإدارة والسياسة بعض النظم الجديدة.

وفي هذا السياق، أشار الشهيد مرتضى مطهري، أحد أهم المفكرين الإسلاميين وتلامذه الإمام الخميني (قده)، والذي أدّى أيضاً دوراً مهماً في النهضة الثقافية للثورة الإسلامية، إلى نقاط لافتة حول خدمة الفرس للغة العربية في أحد كتبه بعنوان «الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران»، وكتب: «لو أن إحياء اللغة الفارسية كان بسبب مواجهة الإسلام، فلماذا سعى واجتهد نفس هؤلاء الإيرانيون من أجل إحياء اللغة العربية وقواعدها: اللغة والصرف والنحو والمعاني والبیان والعبارات البديعة للغة العربية وفصاحة وبلاغة اللغة العربية؟». يعتبر الشهيد مطهري تأثير الإسلام ولغته – العربية – في كتب أدباء وشعراء وحتى حكماء القرنين السادس والسابع لإيران كان أكبر وأكثر وضوحاً، ويقدّم المولوي والسعدي والنظامي والحافظ – أعظم الشعراء الفارسيين للتاريخ الإيراني والثقافة شهوداً على ادّعائه، فقد كان هذا التأثير كبيراً إلى حدٍّ جعل بعض الشعراء الإيرانيين العظماء يكتبون قصائدهم باللغة العربية.

يقول أبو منصور الثعالبي النيشابوري في كتابه “فقه اللغة العربية”: “إنّ اللغة العربية نزل بها أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم، على من هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، إن العربية هي خير اللغات، والإقبال على تعلّمها من الدين، فهي مفتاح التفقه فيه، وأداة العلم وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ولو لم يكن التبّحر فيها إلّا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن وإثبات النبوة لكفى بها فضلاً، وبهذه الحفاوة استقبل الإيرانيون اللغة العربية حيث انتشرت بسرعة منقطعة النظير، في كل أنحاء بلاد فارس، وأصبحت لغة العلم والأدب ولغة الإدارة والحكم، فغدت لغة عامة الناس ولاسيّما الكتّاب والمثقفين”.

يقول الباحث عبد الوهاب عزام: “لا ريب أن المؤلفات العربية التي ألفت في بلاد الفرس ما بين القرن الرابع وغارات التتار أكثر جدا من نظائرها الفارسية، فأما العلماء المؤلفون فلا حرج على باحث أن يقول إنهم كلهم يعرفون اللغتين، وقد ألف بعضهم فيهما ولكن المؤلفين بالعربية أشهر ذكرا وأعظم أثرا، وحسبنا أن نذكر ابن مسكويه وابن سينا والبيروني والعتبي والغزالي والرازي والزوزني والتبريزي والنسفي والبيضاوي والطوسي. وأحسن مقياس في هذا أن نعمد إلى جماعة ممن ألفوا باللسانين لنرى أن مؤلفاتهم العربية أكثر وأعظم أم الفارسية، ولا أحسب الأمر يحتاج إلى عناء، فيكفينا أن نذكر الغزالي فنحن نعرف مؤلفاته العربية وليس له في الفارسية إلا رسالتان: كيميای سعادت ونصيحة الملوك، وقد صرح في الأولى أنه ألفها بالفارسية ليُفهم العامة، وفخر الدين الرازي له زهاء ثلاثة وثلاثين مؤلفًا يعرف منها في الفارسية واحد فقط هو اختيارات علائي. ونصیر الدين الطوسي على تأخر زمانه له نحو خمسين مؤلفًا قليل منها الفارسي، والبيضاوي ألف تفسريه بالعربية ولم يمنح الفارسية إلا كتابًا صغيرا أسماه نظام التواريخ”.

أشار الدكتور عباس خامه يار إلى نقطة في غاية الأهمية تؤكد المكانة الرفيعة التي وصلت إليها اللغة العربية في تلك الحقبة، مشيرا إلى المناظرة الأدبية التي جرت بين أبو بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمداني في مدينة نيشابور بحضور المئات من عامة الناس، حيث أجريت باللغة العربية وبمستوىً أدبي راقٍ.

وينقل لنا التاريخ صوراً جميلة عن التواصل الثقافي في عصر الإسلام، حيث ينقل الجاحظ صورةً لمجلس اجتمع فيه العرب والفرس في أحد مساجد البصرة، وتصدّر المجلس واعظ فارسي وهو موسى بن سيّار الاسواري، حيث يصفه الجاحظ: «وكان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في مجلسه المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسّرها للعرب بالعربية، ثمّ يحوّل وجهه إلى الفرس فيفسّرها لهم بالفارسيّة، فلا يدري بأي لسان هو أبين”.

وعندما نشطت حركة الترجمة في الدولة العباسية، كان الإيرانيون على رأس دار الحكمة والترجمة، يترجمون الكتب من الفارسية واليونانية إلى العربية، مثل: اسحاق بن حنين، وابن المقفع وآل نوبخت والبرامكة، وعشرات آخرين، أشار إليهم ابن النديم وذ كر أسماء ترجماتهم في كتابه “الفهرست”، مثلما قام المترجمون الإيرانيون فيما بعد بترجمة المؤلفات العربية إلى الفارسية، خاصة الكتب الدينية.

وبالمطلق، تشير أغلب الدراسات أن أول المترجمين في عصور الإسلام الأولى من الإيرانيين، حيث أخذوا على عاتقهم ترجمة كتب الحكمة وسير الملاوي، والأداب والفنون الإيرانية القديمة إلى اللغة العربية، علاوة على كتب الفلسفة اليونانية. ويشير ابن اليديم إلى ما يقرب المائة كتاب ورسالة ترجمت خلال العصر العباسي الأول، سنذكر أبرزها لاحقا.

وقد ضم هؤلاء المؤرخون والمؤلفون تلك الترجمات إلى كتبهم باللغة العربية مثلما فعل الدينوري في الأخبار الطوال، واليعقوبي، وغيرهما.

جهابذة اللغة العربية الفرس

– هل لكم أن تعرفونا ببعض هذه المؤلفات بشيء من التفصيل، خاصة وأن الإيرانيين ساهموا في نظم اللغة العربية، وليس الكتابه بها فقط؟

سيد جلال ميراقائي: صحيح، لم تتطور اللغة العربية وقفاً على يد أبناء العرب فحسب، بل على أيدي الذين عاشوا في كنف الحياة العربية والإسلامية أيضا، فألفوا فيها ما ألّفوا من كتب أصبحت فيما بعد أصلاً من أصول هذه اللغة، وتثبيتاً لقواعدها سواء في النحو أو الإعراب أو المعاجم أو رواية الشعر، فقد أسهم الفرس في بناء الصرح البديع للغة العربية، ووضعوا قواعده وشيدوا بنيانه، حيث تأثروا بالدراسات اللغوية العربية حتى كادت أسماؤهم تطغى على اللغويين والنحاة العرب، ونرى ذلك في أشهر نحوي في اللغة العربية وهو سيبويه، الذي جعل اسمه مطبوعاً على قواعد اللغة العربية، بحيث لا تذكر إلا ويذكر اسمه معها، خصوصا بعد كتابه الشهير في النحو، الذي يعتبره المصنّفون الأول في نوعه ودستور اللغة العربية، وحمل اسم “الكتاب” لأن مؤلفه لم يضع اسماً له، فضلاً عن لغويين ونحاة آخرين من أصول إيرانية، كالكسائي والسجستاني والسيرافي وابن درستويه وابن علي الفارسي والسرخسي والكرماني والرازي وابن خالويه والاخفش وابي عبيدة معمر بن المثنى، وسعد الدین التفتازانی وابن جني الذي وضع نواة فقه اللغة، والجرجاني مؤسس علم البلاغة، والفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط، وهذا التنوع ليس انتقاصا من مكانة العرب كعلماء، فعلى عكس ذلك، هو تأكيد على انفتاح مناخ البحث والعلوم عند العرب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هنالك عدد لا يُحصى عدُّه من الإيرانييّن ممن أبدعوا وبرعوا وكتبوا باللغة العربيّة علمًا وشعرًا ونثرًا وألّفوا في علوم اللغة العربيّة كالصرف والنحو والبلاغة وغيرها، ومن أبرزهم نذكر:

• النحوي سيبويه: حجة اللغة العربية ودستورها

قدّم الفارسي سيبويه (الذي يعني إسمه بالفارسية رائحة التفاح لحمرة وجنتيه وجماله) أو “عمرو” إمام اللغة العربية، خدمة جليلة لقواعد هذه اللغة التي لم تعرف النحو والصرف، بل كانت لغًة محكيّة ترتبط بسليقة ابن الجزيرة العربية وفطرته، وتثريها بيئته بكل ما يناسبها من تعابير وألفاظ، ومع اتساع رقعة البلاد، أضحت الحاجة لضبط قواعد اللغة ضرورة ملحة، وهنا ظهر عمدة النحاة وبحر اللغة سيبويه الذي بسط لعلم النحو، وله فيه كتابه الكبير أو كما يعرف بـ “كتاب سيبويه”، حيث جمع فيه كل أقوال علماء النحو السابقين وأضاف عليها قواعد مستخلصة من اختلاطه بالعرب الفصحاء، وقد أصبح الكتاب المصدر الفريد لعلمَي النحو والصرف بالإضافة إلى علم الأصوات، يعتمد عليه الدارسون مهما اختلف بهم الزمان والمكان، فأضحى بذلك حجة اللغة العربية ودستورها، وأول كتاب منهجي ينسق ويدون قواعد العربية.

ونتيجة لذلك، قيل في بسيبويه ما لم يقل في سواه من أبناء صنعته. فقد قال محمد بن سلام عنه: “كان سيبويه النحوي غاية في الخلق، وكتابه في النحو هو الإمام فيه”، أما المازني الشهير، وهو بكر بن محمد، فقد قال فيه: “من أراد أن يعمل كتاباً كبيراً في النحو، بعد كتاب سيبويه، فليستحِ!”. وكذلك فعل السيرافي، الحسن بن عبد الله، فقال عنه: “وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده”، وهي العبارة التي كررها حرفياً صاحب كتاب “الفهرست” ابن النديم.

يقع كتاب سيبويه الشهير في جزأين: الجزء الأول موضوعه مباحث النحو، والجزء الثاني يتناول الممنوع من الصرف والنسب والإضافة والتصغير وكل ما يتعلق بعلم الصرف، كما يشتمل على كل ما يتعلق بالمجاز والمعاني وضرورات الشعر وتعريب اللغة الأعجمية ومباحث الأصوات العربية.

• النحوي عبد الله بن مقفع:

ترجم عبد الله بن مقفع أو روزبه فارسي بعض أعمال العصر الساساني من اللغة البهلوية إلى العربية، محاولا استنباط بعض القواعد النحوية والصرفية.

• الإمام اللغوي الفيروزآبادي: القاموس المحيط

قدّم الإمام اللغوي مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروز آبادي المتوفى سنة (817 هـ) كتابه الشعير “القاموس المحيط”، واسم الكتاب بالكامل (القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط). يعد هذا القاموس أشهر معاجم اللغة العربية على الإطلاق، إذ بلغ من شهرته أن كثيرا من الناس بعده صاروا يستعملون كلمة قاموس مرادفة لكلمة معجم.

عُرف الفيروز آبادي بعلمه وثقافته الواسعة، وكان متمكناً من اللغتين العربية والفارسية، وصب اهتمامه على دراسة اللغة وعلومها، واشتهر بحبه الشديد لاقتناء الكتب وقراءتها. وترك صاحب القاموس المحيط نحو 60 كتاباً في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة والنحو.

• أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي: إيضاح القواعد

هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن أبان الفارسي، يعتبره “معجم الأدباء” بأنه “أوحد زمانه في علم العربية” وينقل أن عدداً من النحاة يعظّمه أكثر من المبرّد، كما يعتبره الكثيرون من أفذاذ علماء العربيَّة في القرن الرابع الهجري، وأنْحى مَن جاء بعد سيبويه، وذلك لشخصيته المستقلَّة، المتفرِّدة في تقديم آراء اختلفت عن السابقين وأثَّرت في اللاحقين.

ترك أبو علي الفارسي تراثاً حافلاً من الكتب منها “التذكرة” في علوم العربية (عشرون مجلداً)، و”تعاليق سيبويه” (جزآن)، و“الشعر”، و”الحجة ” (في عِلل القراءات)، و”جواهر النحو”، و”الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني”، و”المقصور والممدود”، و”العوامل” (في النحو)، و”المسائل البصريات”.

• أحمد ابن فارس: مقاييس اللغة

هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد الرازي، القزويني الأصل، الشهير بابن فارس، يعتبره مصنّفو الأدب من أئمة اللغة، وأشهر مصنفاته هي “معجم مقاييس اللغة” و”المجمل” و”جامع التأويل” و”الفصيح” و”المجمل”، و”متخير الألفاظ”، و”فقه اللغة”، و”غريب إعراب القرآن”، و”تفسير أسماء النبي”، و”مقدمة نحو”، و”دارات العرب”، و”مقاييس اللغة”. صنف ابن فارس كتباً كثيرة في الفقه والسيرة ولكن الغالب منها كان في اللغة.

ومن بين كتب المعاجم التي وضعت في اللغة، انفرد ابن فارس في معجميه “المجمل” و”المقاييس” بطريقة خاصة تنسب إليه وحده، فإضافة إلى إتباعه الابجدية العادية، انفرد بفكرتي الأصول والمقاييس لجميع مفردات اللغة. تميز ابن فارس بغزارة المادة اللغوية التي ظهرت من خلال تناوله لبعض المسائل اللغوية، وجاءت دراسته شاملة لمستويات اللغة الأربعة: المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي، فضلاً عن الظواهر اللغوية التي تناولها كالنحت والأضداد والترادف والإتباع وغيرها.

• الزمخشري: العربية سبيل الريادة

وهو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمرو الخوارزمي الزمخشري، صاحب مصنف “الكشاف” و”أساس البلاغة” و”المفصل في النحو (أو صنعة الإعراب)” و”متشابه أسماء الرواة” وغيرها الكثير. ويعتبر من أئمة اللغة والنحو والحديث وعلم البيان، وقيل إنه لم يكن هناك أعلم منه في أوانه. أطلق عليه لقب “جار الله الزمخشري”، لأنه سافر إلى مكة وسكن بها زماناً.

يعد معجمه “أساس البلاغة” من أهم كتبه، ومن أعظم قواميس اللغة العربية. ويحتوي على التعابير البليغة عند العرب، والمجازات اللغوية والمزايا الأدبية، وبين فيه الحقيقة من المجاز في الألفاظ المستعملة إفراداً وتركيباً.

• الجرجاني: تأسيس علم البلاغة

يعد أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني مؤسس علم البلاغة، ويعتبر كتاباه “أسرار البلاغة” و”دلائل الإعجاز” من أهم المؤلفات العربية في هذا المجال. استقطبت كتاباته ونظرياته في البلاغة وفقه اللغة اهتمام عدد كبير من الباحثين والدارسين نظراً لتركيزه على منطق اللغة أو عقلنتها وميله الواضح لأولوية المعنى على اللفظ.

يعتبر كثير من البلاغيين أن كتابه “دلائل الإعجاز” هو الكتاب الأول في بيان الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم.

• سعد الدین التفتازانی

مَسْعُود بن عمر التفتازاني الإِمَام الْكَبِير صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة الْمَعْرُوف بِسَعْد الدَّين ولد بتفتازان فِي صفر سنة 722 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَأخذ عَن أكابر أهل الْعلم فِي عصره كالعضد وطبقته وفَاق فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير وَالْكَلَام وَكثير من الْعُلُوم وطار صيته واشتهر ذكره ورحل إِلَيْهِ الطّلبَة وَشرع فِي التصنيف وَهُوَ فِي سِتّ عشرَة سنة فصنف الزنجانية وَفرغ مِنْهَا فِي شعْبَان سنة 738 وَفرغ من شرح التَّلْخِيص الْكَبِير فِي صفر سنة 748 بهراة وَمن مُخْتَصره سنة 756 وَمن شرح التَّوْضِيح فِي ذي الْقعدَة سنة 758 بكلشان.

كتبه

• مقاصد الطالبين

• مفتاح الفقه

• شرح العقائد النسفية

• شرح الشمسية

• شرح التصريف العزي

• شرح الأربعين النووية

• رسالة الإرشاد

• حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب

• حاشية الكشاف

• تهذيب المنطق

• النعم السوابغ

• المطول

• الزنجانية

• التلويح إلى كشف غوامض التنقيح

• إرشاد الهادي

يعد التفاتزاني فقيها متكلما وأصوليا نحويا وإماما من أئمة التحقيق والتدقيق، فقد انتهت إليه رئاسة العلم في المشرق في زمنه وفاق الأقران، وبرز في النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان. ألف كتابين في علوم المعانی والبیان وعلم البلاغة، وهما كثيري الاهتمام لما فيهما من حسن السبك ولطف التعبير.

كتاب المطول في علم المعاني والبيان والبلاغة

مختصر المعانی فی علم المعانی والبیان والبلاغه

العلوم الدينية والتاريخية

– ما تفضلتم به يخص التأليف عن اللغة العربية نحوا وصرفا وبيانا، ماذا عن المجالات الأخرى؟

سيد جلال ميراقائي: لعب علماء الفرس دوراً مهماً في إغناء اللغة العربية في كافة المجالات، وذلك لشغفهم الشديد بالعلوم والثقافة الإسلامية، حيث لانجد بين الشعوب الإسلامية شعباً يضاهيهم في ذلك، وقد بذلوا في سبيل ذلك جهداً كبيراً منقطع النظير في نشر الدين الإسلامي.

خطت أولى التفاسير القرآنية على يد علماء إيرانيين، أمثال الإمام فخر الدين الرازي وجار الله محمود الزمخشري والطبرسي وابن الفتح الرازي والإمام أعظم أبي فضل المبيدي وفتح الله الكاشاني وانتهاءً بالعلاّمة محمد حسين الطباطبائي، والقرّاء السبعة الذين تسلسل فيهم السند إلى الأئمة السبعة أكثرهم من أصل فارسي. كما كان للمفكرين والعلماء الإيرانيين سهم وافر من مؤلفات العرفان الإسلامي، كذلك علم الكلام والفلسفة الإسلامية، ومن بين تلك الأسماء اللامعة، الفارابي وابن سينا والفخر الرازي والخواجة نصر الدين الطوسي والشيخ البهائي وغيرهم، فضلا عن العديد من كبار الرواة وناقلي الأحاديث الشريفة، منها كتب حديث أهل السنة والكتب الأصولية الشيعية الأربعة.

حتى في مجال الخط العربي، لم تعرف العربية حتى نهاية العصر الأموي غير النوع النسخي الذي كان يستعمل غالباً في كتابة الرسائل، والكوفي في كتابة المصاحف وتزيين المساجد والمسكوكات، فجاء الكتّاب الإيرانيون وأضافوا أنواعا جديدا، فمثلا أوجد إبراهيم الشجري في أوائل القرن الثاني، قلم الثلثين، وأوجد أخوه يوسف القلم الرئاسي أو قلم التوقيع. أما تلميذه إبراهيم الأحول، فقد اخترع خطوطاً عدة، كالنسخ والثلث والمسلسل والرقاع وكمّل الخط العربي على يد تلميذي الأحول، وهما محمد بن مقلة (ت 328 هـ) وأخوه الحسن بن مقلة (ت 338 هـ) وجميعهم من أصل إيراني. وكانت جامعة نيشابور تغذي الخلافة العباسية بأساتذتها في الطب وخرّيجيها زكانت بعض مؤلفاتهم باللغة العربية. كما تجدر الإشارة إلى أن أول من كتب التاريخ العربي كان إيرانياً وهو محمد بن جرير الطبري، وأن أول دائرة معارف للآداب العربية هو كتاب “الأغاني” ألفه “أبو الفرج الاصفهاني”.

تدانى الأدب العربي السامي والفارسي الآري، واقتربا من بعضهما البعض على الرغم من اختلاف اللغة والدم والظروف الإجتماعية، حتى أضحى يتعذر على أحد التمييز بينهما لولا اللغة الدالة عليهما. كما ساد نوع جديد من الأدب الإيراني-العربي، أبطاله إيرانيون ولغته عربية، خالقا حالة فريدة من التمازج والذوبان الحضاري الذي ساهم في تشكيل القيثارة الذهبية للحضارة الإسلامية والتي ضمت أيضا أوتارا أخرى أسهمت في أروع الألحان وأكثرها خلودا. ومن أهم الكتاب والعلماء الإيرانيين الذين ألفوا كتبهم باللغة العربية، نذكر:

• الصاحب بن عبّاد (ت 385 هـ) من مدينة طالقان الإيرانية، وأصبح وزيراً لمؤيد الدولة البويهي، والذي الّف كتبه كلّها بالعربية، ومن ثمّ أخوه فخر الدولة، ومن آثاره كتاب ” المحيط في اللغة”.

• بديع الزمان الهمداني (ت 398 هـ)، ولد في همدان وانتقل إلى خراسان وجرجان، له بالعربية المقامات والرسائل.

• إبن مسكويه (ت 421 هـ)، مفكّر وأديب وكان ذا نفوذ عظيم في البلاط البويهي، له ” تجارب الامم” و”تهذيب الاخلاق”.

• أبو ريحان البيروني (ت 440 هـ)، عالم إيراني شهير برز في مختلف العلوم والتاريخ والأدب ومن مؤلفاته، “الآثار الباقية من القرون الخالية” و”القانون المسعودي في الهيئة والنجوم”.

• ابن سينا (ت 428 هـ) من مشاهير إيران ومفاخرها، ولد في بخارا وتوفي في همدان، برع في الطبّ والنجوم والرياضيات والحكمة والمنطق، ومن مؤلفاته: “القانون في الطبّ” و”الشفاء” و”الإشارات والتنبيهات” و”النجاة”، حتى أنّه كانت تقام في محضره محافل المناظرات والتدارس باللغة العربية. يقول عبد الوهاب عزّام في هذا المجال: «وبالفتح صارت لغة القرآن لغة الدولة والعلم والأدب في إيران. يستعملها العربي والعجمي في علوم الدين وغيرها… وصارت اللغة العربية كذلك لغة التخاطب بين المثقفين”.

إضافة إلی ذلك، أثّر الكثير من الأدباء والباحثين الإيرانيين علی اللغة العربية وآدابها، مثل الکسائی، وأبو زکریا الفراء، وعبد الرحمن الهمداني، وأبو الفرج الأصفهاني، وأبو علی الفارسي، وأبوبکر الخوارزمي، وأبو عبید الله المرزباني، وصاحب بن عباد، وبدیع الزمان الهمداني، وأبو الفتح البستی، وابن خلف النیرماني، وأبو علی المرزوقي، ومهیار الدیلمي، وعبد الرحمن النیسابوري، وأبوالفضل المیکالي، وأبوالحسن الباخرزي، ومؤید في ‌الدین الشیرازي، وعبد القاهر الجرجاني، وأبو إسحاق الشیرازي، وظهیر الدین الرودراوري، وأبو نصر النیسابوري، وابن خطیب التبریزي، وراغب الأصفهاني، وأبو المظفر الأبیوردي، ومؤید الدین الطغرایي، وابوالفضل المیداني، وجار الله الزمخشري، وناصح الدین الأرجاني، وأبو الفتح المطرزي، والبنداري الأصفهاني، وشهاب الدین الزنجاني، وعصام الدین الإسفرایني، وشریف النیسابوري.

نعود إلى ساحة الأدب والشعر، فقد ذكرتم إهتمام الكثير من الشعراء الإيرانيين باللغة العربية وكثير منهم من أتقن اللغة العربية وألف بها وأثر حتى في البيئة الشعرية العربية، فهل لكم أن تسلطوا الضوء على هذه المسألة؟

سيد جلال ميراقائي: لقي الشعر العربي قسطا وافرا من اهتمام الشعراء الإيرانيين، أمثال الفردوسي والأنوري والعنصري الذين ولعوا بنظم أبيات أو أشطر باللغة العربية ونظم قصائد كاملة باللغة العربية كانت غاية في الجودة والروعة. كما أن أكثر العلماء الذين اتخذوا العربية لغة علم كانوا ينظمون شعرا عربيٍّا، وحسبنا أن نعرف أن الثعالبي وهو من رجال القرن الرابع ذكر في الجزئين الثالث والرابع من اليتيمة واحدا وخمسين ومائة من معاصريه الذين نظموا الشعر العربي في أرجاء بلاد الفرس، وكرس لشعراء خراسان وما وراء النهر قسم خاص بهم لکثرتهم. وكذلك الخزري في القرن الخامس الهجري في كتاب “دمية القصر” وهو تكملة لكتاب الثعالبي، تحدث عن شعراء ناطقین بالعربیة في المقاطعات الشرقية والغربية والوسطى لإيران. كما تناول عماد الدين كاتب الأصفهاني في القرن السادس الهجري في كتابه “خریدة القصر” شعراء إيرانيين ناطقین بالعربیة من أصفهان وخراسان وفارس وخوزستان وكرمان والجبال وأذربيجان وعلى طول بحر قزوين ولرستان.

ينقسم الشعراء الإيرانيون المهتمون بالعربية إلی ثلاث فئات:

• الشعراء الإيرانيون الذين لم ينشدوا إلا باللغة بالعربية.

• الشعراء الإيرانيون الذين أنشدوا باللغتين العربية والفارسية، أمثال بديع الزمان الهمذاني وأبو الفتح البستي، وقد ضاع ديوانه الفارسي، والبديع البلخي الذي مدح أحد الأمراء بشعر ملمع، وعطاء بن يعقوب الكاتب، وكان له ديوانان عربي وفارسي، والباخرزي، وابن سينا، والشيخ السعدي. ومن الكتاب، رشيد الدين الوطواط صاحب حديقة الشعر وله رسائل عربية، نشرت إحداها في رسائل البلغاء

• الشعراء الإيرانيون الذين أنشدوا بالفارسية بتأثير من الأدب العربي.

لقد كان لشعراء الفرس باللغة العربية مثل أبي نواس الاهوازي وبشار ابن برد ومروان بن حفصة أثر فعال في تجديد أسلوب الشعر وموضوعاته عن طريق إدخال معاني سياسية وفلسفية جديدة وتشبيهات وأوصاف تخص البيئة الفارسية، كوصف القصور والبساتين، والتوسّع بالغزل المكشوف والجهر بالمشاعر، وكان ( بشّار بن برد) أوّل من فتح هذا الباب على مصرعيه، وكذلك زوّد شعراء الفارسية الشعر العربي بمعانٍ وأخيلة جديدة، تتوافق والبيئةَ الحضاريّة للعصر العباسي ، وأولع بعض الشعراءُ في هذا العصر بالمحسّنات اللفظيّة والمعنويّة، وأُغرموا بها، وكان بعضُهم يتوخاها توخّيًا، ويتعمّدها تعمّدًا، ويتصيّدها في حرص شديد عليها، فكلفوا بالجناس الذي تفرّع وتنوّع ، وتلاعبوا بالألفاظ في حيل شتى ، وذلك لتظهر القصيدة الشعرية بأجمل حُلّة ممكنة. كما أدخل الشعراء الفرس نظم شعرية جديدة عن طريق تنظيم المعنى الواحد بالعربية والفارسية معا ويطلق على هذا النمط “الملمعات”، فمثلا تشير مجلة دعوة الحق إلى أبو جعفر الامدادي، الذي كان ينظم قصائده بالعربية ثم يقلبها إلى الفارسية بوزنها وقافيتها، قائلا:

عذیرى من قدك الخيزراني

ومن وردتي خدك الأرجواني

ويترجمه إلى الفارسية فيقول:

فغان زآن رخ چون گل ارغواني

وزآن برشده قامت خيزراني

ويقول:

الما ببدر الدجى فانظرا

إلى صورة صورت للورى

ويترجمه إلى الفارسية فيقول:

یكى برمه چارده بگذرا

به روى نگارين اوبنگرا

أو يجعلون البيت الواحد من أشعارهم باللغتين بحيث يكون مصراع منه بالفارسية والمصراع الآخر بالعربية يكمل معناه ويسمى هذا في الاصطلاح بـ «الملمع»، وهذه أمثلة عن ذلك:

يقول حافظ الشيرازي:

ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها

كه عشق آسان نمود أول ولى افتاد مشكلها

«فإن العشق سهل في بدايته ولكن المشاكل في آخره»

حضوري گرهمى خواهى ازوغايب مشو حافظ

متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وأهملها

«إن كنت تريد حضوره فلا تغب أنت عنه یا حافظ»

ويقول أيضا:

آن تلخ وش كه صوفى ام الخبائثش خواند

أشهى لنا وأحلى من قبلة العذارى

« إن تلك التی يسميها الصوفي «أم الخبائث»

(إشارة إلى الحديث: «الخمر أم الخبائث». ويعني بالخمرالتي يشبهها المقصود منها في الاصطلاح العرفاني)

ويقول سعد الشيرازي:

وقتها یکدم برآسودى تنم

قال مولائي لطرفي لا تنم

ما ان أردت أن أريح جسمي

اسقياني ودعاني افتضح

عشق ومستوري نياميزدبه هم

العشق والاختفاء لا يجتمعان

ما به مسكيني سلاح انداختيم

لا يحل قتل من ألقى السـلـم

“لقد القينا السلاح لمسكین”

يا غريب الحسن رفقا بالغريب

خون درويشان مريزاي محتشم

«لا ترق دم الدراويش ياذا الحياء»

گرنكردستي بخونم پنجه تيز

ما لذاك الكف مخضوبا بدم!؟

«إذا أنت لم تكن قد لطخت أصابعك بدمي»

قد ملكت القلب ملكا دائما

خواهى اكنون عدل كن خواهى ستم

«فإن شئت الآن فاعدل وان شئت فاظلم»

كربخوانى وربرانى بنده ايم

لا أبالي إن دعا لي أو شتم

«إن دعوت أو طردت فإننا عبيد»

بنده أم تازنده ام بي زينهار

لم أزل عبدا واوصالي رمم

إنني عبد ما دمت حيا لا أبالي»

گربنالم وقتى از زخم قديم

لا تلوموني فجرحي ما التحم

«إن أنا تألمت حيا من جرح قديم».

ومن أنواع «الملمع» ما يكون فيه بيت كامل بالفارسية وآخر بالعربية كما يقول أبو الحسن شهيد البلخى:

يرى محنتى لم يخفض البصرا

فدته نفسي تراه قد سفرا

داندكز وي به من همي جه رسد

ديگر باره زعشق بي خبرا

(إنه يعلم ماذا دهاني ماذا دهاني منهوهو مع ذلك غافل عن العشق).

أما ترى وجنتي معصره

وسائلا كالجمان مبتدرا

چوسد ياجوج بايدى دل من

كه باشدى غمزگانش راسپرا

(يجب أن يكون لقلبي مثل سد ياجوج لاحتمي به من عينيه)

فضل حلمى وخانني جلدي

ومن يطيق القضاء والقدرا

وكر بدانستمى كه دل بشود

نكردمى بر ره بلا گذرا

(ولو علمت أن القلب سیضيع مني لما مررت بطريق البلوى).

من جهتها، أنشدت رابعة بنت كعب، وهي شاعرة من القرن الرابع الهجري وتعتبر أم الشعر الفارسي ما يلي:

هر آینه نه دروغ است آنچه گفت حکیم (إن ما قاله الحکیم لیس کذبا)

/ فمن تکبر یوماً فبعد عز ذل

وهاهو أبو جعفر أندادي، وهو شاعر من القرن الرابع الهجري، يقول:

عذیري من قدك الخیزراني / ومن وردتي خدك الأرجواني

فغان زان دو رخ چونگل ارغواني / وزان بر شده قامت خیزراني

يُعد القرن السادس الهجري ذروة عصر الملمعات، ومن أبرز شعراء تلك الحقبة نذكر: مسعود سعد سلمان، والذي قال:

نیست چون من کس از جهان مخصوص (ليس أحد مثلي مشغول) / بالبلیات من جمیع الناس

ويقول الرومي: گفتم: «خموشی صعب است» گفتا (قلت: الصمت صعب، قال) / یا ذا المقال، صر ذا المعالی

وأيضا:

سل المصانع رکبا تهیم في الفلوات / تو قدر آب چه دانی که در کنار فراتی (أنت لاتعرف قیمة الماء لأنك تسكن جنب الفرات)

لدى الحافظ الشیرازي أيضًا ملمعات مشهورة ويبدأ ديوانه بالملمع التالي:

ألایا أیها الساقي أدر کأسًا وناولها / که عشق آسان نمود اول ولی افتاد مشکلها (کان الحب سهلًا في بدایة الأمر، لکن حدثت مشاکل فیما بعد)

وللجامي، شاعر القرن التاسع الهجري بعض الملمعات مثل:

دی گذشتیم بر آن دلبر وگفتیم دعا (مررنا بتلك الحبيبة وقلنا ادعي لنا) / قال من أنتم قلنا فقراء الغرباء

كانإنشاد الملمعات شائعًا أيضًا خلال العهد الصفوي، فقد أنشد الشيخ البهائي وهو من أشهر علماء ذلك العهد مايلي:

جاء البرید مبشرا من بعد ما طال المدا / ای قاصد جانان تو را صد جان و دل بادا فدا (أفديك روحي وقلبي مئة مرة یا قاصد الحبیب)

أشعار الشاعر الإيراني زياد الأعجم باللغة العربية:

يقول الأصفهاني عن هذا الشاعر مشيرا إلى شاعريته وجزالة ألفاظه ونقاء معانيه، بالإضافة إلى شرح عجمته: «وكان شاعراً جزل الشعر فصيح الألفاظ على لكنة لسانه وجريه على لفظ أهل بلده، أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن موسى، قال حدثت عن المدائني أن زياداً الأعجم دعا غلاماً له ليرسله في حاجة، فأبطأ فلما جاءه، قال له: منذ لدن دأوتك إلى أن قلت لبي ما كنت تسنأ، يريد: منذ لدن دعوتك إلى أن قلت لبيك، ماذا كنت تصنع، فهذه ألفاظه كما ترى في نهاية القبح، واللُّكنة وهو الذي يقول يرثي المغيرة بن المهلب بقوله:

قُلْ للقَوافل والغَزِيِّ إذا غَزَوْا

والباكرين وللمُجِدِّ الرائح

إنّ المروءةَ والسّماحةَ ضُمِّنا

قبراً بمَرْوَ على الطَّريق الواضحِ

فإذا مررْتَ بقبرِهِ فاعقِرْ بهِ

كُومَ الهِجانِ وكلَّ طِرْفٍ سابح

وانضحْ جوانب قبرِه بدِمائها

فلقد يكون أخا دمٍ وذبائح

يا مَن بمهوَى الشَّمس من حيٍّ إلى

ما بين مَطلع قَرْنها المتنازِح

ماتَ المغيرةُ بعد طولِ تعرُّضٍ

للموتِ بين أسنّةٍ وصفائح

والقتلُ ليس إلى القتال ولا أرى

حَيَّاً يؤخَّر للشَّفيق الناصح»

(الأغاني، أبوالفرج الأصفهاني، تحقيق: سمير جابر، دار الفكر- بيروت، الطبعة الثانية، ج15 ص 70).

من جهته، يمتلك الرومي العديد من القصائد الغنائية والرباعية التي إستهلها باللغة العربية ك:

العین لفقدکم کثیر العبرات / والقلب لذکرکم کثیر الحسرات

هلیرجع من زماننا ما قد فات / هیهات وهل فات زمان هیهات

وهذه بدایة أحد غزلیاته:

مولانا مولانا أغنانا أغنانا / أمسينا عطشانا أصبحنا ریانا

للشاعر الإیراني السعدي الشیرازي بعض الغزلیات باللغة العربیة في قمة الفصاحة والبلاغة. یبدأ أحد غزلیاته العربیة بهذین البیتین:

إن لم أمتیوم الوداع تأسفا / لاتحسبونی فی المودة منصفا

من مات لاتبکوا علیه ترحما / وأابکوا لحی فارق المتألفا

أنشد الشاعر الإيراني الخاقاني الشرواني قصیدة عن بغداد تبدأ کالتالي:

أمشرب الخضر ماء بغداد / أو نار موسی لقاء بغداد

وإضافة لما سبق، أذكر لكم قائمة لبعض الشعراء الإيرانيين الذين أنشدوا باللغة العربية:

القرن 16- بداية الصفوية 1501

• بهاء الدين محمد بن حسين العامِلي( 27 فبراير 1547 – 30 أغسطس 1621) عالم مسلم وفيلسوف وكاتب وشاعر عثماني – صفوي.

• المير داماد: (1561 – 1631) فقيه ديني فارسي، له أشعار بالعربية والفارسية.

• جعفر الخطي: (1572 – 1619) شاعر عاش معظم حياته متنقلًا بين الأحساء العثمانية وبلاد فارس الصفوية.

• سرمد كاشاني: (1590 – 1661) صوفي هندي – إيراني، له أشعار بالعربية.

• الفيض الكاشاني (15سبتمبر 1598 – 22 مایو 1680) فقيه ديني، له أشعار بالعربية.

القرن 17

• قطب الدين الأشكوري: (حوالي 1601 – 1664) فيلسوف وفقيه إيراني من أصل يمني، له قصيدة ملحمية فلسفية بالعربية والفارسية معاً.

• محمد شفيع الأسترآبادي: (فبراير 1636 – ديسمبر 1694) عالم مسلم وأديب فارسي، له بعض أشعار بالعربية.

• علي خان المدني (10 أغسطس 1642 – ديسمبر 1709)، فقيه وأديب، له أشعار.

• معين الدين الكاشاني: (1646 – 1696) فقيه جعفري وكاتب وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

القرن 18 – نهاية الصفوية- 1736

• مهدي بن محمد نصير الأسترآبادي ( 1768 ) مؤرخ وكاتب وسياسي أفشاري، أنشد بالفارسية والعربية والتركية، معظم أشعاره ضائع مفقود.

• هاتف الأصفهاني : (( 1783) شاعر وطبيب، له أشعار بالعربية.

• أبو القاسم بن محمد حسن القمي : (1739 – 1816) فقيه جعفري وكاتب ومدرس ديني إيراني، له منظومات وأشعار بالعربية.

• أحمد المحسني ( (1744 – 1831فقيه جعفري وكاتب وشاعر أحسائي، عاش في الفلاحية بخوزستان من 1799 حتى وفاته بها.

• الطبيب الاصفهاني (1755) طبيب وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• هاتف الأصفهاني ( 1783) شاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• نشاط الاصفهاني: (1761 – 1828) شاعر وخطاط إيراني، نظم بالفارسية والعربية والتركية.

• علي بن محمد الرمضان: (1771 – 1849) فقيه جعفري وشاعر أحسائي سعودي، عاش فترة طويلة من حياته في إيران ونظم بالعربية والفارسية.

• جعفر الدارابي: (1775 – 1851) فقيه جعفري، له أشعار بالعربية.

• محمد تقي زين الدين: (1776 – 1859) عالم مسلم وفقيه جعفري أحسائي عاش معظم حياته في إيران، له أشعار بالعربية.

• وصال الشيرازي: (1782 – 1846) شاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• أبو القاسم الذهبي الشيرازي: (1788 – 1869) متصوف وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• بداية الدولة القاجارية 1789:

• هادي السبزواري: (1797 – 1873) متصوف ومتكلم مسلم، له أشعار بالفارسية والعربية.

• حسن المحسني: (1798 – 21 سبتمبر 1855) فقيه جعفري وكاتب وشاعر إيراني من أصل أحسائي.

القرن 19

• أمينة الشيرازية (1923) عالمة وشاعرة إيرانية، نظمت الشعر باللغتين العربية والفارسية.

• محمود التبريزي ( 1853) فقيه إيراني أذري، له شعر بالفارسية والعربية.

• عبد الصمد الخامنئي: (1805 – 1893) فقيه وشاعر إيراني آذري، له ديوان بالعربية.

• وقار الشيرازي: (1817 – 1881) شاعر إيراني، له قصائد كثيرة بالفارسية وقليل بالعربية.

• داوري الشيرازي: (1822 – 1866) شاعر إيراني، له أشعار بالعربية..

• علي بن ظاهر المطيري: (1824 – 1873) شاعر عراقي، عاش معظم حياته في إيران وتوفي بها

• محمد القزاز التبريزي: (1824 – 1902) شاعر إيراني أذري.

• فرهنك الشيرازي: (1826 – 1891) خطاط وشاعر إيراني، له ديوان بالفارسية والعربية

• محمد تقي المامقاني ( 1832 1895) فقيه وشاعر إيراني آذري، له أشعار بالفارسية والعربية والتركية.

• إسماعيل الشيرازي: (1839 – 1885) أديب وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• محمد حسين الشهرستاني ( 1840 1898) فقيه وكاتب وشاعر، من إيرانيي العراق

• أحمد الأديب البيشاوري ( 1844 1930) أديب وفيلسوف إيراني من أصل أفغاني – هندي، له أشعار بالعربية.

• أبو الحسن بن محمد تقي قاجار(: 1847 1921) فقيه جعفري وكاتب وشاعر إيراني، له ديوان بالعربية والفارسية.

• محمد باقر خسروي الكرمانشاهي: (1849 – 1919) أديب وشاعر إيراني، له ديوان بالعربية

• دانش الشيرازي: (1851 – 1931) شاعر إيراني، نظم بالفارسية والعربية.

• مصطفى الكاشاني: (1851 – 1917) فقيه من إيراني العراق، له ديوان شعر بالعربية.

• فرصت الشيرازي: (1855 – 23 أكتوبر 1920) كاتب وخطاط وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• أبو الفضل الطهراني: (1856 – 1898) فقيه وشاعر إيراني، له ديوان بالعربية.

• أديب الممالك الفراهاني( 2 أغسطس 1860 – 22 فبراير 1918) أديب وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• أحمد المدرس الزنجاني(:1861 يناير 1950) فقيه أذري إيراني، نظم بالعربية والفارسية.

• أبو المجد الأصفهاني( 27 يوليو 1861 – 30 يناير 1943) فقيه وكاتب وشاعر عربي من إيرانيي العراق.

• غلام حسين الأديب الكرماني: (1862 – 1929) مترجم وشاعر إيراني، له ديوان شعر بالعربية.

• سلمان المحسني( 14 يونيو 1864 – 2 يناير 1923) (10 محرم 1281 – 15 جمادى الاولى 1341) فقيه وشاعر من عرب الأهواز.

• عبد الجواد النيسابوري: (1864 – 1925) أديب وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية

• علي الخياباني: (15 مارس 1866 – 27 ديسمبر 1947) فقيه وشاعر وكاتب إيراني أذري.

• عدنان الغريفي: (10 أكتوبر 1866 – 2 أبريل 1922) فقيه وشاعر وكاتب، من عرب الأهواز.

• علي القاضي: (27 مارس 1869 – 27 يونيو 1947) فقيه وشاعر، من إيرانيي العراق، له أشعار بالعربية.

• عبد الحسين آيتي: (1871 – 1953) مدرس وصحفي ومؤرخ وشاعر إيراني، له أشعار بالفارسية والعربية.

• علي الخوئي(: 1875 يناير 1932) فقيه مسلم وشاعر وكاتب إيراني أذري له أشعار بالعربية.

• آغا بزرك الطهراني ( 7أبريل 1876 – 20 فبراير 1970) فقيه شيعي وموسوعي، من إيرانيي العراق، له منظومة شعرية.

• مصطفى التبريزي 1878 يونيو -1919- فقيه وشاعر إيراني أذري له أشعار بالعربية.

• محمد حسين الأصفهاني(1878 – 13 ديسمبر 1942) فقيه من إيرانيي العراق، نظم في معظم أغراض الشعر بالعربية والفارسية.

• محمد صالح الحائري المازندراني 25 يونيو 1881 – 9 مايو 1971- عالم مسلم وفقيه وكاتب وشاعر إيراني، له ديوان بالفارسية والعربية.

• مهدي بن حبيب الله الشيرازي: (1886 – 1961) فقيه وشاعر، من إيرانيي العراق.

• محمد رضا الغراوي: (1887 – 1965) فقيه وشاعر.

• عبد العزيز الجواهري(: 1890 1976) شاعر ومترجم.

• داود سلمان الكعبي: (1894 – 1972) فقيه وشاعر، من عرب الأهواز.

• محمد أحمد حسين الفارسي: 1895) -1982 ) فقيه شافعي ومدرس وشاعر إيراني – كويتي، من عرب الساحل الشرقي.

• عباس الخليلي(:1896 1972) سياسي وشاعر وكاتب، من إيراني العراق، له أشعار بالعربية

• حسين الكاشاني: (1897 – 1965) قاضي شرعي وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية

• أبو القاسم الخوئي( 19 نوفمبر 1899 – 8 أغسطس 1992) فقيه جعفري إيراني – عراقي، له أشعار بالعربية في علي بن أبي طالب عليه السلام,

القرن 20

• جلال الدين همائي( 12 يناير 1900 – 29 يوليو 1980) مؤلف وأديب وأكاديمي إيراني، له أشعار بالعربية.

• مهدي إلهي قمشئي 1902 مايو 1972- كاتب وشاعر و فيلسوف إيراني، له أشعار بالعربية.

• أبو الحسن الصدر 25 أغسطس 1902 – 23 سبتمبر 1978- فقيه جعفري وشاعر عراقي، استوطن إيران منذ 1947 حتى وفاته بأصفهان.

• بديع الزمان فوروزانفر : (12 يوليو 1904 – 6 مايو 1970) أديب وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية.

• بديع الزمان الكردستاني : (1905 – 1978) أديب وشاعر إيراني كردي، له أشعار بالعربية.

• عبد الحسين وكيلي( 1906 يونيو 1986) فقيه ومدرّس وشاعر إيراني له منظومات بالعربية.

• عبد العظيم الربيعي (يناير 1906 – 14 أبريل 1979) فقيه وشاعر عربي إيراني، من عرب الأهواز.

• مجد الدين النجفي الإصفهاني( 22 يونيو 1908 – 27 سبتمبر 1983) عالم مسلم ومدرس ديني وشاعر.

• علي عدنان الغريفي ( 21 يناير 1909 – 19 يونيو 1940) فقيه وشاعر، من عرب الأهواز.

• كاظم الهجري( : 1909 ديسمبر 1979) فقيه جعفري ومدرس وشاعر سعودي، عاش معظم حياته في عبادان.

• نعمة الخاقاني : (1911 – 1987) أديب وشاعر، من عرب الأهواز.

• كريم أميري فيروز كوهي( : 1911 أكتوبر 1982) شاعر إيراني، شعره بالعربية قليل.

• محمد طاهر البرزنجي الهاشمي : (1915 – 22 يونيو 1991) خطاط وشاعر وكاتب إيراني كردي، أنشد بالكردية والفارسية والعربية.

• محمد الكرمي : (1921 – 2002) فقيه ومؤلف وشاعر، من عرب الأهواز.

• فاضل السكراني( : 1923 يناير 2014) شاعر، من عرب الأهواز.

• 1925- نهاية الدولة القاجارية- 1980 بداية الدولة البهلوية

• عباس الترجمان( 18 نوفمبر 1925 – 10 يناير 2008) شاعر ومترجم وباحث لغوي.

• أبو الفضل نبوي( 6 فبراير 1926 – 14 نوفمبر 1991) فقيه جعفري وكاتب وشاعر إيراني،‌ نظم بالعربية والفارسية.

• حسن فقيه إمامي( 11 يوليو 1926 – 6 مارس 2011) فقيه جعفري وكاتب وشاعر إيراني، نظم بالعربية والفارسية.

• محمد هادي الأميني( 22 مارس 1931 – 15 نوفمبر 2000) فقيه جعفري وكاتب وشاعر إيراني.

• محمد رضا الحكيمي الكربلائي( : 1931 فبراير 1992) فقيه وكاتب وشاعر.

• نادر نظام طهراني : (1933) أستاذ جامعي أدبي وشاعر سوري – إيراني.

• عبد الأمير جعفر الأرشدي :(1935 – 1991) كاتب وشاعر عراقي – إيراني.

• حسين الطرفي : (1937) فقيه وخطيب وشاعر، من عرب الأهواز.

• محمد شعاع فاخر : (1941) فقيه وخطيب وشاعر، من عرب الأهواز.

• محمد علي التسخيري : (1944) فقيه وخطيب وشاعر، من إيرانيي العراق.

• عباس حزباوي : (1944) شاعر، من عرب الأهواز.

• أمير محمود أنوار( 15 نوفمبر 1945 – 2 ديسمبر 2012) أكاديمي أدبي وشاعر إيراني، له دواوين شعرية بالعربية.

• محمد رضا آل صادق : (1945 – 1994) شاعر.

• إبراهيم الديراوي( : 1947 مايو 2016) فقيه وشاعر من عرب الأهواز.

• سلمان عاصي الربيعي : (1951 – 2000) شاعر.

• عبد العزيز الحمادي 27 نوفمبر 1976) شاعر وأستاذ جامعي من عرب الأهواز.

• محمد خاقاني أصفهاني : (1958) أستاذ جامعي أدبي ولغوي وشاعر إيراني، له أشعار بالعربية والفارسية.

• فؤاد العاشوري :(( 1975) شاعر من عرب الأهواز.

• 1979- نهاية الدولة البهلوية- بداية الجمهورية الإسلامية الإيرانية

• هاشم شعباني : (1981 – 27 يناير 2014) شاعر ومدرس من عرب الأهواز.

• مريم حيدري : (1984) شاعرة ومترجمة، من عرب الأهواز.

اللغة العربية في إيران اليوم

بعد هذه الرحلة الشيقة التي تناولتم فيها مكانة اللغة العربية على مر العصور وإلى نهاية العصر البهلوي، ماذا عن نظرة إيران ما بعد الثورة الإسلامية للغة العربية؟ وما مدى إنتشارها؟

سيد جلال ميراقائي: حاول البهلويون إبادة اللغة العربية تحت شعار تطهير اللغة الفارسية من المصطلحات العربية والغربية، غير أن الوضع لم يبقى على حاله بسبب انتصار الثورة الإسلامية المباركة، والتي عملت جاهدة على إحياء التلاحم والانسجام الثقافي بين الأدبين العربي والفارسي، ومن ثم مضاعفة الإنتاج الفكري والأدبي باللغتين، حيث أعطيت للغة العربية مكانتها المرموقة عن طريق دسترتها كما ذكرنا سابقا، وفرض تعليمها في مدارسها وجامعاتها، فأوجدت بذلك جيلاً يتكلّم العربية، حتى أتهمها العلمانيون والمولعون بالثقافة الغربية بأنها بدّلت التغريب بالتعريب. واليوم، وبفضل الدعم المادي والمعنوي للجمهورية الإسلامية، تعج أرفف المكتبات الإيرانية بآلاف العناوين من الكتب العربية، كما تشارك المئات من دور النشر العربية، وبجعبتها الآلاف من العناوين العربية، موّزعة على مختلف حقول المعرفة والثقافة، في كل الفعاليات الثقافية الإيرانية، وما معرض كتاب طهران الدولي السنوي إلا دليل دامغ على ذلك. كما أن دعوة الآلاف من الكتاب والباحثين والمتخصصين العرب في مختلف الفعاليات الثقافية والعلمية ليس إلا خطوة أخرى لاستمرارية هذه المسيرة.

واليوم، تُواصل إيران الثورة، والتي انتهجت نهج الإسلام المحمدي الأصيل وحملت لواء نصرة المُستضعَفين في العالم دعم اللغة العربية في التعبير عن المقدّسات بأسمائها والدفاع عنها، بالموازاة مع التشبث بلغتها الفارسية حالها حال كل الأمم في العالم، كما تستمر في المساهمة في تشييد عمارة الآداب والعلوم باللغة العربية، فلم يخدم اللغة العربية أحدٌ كما خدمها الفرس، كما يقول الشهيد مرتضى مطهري. وبجانب التأليف، تمد الجمهورية حقول المعارف المنشورة باللغة العربية بعوامل الازدهار والتألق عن طريق ترجمة أمهات الكتب الفارسية نثراً وشعراً، فلا يخفى على أحد غنى الثقافة الفارسية وآدابها، وإحتواءها على الكنوز والروائع التي تستحق الترجمة والنقل إلى اللغة العربية، كما لا يمكننا إنكار دور الترجمة في المثاقفة وتلاقح الأفكار وتلاقيها وصقلها، فقد كان للترجمة ولا يزال دور ريادي في نقل الأدب والفكـر والعلم والمعرفة، ودفع عجلة التواصل الحضاري إلى الأمام بين الأمتين.

إذن حدثنا لو سمحتم عن حركة الترجمة بين اللغتين على مر العصور وصولا إلى إيران ما بعد الثورة.

سيد جلال ميراقائي: نتج عن حركة الترجمة بين العربية والفارسية ترجمة العديد من الكتب منذ غابر الزمان وحتى أيامنا هذه. قام مترجمون إيرانيون أمثال صالح بن عبد الرحمن السيستاني تلميذ زادان فرخ رئيس ديوان الخراج بالعراق بتعريب سجلات الدولة من الفارسية إلى العربية حوالي عام أربعة وثمانين للهجرة. وقد نشطت حركة الترجمة والتعريب في العصور الأولى للإسلام خاصة من الفارسية القديمة إلى العربية على يد عبد الله بن المقفع وآل نوبخت، وموسي و يوسف ابني خالد، وأبي الحسن علي بن زياد، والحسن بن سهل، والبلاذري، وجبلة بن سالم، وإسحاق بن يزيد، ومحمد بن الجهم البرمكي، وهشام بن القاسم، وموسي بن عيسي الكردي ، وزادويه بن شاهويه الأصفهاني، ومحمد بن بهرام بن مهيار الأصفهاني، وبهرام بن مردان شه، وعمر بن الفرخان ويشير ابن النديم إلي ما يقارب المائة كتاب ورسالة ترجمت من الفارسية إلى العربية، نذكر على سبيل المثال:

وصية اردشير، ورسالة عمروبن حمزة، والرسالة الماهانية، وكتاب اليتيمة، وكتاب الأدب الكبير والأدب الصغير، وكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، ورسالة الخميس لأحمد بن يوسف، وقصة رستم واسفنديار لجبلة بن سالم، وحكاية بهرام جور، وقصة شهرزاد واپرويز، وكتاب في سيرة انوشيروان، وكتاب التاج، وكتاب دارا وصنم الذهب…إلخ (آيتي، عبد المحمد، (المترجم)، والمعلقات السبع، ومخارج الحروف، (طبع طهران/ ابن المقفع).

كما نقل المؤرخ والمترجم الفتح بن علي الإصفهاني البنداري (1190 1245 م) أحد أهم الملاحم الشعرية الفارسية وهي: “شاهنامة” الفردوسي، أي (رسالة الملوك) إلى العربية نثرا.

وكمثال آخر عن أبرز الكتب المترجمة، كتاب (كليلة ودمنة)، والذي يعد من أشهر الكتب التي ترجمها ابن المقفع سنة (133هـ/749م)، فضلاً عن أنه ألّف في العربية عدداً من الكتب مثل (الأدب الصغير، والأدب الكبير، واليتيمة في الرسائل) كما ترجم من الفارسية عدداً آخر، منها (خُداي نامه في السِّير، وآيين نامه: القواعد والرسوم، والتاج في سيرة أنوشروان).‏

ويعد كتاب كليلة ودمنة أحد الكتب التي قرَّبت ما بين الأدبين العربي والفارسي في الوقت الذي أحدث فيهما حركة فنية وفكرية… وكان ابن المقفع قد ترجمه عن الفارسية القديمة (الفهلوية) التي نقل إليها من اللغة الهندية؛ ولما ضاع الأصل الفارسي والهندي صارت الترجمة العربية أصلاً ولاسيما أن ابن المقفع أضاف إليها بعض الأبواب….، وأشهر من ترجمها بعد ذلك إلى الفارسية أبو المعاني نصر الله (سنة 539هـ/1144م) ثم تُرجمت غير مرّة إلى الفارسية وغيرها من اللغات العالمية.‏

ازدهرت حركة الترجمة باللغة العربية بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران. وتمثلت هذه الحركة في نشر الكتب الدراسية المترجمة في الحوزات العلمية، فضلا عن ترجمة المئات من الكتب العلمية والأدبية والثقافية. وبخصوص الأدب، تشمل الترجمة من الفارسية إلى العربية الأدب الكلاسيكي الفارسي والحديث، بما فيهما كتب للروائيين كصادق هدايت وصمد بهرنجي وغلام حسين ساعدي ومحمود دولت آبادي والشاعرة فروغ فروخ زاد. كما توجد ترجمات لكتب مفكرين وسياسيين كعلي شريعتي وآية الله مطهري وآية الله الخميني ومحمد خاتمي، فمثلا تمت ترجمة المجلدات ال۲۲ لصحيفة الامام الخميني (ره) إلى اللغة العربية سنة 2009م، وفي نوفمبر 2023م، وبالتزامن مع إحياء أسبوع الكتاب، صدر عن مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني، (ديوان اشعار الامام الخميني) باللغة العربية. يعتبر هذا الديوان، أو مجموعة أشعار الامام الخميني، من جملة الآثار الأدبية ـ العرفانية المتميزة لسماحته في العشق الالهي إزاء المعشوق الحقيقي، حضرة الحق تبارك وتعالى، إضافة الى موضوعات عرفانية وأخلاقية أخرى.

وتأكيدا على جدارة المترجمين الإيرانيين، حصد مترجمون إيرانيون على المراكز الأولى في الدورة السادسة من “جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي 2020م” عن فئة الترجمة من الفارسية إلى العربية، حيث فاز حسن الصراف بالمركز الأول عن ترجمته لكتاب “الصحراء” لعلي شريعتي، وفي المركز الأول مكرر جاء مصطفى أحمد البكور عن ترجمته لكتاب “الزيدية في إيران” لمحمد كاظم رحمتي، أما باسل احمد ادناوي فنال جائزته عن ترجمته لكتاب “تاريخ الأدب الفارسي” (تأليف: أحمد تميم داري) إلى العربية، وكذلك صادق خورشا عن نقله كتاب “من ماضي الأدب الإيراني” لعبد الحسين زرين كوب من الفارسية إلى العربية.

اللغة العربية في الجامعات الإيرانية والحوزات وبين أوساط الشعب الإيراني

وليس ببعيد عن الترجمة، هل أوجدت اللغة العربية مكانا لها في أروقة المدارس والجامعات والمجال الإعلامي؟

سيد جلال ميراقائي: «بما أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية هي باللغة العربية، والأدب الفارسي ممزوج بها، يجب تدريس هذه اللغة في جميع الصفوف وفي جميع التخصصات من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية» … هذه أجزاء من المادة 16 من دستور جمهورية إيران الإسلامية.

وبذلك، يلزم الطلبة الإيرانيون بتعلم اللغة العربية في هذه الأطوار التعليمية، كما أنهم مطالبون باجتياز إمتحان اللغة العربية من أجل الالتحاق بالجامعات في بعض التخصصات.

وعليه، جعلت جمهورية إيران الإسلامية، بناءً على المادة الدستورية المذكورة أعلاه، تدريس اللغة العربية في المدارس العمومية إلزاميا. وفي هذا الصدد، تم تأليف الكتب المدرسية وتوزيعها للطلاب، وأنشأت أيضا معاهد إعداد المعلمين وهي منتشرة في سائر أنحاء البلاد.

تحظى اللغة العربية أيضاً بمكانة خاصة في المرحلة الجامعية، فقد تم إنشاء أقسام خاصة بها ولآدابها في مختلف الجامعات في الجمهورية، وتحظى هذه التخصصات باهتمام خاص، مما جعل مستوى التعليم بها يوازي مستوى التعليم في الجامعات العربية. وبذلك، تعد اللغة العربية حالياً أحد التخصصات الأكاديمية البارزة في إيران ويتم تدريسها في 3 مستويات: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، في اختصاصات اللغة العربية وآدابها، وترجمة اللغة العربية وآدابها، وتعليم اللغة العربية. كما تنشر، فصليا، كل جامعة عددا خاصا باللغة العربية، وتنظم مؤتمرات وأيام دراسية باللغة العربية، وتتم دعوة العشرات من الباحثين والأساتذة العرب للمشاركة.

إضافة إلى ذلك، تم إنشاء جمعيات علمية خاصة باللغة العربية، تصدر دوريا مجلات عربية خاصة بها مثل: الأقلام، والنسمات، ومجلة الرائد في جامعة مشهد. وتم إنشاء المجلة العلمية المحکمة للجمعية الإيرانية للغة العربية وآدابها عقب إنشاء الجمعية وحصولها على ترخيص رسمي من اللجنة المختصة باعتماد المجلات العلمية الإيرانية، وتُعنَى هذه المجلة بنشر المقالات البحثية المتعلقة بمجال اللغة العربية وآدابها منذ 9/11/ 2004.

وللإشارة، فقبيل نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، لم يكن لفرع اللغة العربية على الصعيد الجامعي وجود إلا في خمس جامعات في مرحلة البكالوريوس، أما في مرحلة الماجستير، فلم يكن سوى في جامعة طهران.

كما نشير إلى أن تخصص اللغة العربية في إيران يدرج ضمن كليات اللغة الفارسية والآداب والعلوم الإنسانية، على عكس اللغات الأخرى التي تدرس في قسم اللغات الأجنبية، وبذلك، لا ينظر إلى اللغة العربية على أنها لغة أجنبية بل كجزء من هوية إيران الخاصة ولغتها المحلية. بالإضافة إلى ما قيل نظراً لأهمية اللغة العربية، وبما أن 18 ديسمبر/كانون الأول تم تحديده بعنوان اليوم العالمي للغة العربية، فإن الجامعات الكبرى في جمهورية إيران الإسلامية تحتفل سنوياً بهذا اليوم من خلال إقامة مراسم متنوعة.

ومن جهتها، تُعتبر الحوزات الدينية في إيران أيضاً من المراكز الأخرى التي تهتم باللغة العربية، ويكفي تصفح أرفف مكتباتها لكي تشاهد الكم الهائل من الكتب العربية، فضلا عن تواجد المئات من الأساتذة والطلبة العرب الذين يزاولون دراستهم باللغة العربية.

وعن التداخل بين اللغتين العربية والفارسية في إيران، يقول الدكتور محمد علي آذرشب، الأستاذ البارز للغة العربية وآدابها في جامعة طهران:”نحن نؤمن بأن اللغة العربية ليست لغة للعرب فقط، بل هي لغة الحضارة الإسلامية من مضيق المغرب إلى جاكرتا في الشرق الأقصى”.

كما يمكن رصد الاهتمام الجاد لجمهورية إيران الإسلامية باللغة العربية بوضوح في وسائل الإعلام، حيث تمتلك الغالبية العظمى من وسائل الإعلام الإيرانية – سواء كانت حكومية أو غير حكومية، مرئية أو سمعية – قسما خاصا باللغة العربية. كما أُنشأت مؤسسات إعلامية عربية كقناة العالم. وتصدر بعض المجلات باللغة العربية كمجلة الوحدة الإسلامية والتوحيد والهدي ومجلة ثقافتنا وصحيفة الوفاق وكيهان العربي.

مما لا شك فيه أن هذا الاهتمام باللغة العربية ودسترتها وإدماجها في الحقل التعليمي ولد إنتاجا باللغة العربية، هل لكم أن تذكروا بعض العناوين؟

السيد جلال ميراقائي: صحيح، من أمهات الكتب الإيرانية التي نُشرت باللغة العربية بعد انتصار الثورة الإسلامية، نذكر:

• كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) للعلامة حسن المصطفوي، صدرت موسوعته في أربعة عشر مجلداً، تقع في 4856 صفحة من القطع العادي، بنى المؤلف كتابه هذا على فكرة إرجاع الكلمة إلى أصلها اللغوي الواحد، ثم البحث عن تطوره وتطبيقه على مختلف موارد الاستعمال في القرآن الكريم.

• الموسوعة القرآنية الشاملة، أو “المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته” للعلامة الإيراني محمد واعذ زاده الخرساني: يقع هذا العمل الفريد في 60 مجلدا.

يعد المعجم في فقه لغة القرآن وسر بلاغته أهم مشروع بحثي في مجمع البحوث الإسلامية التابع للعتبة الرضوية المقدسة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال علوم القرآن والدراسات القرآنية، تحت إشراف الراحل آية الله الشيخ محمد واعظ زادة الخراساني، أول أمين عام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وأحد أعلام التقريب، وقد كنت مساعده لمدة تفوق 10 سنوات.

يرتبط هذا المشروع القرآني العظيم بألفاظ القرآن الکریم وبلاغته وإعجازه البلاغي، وأُعتمد فیه على الترتیب الهجائي في دراسة المفردات القرآنیة وتبویبها، وبحث کل کلمة منها من ثلاث نواحٍ: اللغویة والبلاغیة والتفسیریة.

سیر مراحل العمل تمّ بشکل لوحظ فیه التحول والتطور لمعنی الکلمات القرآنیة بین علماء اللغة، وعلماء البلاغة والتفسیر، وتم جمع المباحث المتعلقة بالأبحاث اللغویة والتفسیریة والبلاغیة في مکان واحد لیتمکن القرّاء والباحثون من تطبیق الآراء المطروحة ومقارنتها في نفس الموضوع مع رعایة الترتیب الزمني لکلّ منها.

قام المؤلّف والمشرف على المشروع آية الله واعظ زادة الخراساني بترتيب مفردات القرآن وفق الحروف الأبجديّة وأورد شرح كلّ مفردة ضمن أقسام أربعة. في البداية يقدّم المؤلّف شرحاً مختصراً حول تركيبة كلّ مفردة وعدد المرّات التي تمّ استخدامها في مختلف السّور. ثمّ يتعرض لمعنى المفردة في المصادر اللّغويّة – حسب ترتيب تاريخ التأليف -، ثمّ بعد ذلك يتمّ التطرّق إلى آراء مختلف المفسّرين -منذ صدر الإسلام حتّى الزّمن المعاصر- حول تلك المفردة ويتمّ تحليل تلك المفردة وتأصيلها وبيان المعنى الحقيقي والمجازي لها من الناحية الأدبيّة.

وفي القسم الأخير الذي هو أهمّ الأقسام يتمّ إطلاع القارئ على الاستعمالات القرآنية لتلك المفردة بناء على تأمّل الكاتب وتحليله للمعلومات. من خلال هذا الأسلوب يتمكّن الباحث القرآني من الاستغناء عن المعاجم الأخرى والعثور على المعنى الدقيق للمفردة والاستفادة من تحليل المؤلفين بعد اكتسابه المعلومات اللغوية، التفسيرية والأدبية. في الحقيقة فإنّ هذا الكتاب أكثر من مجرّد معجم، إذ يضمّ بشكل من الأشكال موسوعة من المعارف القرآنيّة

أهم خصائص الكتاب:

في مجال الألفاظ ومعاني المفردات وجذورها تمّ الرجوع إلى أمهات كتب اللغة العربية وأكثرها أصالة وتوثيقا، كما يضم الكتاب الكثير من آراء المفسرين مهما اختلفت، وهذا يعتبر ميزة فريدة يختص بها الكتاب، لأنه لا يوجد أي كتاب آخر اهتم بهذا المقدار بنقل مختلف أراء المفسرين ونظرياتهم سواء كانوا من المتقدمين أو المتأخرين.

من الجدير ذكره أنّ سماحة السيد قائد الثورة كان قد أشاد بكتاب “المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته” وذلك في كلمة له في الحرم الرضوي الشريف في العام 2004م، واقترح تسمية هذا الكتاب باسم “الموسوعة القرآنية الكبرى”.

كلمة الإمام الخامنئي

بسم الله الرحمن الرحيم

حول كتاب “المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته” بإشراف: الأستاذ محمدّ واعظ زادة الخراساني “هذا الكتاب، كتاب مميّز جدّاً. لقد لاحظت خلال مراجعاتي له بأنّه أفضل من كلّ ما شاهدته في هذا المجال. هذا (الكتاب) ليس مجرّد معجم؛ هو موسوعة ودائرة معارف قرآنيّة. بل قد تمّ فيه نقل العديد من الأقوال والآراء -بشكل تفصيلي- وأضيفت بعض التحليلات في نهاية كلّ مبحث. إسم معجم صغير جدا على هذا الكتاب. هذا الكتاب كتابٌ قيّم ومفيد نفتقد لمثله. يفتقد أهل السنّة أيضاً -المصريّون على وجه الخصوص الذين أنجزوا العديد من الأعمال في هذا المجال- لمثل هذا الكتاب. فلترسلوا نُسخاً منه إلى المكتبات الهامّة مثل مكتبة جامعة الأزهر.”

• المخطوطات العربية في الجمهورية الإسلامية، ودور هذه الأخيرة في حماية التراث الإسلامي العربي

– تشير بعض الأبحاث إلى وجود العديد من المخطوطات العربية في مكتبات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فماهو دور هذه الأخيره في حماية التراث الإسلامي العربي؟

– السيد جلال ميراقائي: تزخر مكتبات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأعداد كبيرة من المخطوطات العربية النفيسة والنادرة، والتي تناولت شتى أصناف المعرفة الإنسانية وموضوعات العلوم البحتة، وكل ما أفرزته الحضارة الإسلامية عبر قرون عديدة من علوم، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية من أهم الدول التي يوجد فيها مخطوطات عربية، فقامت بحفظها أيما حفظ. يذكر عبد الستار الحلوجي في كتابه “المخطوطات الإسلامية في العالم” أن عدد المخطوطات فيها يقدّر بحوالي مئتي ألف مخطوطة، والسبب في ذلك أن بلاد فارس كانت محط أنظار المسلمين الأوائل، حيث وفد الآلاف من العلماء والكتاب والدارسين العرب إليها ينهلون من علومها، ويمنحونها علمهم”.

تتوزع المخطوطات في إيران في تسع عشرة مدينة صدر لها نحوُ مئتي فهرس، أبرز هذه المدن طهران وتبريز وأصفهان وزنجان وقم ومشهد، أما أهم المكتبات فمكتبة “آية الله مرعشي النجفي” التي تحوي قرابة 40 ألف مخطوط إسلامي نادر، و”مكتبة العتبة الرضوية المقدسة” التي تضم نحو 26 ألف مخطوطة، والمكتبة الوطنية الإيرانية التي تضم قرابة 18 ألف مخطوطة.

ومن أبرز المخطوطات الموجودة، نسخة من المصحف الشريف مكتوبة على الورق بالخط الكوفي جاء في آخرها “كتبه علي بن أبي طالب سنة أربعين من الهجرة”، وكتاب “المرصع” لابن الأثير مكتوبة بخط يد المؤلف نفسه، ونسخة من “آداب الفلاسفة” لحنين بن إسحاق وهي مخطوطة قديمة جدًّا يعود تاريخ كتابتها لعام 249هـ.

يذكر الباحث أ. حامد الخفاف في بحثه عن “مخطوطات اللغة العربية في مكتبات إيران” أهم المخطوطات العربية، وكيف حافظت عليها إيران في مكتباتها، ومن أهم هذه الكتب:

1. تاج اللغة وصحاح العربية. تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري (393هـ).

2. تهذيب اللغـة. تأليف: أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 / 370 هـ).

3. الغريبين في القرآن والحديث للعلامة أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة 401هـ.

4. الفائق في غريب الحديث للعلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري ت 538هـ.

5. غريب القرآن للإمام أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني، المتوفى سنة 330هـ.

6. معاني القرآن لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج المتوفى سنة 311هـ.

مخطوطات نفيسة في مكتبات إيران:

1 – المرصع لابن الأثير، نجد هذه النسخة في مكتبة الإمام الرضا في مشهد تحت رقم 3692، وهي نسخة الأصل بخط المؤلف.

2 – المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي، وهي النسخة الأصل بخط المطرزي، ونجدها في مكتبة ملك الأهلية تحت رقم 6057، وتوجد نسخ مهمة أخرى من الكتاب في عدة مكتبات إيرانية.

3 – المصباح المنير للفيومي أحمد بن محمد بن علي، ونجد هذه النسخة في دار الكتب الوطنية في شيراز “مكتبة فارس العامة”، وذُكر في فهرسها 1 / 171 أنها نسخة الأصل بخط المؤلف، وتقع في 393 ورقة، ورقمها الخاص هو 194.

4 – مختصر كتاب العين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب الاسكافي، وهي نسخة فريدة في مكتبة الإمام الرضا في مشهد، تحت رقم 7346. كتبت سنة 383هـ.

5 – ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم لأبي عبد الله محمد بن نشوان بن سعيد الحميري، لخّص فيه كتاب أبيه. تقع دورة كاملة منه في ثلاثة مجلدات مكتوبة في القرن السادس في حياة المؤلف، وهي في المكتبة المركزية في جامعة طهران رقم 226 و227 و228، وكانت من كتب مكتبة شاه چراغ ابن الأمير تيمور الكوركاني، ثم انتقلت إلى الحجاز، ثم اشتريت في سنة 911م وأعيدت إلى إيران.

6 – تهذيب اللغة للأزهري

7 – ديوان الأدب وميزان كلام العرب لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي المتوفى سنة 350 ه، خال الجوهري صاحب الصحاح.

8 – معاني القرآن للزجاج: نجد هذه النسخة في مكتبة مجلس الشورى تحت رقم 6064، كتبت سنة 504هـ

9 – المقصور والممدود لابن دريد: نجد هذه النسخة في مكتبة الإمام الرضا في مشهد تحت رقم 4384، كتبت سنة 618

10 – الفائق في غريب الحديث للزمخشري، فرغ منه في ربيع الثاني سنة 516 في طريق مكة.

11 – الغريبين لأبي عبيد الهروي

12 – غريب القرآن (نزهة القلوب) للسجستاني محمد بن عزيز المتوفى سنة 330: نجد هذه النسخة في مكتبة مجلس الشورى

13 – الفصيح لثعلب: نجد النسخة في مكتبة ملك في طهران ضمن المجموعة رقم 1240

14 – المثلث لمحمد بن جعفر القيراوي: نجد هذه النسخة في مكتبة الإمام الرضا في مشهد تحت رقم 3756، كتبت سنة 603

15 – المثلثات لقطرب: نجد هذه النسخة في مدرسة نمازي في خوي. كتبت سنة 667هـ.

16 – فتيا فقيه العرب لابن فارس: نجد هذه النسخة في مكتبة الإمام الرضا كتبت سنة 617، وتحمل رقم 4379

17 – وجوه القرآن ونظائره لأبي هلال العسكري، تقع في 29 باباً حسب حروف الهجاء، ونجد النسخة في المكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن المجموعة رقم 5470، كتبها محمد بن حسن ابن محمد بن أحمد الحافظ الرهقي في مدينة آبه، وفرغ منها في العشر الثالث من ربيع الأول سنة 547

18 – تلخيص البيان في مجازات القرآن للسيد الرضي ت (406هـ). نجد هذه النسخة في المكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن المجموعة رقم 5471، كتبها محمد بن حسن ابن محمد بن أحمد الحافظ الرهقي في مدينة آبه، وقابلها مع نسخة السيد الإمام علم الهدى ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي في حياته سنة 564هـ.

19 – النهاية لابن الأثير، ألفه سنة 600 وبيّضه سنة 604، نجد نسخة الجزء الرابع في مكتبة الإمام الرضا في مشهد تحت رقم 3701، كتبت سنة 689.

20 – أساس البلاغة للزمخشري

21 – إيجاز الغرائب وإنجاز الرغائب لأبي الفتوح عبد الرزاق بن علي البيهقي، وهي مخطوطة بخط مغربي مشكولة، تاريخ إنجازها هو ربيع الأول سنة 608 وتقع في 254 ورقة، ونجدها في مكتبة السيد المرعشي تحت رقم 821.

22 – السامي في الأسامي للميداني

23 – التنبيه والإيضاح عما وقع في كتاب الصحاح لابن بري محمد عبد الله بن عبد البر القدسي البصري. نجد نسخة الجزء الثالث منه في دار الكتب الوطنية في تبريز، كتبها عبد الله الفقير الحلبي، وفرغ منها في ذي الحجة سنة 686.

24 – شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ: المتن والشرح كلاهما لابن مالك، ونجد نسخة قديمة بخط ابن العتايقي عند السيد محمود المرعشي، كتبها في المستنصرية في بغداد في 8 رجب سنة 734.

25 – العشرات: نجد هذه النسخة في المكتبة المركزية في جامعة طهران تحت رقم 1355 بخط محمد بن أحمد بن علي القضاعي، فرغ منها في 12 ربيع الأول سنة 760.

كما ويذكر أ. إياد الطباع كتبا أخرى، ففي خزانة حاج حسين ملك التمار في طهران طائفة قيّمة من أصول التاريخ ودواوين الأدب وكتب العلوم مثل:

– ديوان الأدب في اللغة للفارابي، نُسخ سنة ٤١٩.

– كتاب شرخ الثمرة لبطليموس لأحمد بن يوسف المصري المهندس كاتب آل طولون، نسخ سنة ٣٧١.

– الوجيز للغزالي، نسخ سنة ٥٨٤.

– الشفاء لابن سينا، نسخ سنة ٥٠٩.

– القانون في الطب، نسخ سنة ٥٩١.

وفي دار الكتب الرضوية، يذكر:

– نثر الدر للآبي، نسخ سنة ٥٦٥.

– ديوان المتنبي، نسخ سنة ٥٩٧.

– معاني القرآن للأخفش الأوسط، نسخ سنة ٥١١.

– حقائق التأويل للشريف الرضي، نسخ سنة ٥٢٢.

– زاد المسير في التفسير لابن الجوزي، نسخ سنة ٦٣٤.

– نهج البلاغة بخط ياقوت المعتصمي، نسخ سنة ٧٠١.

وفي دار الكتب الوطنية بطهران:

– حاشية تفسير البيضاوي لأسد بن معين الدين بخطه سنة ٩٩٣.

– الوشي المرقوم في حل المنظوم، لضياء الدين بن الأثير بخطه.

– الوسيط في المذهب للغزالي، نسخ سنة ٧٥٢.

– الطبقات لابن سعد، نسخ سنة ٦٧٩.

– بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس بخط المؤلف.

– شرح الحكم العطائية لابن عبّاد الرندي، نسخ سنة ٧٠٥.

– المغرب في اللغة للمطرزي، نسخ سنة ٦٤٦.

وفي خزانة مجلس الشورى:

– رسائل إبراهيم بن هلال الصابئ الحراني، مكتوبة في القرن الخامس.

– تهذيب: إصلاح المنطق لأبي زكريا التبريزي كتب في بغداد سنة ٤٩٧.

– بحار الأنوار للمجلسي ج ٥ المتوفى سنة ١١١١ مكتوباً في عصر المؤلف وعليه خطه.

– مواقع النجوم، لابن العربي، كتب سنة ٦٥٣.

– ديوان المتنبي بخط صفي الدين إسماعيل بن عبد الله السعدي الشافعي سنة ٥٩٦.

– مجموع كتب جالينوس الحكيم، عليه قراءة سنة ٧٠٦.

– المختصر في الطب لعلي بن محمد المتطبب الأبرزي بخطه سنة ٧٩٦.

إضافة إلى تلك العناوين نجد أن نسخة من (المغني) لابن هشـام بخطه متوافرة في خزانة فخر الدين النصيري في طهران، ونسخة من الجزء الأول من (التهذيب في التفسير) للحاكم الجشمي في مكتبة الكَلبيكَاني، وقد كتب في القرن السادس، والنسخة نفسها يوجد منها ثلاثة أجزاء في الفاتيكان.

• المرشد السيد خامنئي في مذكراته: أهتز من الأعماق عند سماعي اللغة العربية

– لا شك أن إهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية باللغة العربية نابع من عناية خاصة بها من قبل قادتها، فما مدى إرتباطهم بهذه اللغة؟

-السيد جلال ميراقائي: إهتم الإمامان، الخميني قدس الله سره، والإمام الخامنئي دام ظله، باللغة العربية، وألفا بها مجموعة من الكتب، فقد ألف الإمام الخميني عددا من الكتب باللغة العربية ككتاب شرح دعاء السحر، إذ ألفه في عام 1347 هـ عندما كان في 27 من عمره، حيث صادف كتابته مع عام وصول الشيخ محمد علي الشاه آبادي إلى قم، وقد نقل عنه الإمام في هذا الكتاب بعض المطالب. وعلى هذا الأساس فإن تاليف هذا الكتاب قد وقع في السنة الأولى التي تتلمذ فيها عند الشاه آبادي، حيث ذكر السيد الخميني عند لقائه الأول مع الشاه آبادي، أنَّه قد قرأ الفلسفة وعمل في العرفان ورأى أستاذاً. وقد تمت ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية.

يذكر موقع ويكي شيعة مجموعة من الكتب ككتاب “مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية”: هذا الكتاب هو عبارة عن بيان للحقيقة المحمدية والولاية العلوية، وقد طُبع مع الترجمة الفارسية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. تم الانتهاء من تأليفه سنة 1349 هـ، ولا يمكن مطالعة هذا الكتاب وكتاب شرح دعاء السحر إلا لمن له معرفة بالعرفان واصطلاحاته.

وكتاب “تعليقة على شرح فصوص الحكم”: يعد كتاب فصوص الحكم من تأليف محيي الدين بن عربي، وقد كتبت لهذا الكتاب شروح عديدة، يُعدّ أبرزها ما كتبه القيصري. وفي عام 1355 هـ (1936 م)، كتب الامام الخميني (قدّس سرّه) تعليقة باللغة العربية على شرح فصوص الحكم للقيصري، حيث علق الإمام الخميني على هذا الشرح بعد أن أكمل دراسته ولمدة 7 أعوام عند الشاه آبادي، وكانت كتابته للتعليق في نفس الأعوام التي حضر فيها عند أستاذه. في هذه التعليقة يرجع السيد الخميني القارئ إلى كتابه مصباح الهداية ويذكر فيها كذلك الشاه آبادي، ويتألف كتاب شرح فصوص الحكم من 495 صفحة علق الإمام الخميني على 396 صفحة.

والجدير بالذكر أن الإمام الخميني درّس ولمدة ثلاثين عام أو أكثر الفقه الإستدلالي باللغة العربية، والكتب التي كتبها في هذا المجال وفي الفقه بشكل عام كلها باللغة العربية، ومن أهم هذه الكتب: الطهارة، والمكاسب المحرمة، والبيع، والخيارات، والخلل في الصلاة، والتقية، ورسالة في قاعدة في ملك، ورسالة في تعيين الفجر في الليالي المقمرة.

ومن مؤلفات الإمام الخميني في أصول الفقه كلها باللغة العربية، نذكر:

– رسالة في قاعدة لا ضرر

وإن كانت قاعدة لا ضرر من القواعد الفقهية، إلا أنها بحثت في الكتب الأصولية في بحث البراءة، وقد كتب الإمام الخميني هذه الرسالة عندما كان يُدرس الدورة الأولى من أصول الفقه، وتم الانتهاء منها في شهر جمادى الأولى سنة 1368 هـ، وهي عبارة عن 68 صفحة، نُشرت مع مجموعة من الرسائل في قم، تحت عنوان (الرسائل) سنة 1385 هـ.

– رسالة الإستصحاب

كُتبت هذه الرسالة في الدورة الأولى من أصول الفقه، وتم الانتهاء منها في شهر رمضان سنة 1370 هـ، تقع في 290 صفحة، نُشرت مع مجموعة من الرسائل في قم تحت عنوان (الرسائل) سنة 1385 هـ.

– رسالة في التعادل والتراجيح

كتب الإمام الخميني هذه الرسالة عندما كان يُدرس الدورة الأولى من أصول الفقه، حيث يُعتبر مبحث التعادل والتراجيح من المباحث التكميلية في علم أصول الفقه، يدور حول معالجة التعارض في انتخاب الدليل في مقام تعارض الأدلّة، وتم الانتهاء منها في شهر جمادى الأولى سنة 1370 هـ، وهي عبارة عن 92 صفحة، نُشرت مع مجموعة من الرسائل في قم، تحت عنوان (الرسائل) سنة 1385 هـ.

– رسالة الإجتهاد والتقليد

بما أنَّ نهاية الدورة الأولى من أصول الفقه للإمام الخميني كانت سنة 1370 هـ، فإن تاريخ انتهاء هذه الرسالة كان في نفس السنة، وقد نُشرت في قم في نفس كتاب الرسائل سنة 1385 هـ، وتقع في 78 صفحة.

– رسالة في الطلب والإرادة

وهو كتاب فلسفي وعرفاني، أتمّ الإمام الخميني تأليفه في عام 1371 هـ (1952م). طبعت هذه الرسالة مع ترجمة لها باللغة الفارسية في كتاب يقع في 157 صفحة في عام 1983 م من قبل مركز المنشورات العلمية والثقافية في طهران، وبما أنَّه طرحه في درس أصول الفقه فقد ذُكر ضمن مؤلفاته الأصولية.

– أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية

يتناول هذا المباحث العقلية في علم أصول الفقه، كتبه الامام الخميني باللغة العربية وعلى شكل حاشية على المباحث المذكورة في كتاب كفاية الأصول لآية الله العظمى الآخوند الخراساني، وقد أتمّه عام 1368 هـ. يوضح هذا الكتاب آراء ومدرسة الامام الخميني الأصولية. طبع (في عام 1993 م) في مجلدين من قبل مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام (قدّس سرّه).

– مناهج الوصول إلى علم الأصول

وهو كتاب تحقيقي واجتهادي في مباحث ألفاظ علم أصول الفقه، كتبه باللغة العربية، بعد عام 1370 هـ/ 1951 م، وصدر في مجلدين في عام 1993 م مع تعليقات وفهارس ومقدّمة كتبها آية الله فاضل اللنكراني، وقد اهتمت بطبعه مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني (قدّس سرّه).

ومن كتبه باللغة العربية، نذكر أيضا:

– مناسك الحج

صدر هذا الكتاب عدّة مرّات باللغتين العربية والفارسية من قبل دور نشر مختلفة خلال ثلاثة عقود من مرجعيّة سماحته، وطبع باللغة الفارسية لأوّل مرّة في شوال سنة 1381 هـ من قبل «المطبعة العلمية» في قم.

– تحرير الوسيلة

وهو كتاب يحوي فتاوى الإمام الخميني، كتبه باللغة العربية أثناء وجوده في منفاه الأول تركيا وذلك بين عامي 1964 و1965 م، وطبع في مجلدين ــ يحتوي على 1309 صفحات ــ في النجف الأشرف، ثم أعيد طبعه لمرات عديدة في النجف وبيروت وإيران.

– ملحقات توضيح المسائل

يحتوي كتاب تحرير الوسيلة على مسائل جديدة ومستحدثة، ولكنها باللغة العربية، وبما أنَّ هذه المسائل ضرورية أيضاً للمتحدثين باللغة الفارسية، فقد تم ترجمتها إلى اللغة الفارسية وإرفاقها مع بعض المسائل التي تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لم تكن في توضيح المسائل، لذلك كُتبت تحت عنوان ملحقات توضيح المسائل، طُبعت بشكل مستقل أو مع توضيح المسائل.

– الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه

طبع هذا الكتاب قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية عدة مرات باللغة العربية والفارسية، يضم الكتاب آراء الإمام الاجتهادية حول الحكومة الاسلامية، وحول عدم امكانية الفصل بين الدين والسياسة، وحول ولاية الفقيه في زمن الغيبة، وقد عرضها الإمام على شكل سلسلة من الدروس، كان قد ألقاها في النجف الأشرف وذلك عام 1969 م. صدر الكتاب في عام 1993 م، ضمّت مقدمة وتوضيحات وفهارس، وذلك من قبل مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني

ومن جهته، لا يقل الإمام الخامنئي الأديب شأناً عن الخامنئي السياسي، فلم تشغله الحياة السياسية والفكرية والجهادية من الإبحار في عالم الشعر والأدب، فالإمام، دام ظله، وضع بصمة حضارية قلماً نجدها في أي عالم دين أو زعيم متمرس لايهادن في مواصلة قيادة أمة عظيمة، إذ استطاع من منطلق موقعه القيادي أن يوجه مسارات الدولة سياسياً واجتماعياً وحتى ثقافياً، بفضل رعايته للآداب بإعتباره أديباً مرهفاً ترنم بهواه في الله، ولطالما شجّع المبدعين على السير في هذا الاتجاه. لذلك، لن يكون عجيباً من سماحته أن يعقد جلسات حول الأدب العربي القديم والجديد، ويتحدث فيها باللغة العربية، كما يلقى عددا من خطبه بهذه اللغة.

وكأمثلة عن عنايته باللغة العربية، أصدر السيد خامنئي بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية كتابا موسوما ب:”إن مع الصبر نصرا”، وهو كتاب صادر عن مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي، يوثق جانباً من مذكراته، ويضم في فصوله الخمسة عشر محطات من حياته الاجتماعية والعلمية والثورية خلال الأربعين عاماً الممتدة من ولادته وحتى انبلاج فجر الثورة.

جاء الكتاب ثمرةً لحوارات عفوية تم تسجيلها أثناء جلسات كان يقيمها قائد الثورة الإسلامية –قبل عقدين من الزمن- على نحو أسبوعي ويتناول فيها مواضيع مختلفة باللغة العربية، كان يعود خلالها في بعض كلامه إلى مشاهد من فترة النهضة وذكريات السجون والمنفى، وجد البعض في تحريرها ضرورة وفي نشرها إفادة، فاستجاب سماحته لذلك وبدأ بقص ذكرياته بالعربية.

أُستهل الكتاب بإهداء خطي من سماحة الإمام الخامنئي إلى شباب العرب وإليكم مقدمة الكتاب بخط قائد الثورة الإسلامية:

مقدمة الكتاب:

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وبعد، صحيح أن هذه المذكرات إنما ألقيتها باللغة العربية ـ وهي اللغة التي أحبها من صميم قلبيـ إلا أن لهجتي التي أمليت بها تلك القصة الطويلة، لم تكن لهجة العربي الذي يتكلم لغته التي تعلم بها منذ نعومة أظافره، بل كانت لهجة الأعجمي الذي لا يحسن التكلم بالعربية فهو حين يتكلم يكون دائماً على وشك الغلط في البيان، أو الركاكة في التعبير، أو الضعف في التأليف، أو استعمال كلمة دارسة لا يستعملها الناطقون باللغة العربية في هذا العصر، أو عدم تذكر الكلمة المحتاج إليها في بيان المراد، أو حتى عدم العلم بها.. فهو يتكلم بتلكؤ وعلى حذر من الانزلاق، كمن يمشي على طريق صعب غير معتاد عليه.

والمعلوم أن الحوار على مثل ذلك النمط يختلف كثيراً عما يجده القارئ في هذا الكتاب، من الفصاحة في التعبير، والعذوبة في البيان، والاتزان في تنسيق العبارات، واستخدام كلمات يستسيغها ـ عادةً ـ كل من يقرأ هذه الصفحات..

فلا بد أن يكون القارئ الكريم على علم بأن كل هذا الجمال والكمال إنما هو من فضل تصرف الأخ الأديب الفاضل الدكتور (محمد علي آذرشب) في الترتيب والتنسيق وتحسين اللفظ وتزيين العبارات، ـ طبعاً بغير إذني تصرف في المطلب والمعنى والمراد ـ فله الشكر.

ولله الحمد أولاً وأخرا..

ثم إني أحب أن أُهدي الكتاب إلى الشباب العربي الذين يعيشون في نفس سنيّ صاحب المذكرات حينما كانت تمر عليه تلك الأحداث.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

سيد علي حسيني خامنائي

مقتطفات من الكتاب:

في الجزء 1 “حب اللغة العربية”، الفصل 3 بعنوان “ضفاف دجلة”، قال السيد خامنئي، حفظه الله: “أمي عربية النشأة، رحل جدها من إصفهان إلى النجف، وهو من أسرة الميردامادي المتوطّنة في نجف آباد من أعمال إصفهان، ولها فروع في النجف الأشرف. والدها من العلماء الفضلاء، ولغته عربية، فالوالدة نشأت في بيت يتكلم العربية، قبل بلوغها رحلت إلى إيران مع أسرتها، ولذلك كانت تتقن العربية الدارجة في النجف، وكانت الوالدة تتقن القرآن، وعلى علم بالحديث الشريف وبالكتب العربية.

هذه كانت البداية..

وفي المدرسة الابتدائية تعلمتُ قواعد اللغة العربية من خلال كتاب “جامع المقدمات” عند بعض المعلمين المعممين في المدرسة، وفي الحادية عشرة أو الثانية عشرة بدأتُ بدراسة علوم العربية بشكل جادّ متواصل، وكل أشقائي كانوا يشاركونني هذا الجوّ، غير أني كنتُ مولهاً باللغة العربية بشكل خاص.

كان العراقيون يزورن مشهد على شكل مواكب، ويتجمعون في صحن الإمام الرضا عليه السلام، فيتلون الأشعار، ويلقون القصائد، كنت أقف ساعات طويلة مشدوداً إليهم، أستمع بإصغاء شديد إلى كلماتهم، وأستأنس كثيراً لأقوالهم”.

حبّه للغة العربية…

يقول السيد الخامنئي: “يعتريني شعور خاص حين أستمع إلى اللغة العربية، وأهتز من الأعماق لسماع هذه اللغة. كنت دائماً أحب لو عشت شطراً من أيام طفولتي في منطقة عربية، سواء في إيران أو غيرها، لكثرة حبّي لتعلّم العربية، والواقع أن الإيرانيين عامة والمتدينين بشكل خاص يحبّون اللغة العربية بدرجة وأخرى، والعلاقات الأخوية القائمة على مر التاريخ الإسلامي بين الإيرانيين وجيرانهم العرب ليس لها نظير بين أي شعبين من شعوب العالم..”.

وفي الكتاب السالف الذكر، تحدث المرشد عن أنه كان خلال سفره إلى العراق يبذل جهده كي يتكلم باللغة العربية فقط، وكيف كان يواجه أحياناً مشكلة الفرق بين الفصحى والعامية، وكيف كان يبحث عن منطقة في العراق لا تتحدث الفارسية كي يتكلم العربية وحدها، فيذهب إلى الكاظمية في بغداد لأجل ذلك.

وقد ترجم المرشد الخامنئي بعض الكتب من العربية إلى الفارسية وبينها كتاب “دمعة وابتسامة” للأديب اللبناني الشهير جبران خليل جبران، بعد قراءته لبعض كتبه، وهو أول عمل ينقله من العربية إلى الفارسية، وبعدها ترجم بعض كتب سيد قطب ومحمد قطب.

وفي حديثه عن إهتمام السيد خامنئي باللغة العربية، يقول الدكتور محمد علي آذرشب:” أساساً بدأت العلاقة عبر اللغة العربية، وبعد ذلك تطورت من اللغة إلى الأدب العربي. تحتل العربية مكانة مهمة لدى السيد القائد وفي منظومته الفكرية لأسباب عديدة أولها القرآن الكريم. طبعاً اهتمام السيد القائد بالقرآن الكريم معروف جداً، وأعتقد أن أهم ما شغله في كل أعماله بعد القضايا السياسية والمنظومة الفكرية هو القرآن الكريم. لقد حاضَرَ في القرآن الكريم وقدّمه بطريقة معاصرة وبصورة حركية وحضارية، أي قدّم القرآن الكريم في إطار حضاري، وإضافة إلى ذلك اهتم بقراءة القرآن. أنتم تعرفون أن أول من نشر القراءات المصرية في إيران هو السيد القائد. كان أحد الذين كانت لديهم رغبة قوية في أن يتعرّفوا إلى القراء المصريين كافة، وكان يحتفظ بتسجيلاتهم ويستنسخها ويوزعها في أنحاء إيران. الحقيقة هي أن إيران تعرفت إلى القراء المصريين عبر السيد القائد. من هنا، من الطبيعي أن يكون الإنسان له هذا الاهتمام بالقرآن الكريم، ويكون له اهتمام أيضاً باللغة العربية، لأن لغة القرآن هي العربية.

إضافة إلى ذلك، ومن اهتمام السيد القائد بالقرآن الكريم، ترجَم سماحته كثيراً من الأمور القرآنية العربية إلى اللغة الفارسية، فمثلاً ترجم الجزء الأول من «في ظلال القرآن» إلى الفارسية، والترجمة رائعة للغاية، حتى أن الإنسان حينما يقرأ هذه الترجمة لا يمكن أن يفهم أنها مترجمة، بل يتصور أنها مكتوبة بالنص الأصلي… على كل حال اهتمامه بالقرآن الكريم سواء على مستوى المفاهيم أو النشر أو ترجمة الموضوعات القرآنية إلى الفارسية كانت من المحاور المهمة التي جلبت السيد القائد إلى اللغة العربية. هناك مسألة أخرى أيضاً في ذهن السيد القائد، أي المنظومة الفكرية للسيد القائد… كان يعتقد أن من لا يفهم أو يكون له ذوق في الأدب العربي لا يمكن أن يتذوق القرآن والحديث الشريف، وطبعاً القرآن والحديث هما المصدران الأساسيان للمسلمين، وأنا من اطلاعي ودراستي وجدت أن الفقهاء الكبار، أي الذين قدموا أشياء جديدة وقدموا ابتكارات وأحدثوا تطوراً في الحركة الفقهية، كانوا يجيدون الأدب العربي ولهم ذوق فيه، فقد كانوا شعراء وكان لهم ذوق في الأدب العربي ابتداء من الشريفين الرضي والمرتضى حتى اليوم. ثم إنّ السيد القائد – لا بأس أن أخبركم بذلك – كان منذ نعومة أظفاره مهتماً بوحدة الأمة الإسلامية، فالاهتمام الذي نجده اليوم على لسان السيد القائد بوحدة الأمة عبر مجمع التقريب بين المذاهب وعبر المحاضرات التي يلقيها وأيضاً أسبوع الوحدة الإسلامية موجود عند السيد القائد منذ نعومة أظفاره، ومن الطبيعي أن يكون التوجه نحو وحدة الأمة الإسلامية أيضاً توجهاً نحو اللغة العربية لأنها ما يجمع الأمة الإسلامية على الأصعدة المختلفة، كما أنها لغة حضارية، فالعربية بعد ظهور الإسلام لم تكن لغة قومية بل هي لغة الحضارة الإسلامية كما أنها لغة حضارية. وبالمناسبة اللغة الفارسية كذلك، واهتمام السيد القائد أيضاً بالفارسية كبير جداً، وهو يعتقد أنها إلى جانب العربية تشكلان اللغة الحضارية للعالم الإسلامي، ومن ذلك مثلاً اهتمامه بإقبال اللاهوري، وإقبال لم يأتِ يوماً واحداً إلى إيران لكن كل دواوينه بالفارسية، ما يدل على أن هذه اللغة هي لغة الحضارة الإسلامية أيضاً إلى جانب العربية. فاهتمام سماحته اهتمام حضاري ومن منطلق القرآن ومن منطلق الفقاهة والحضارة الإسلامية، فالسيد الخامنئي له ارتباط قوي باللغة العربية”.

وعن علاقة السيد المرشد بالإخوة العرب في خوزستان خلال السجن ما قبل الثورة الإسلامية، أي مرحلة النضال، وعلاقته أيضا بالأدباء العرب الإيرانيين، يقول الدكتور آذرشب: ” نعم. في الواقع، كان السيد الخامنئي ينجذب إلى كل نطق عربي، إذ يقول: «كان العراقيون يأتون إلى صحن الإمام الرضا (ع) ويقيمون مجلس عزاء ومجلس لطم على الإمام الحسين (ع)، فكنت أجلس معهم وأقف لأستمع لكلامهم العربي». إنه ينجذب إلى كل كلام عربي. وبالمناسبة حينما سُجن في «قزل قلعه» كان هناك أيضاً بعض الإخوان العرب فانجذب إليهم. هذا الانجذاب طبيعي جداً. طبعاً كان هؤلاء العرب في «قزل قلعه» من أنصار «حركة تحرير الأحواز»، أو غيرها، وكانت حركة قومية تقريباً. لكن السيد الخامنئي جلس معهم واتصل بهم وحتى خاطب بعضهم للإنتماء لتنظيم إسلامي معين، وغيّر كثيرون منهم انتماءهم. ولذلك بقيت هناك اتصالات مستمرة حتى بعد خروجه من السجن، فكانت هناك علاقة عاطفية وفكرية وعلاقة ارتياح بينه وبين هؤلاء الإخوان العرب، ثم – كما قلتم – استمرت هذه العلاقة، فحينما يذهب إلى خوزستان كان يتحدث مع الإخوان العرب بالعربية. وبالمناسبة حينما يذهب إلى خوزستان كانت تأتي العشائر العربية بأعلامها كل واحد يحمل علم العشيرة الخاص به ويرحبون به ويستقبلونه…

مرة رغب السيد أن تكون له جلسة شعر مع شعراء خوزستان فعُقدت الجلسة ولا يزال السيد يتذكرها بأنها أعظم جلسة شهدها في ذلك الوقت، فلقد استعاد السيد فيها ذكرياته في السجن وأيضاً ذكرياته في علاقته بالعرب وباللغة العربية، وألقى محاضرة جيدة في هذا الجمع بعدما استمع لشعر الشعراء، وغير ذلك. كانت جلسة قوية جداً وكان الشعراءُ العرب متحمسين جداً أن ينشدوا أشعارهم أمام السيد القائد. بعدما انتهت الجلسة جاءني واحد وقال لي: «أريد أن أرى السيد». قلت له: «من أنت؟» لقد كان من العرب الموجودين هناك. قال: «أنا السيد كاظم». قلت له: «هل أنت السيد كاظم بارزِخان؟». قال: «نعم… نعم… نعم… أنا هو». فتذكرت أن السيد القائد تحدث في مذكراته عن هذا السيد، كاظم، وقال إنه كان يقرأ لنا أشعاراً بالعربية وبأسلوب خاص». قلت للسيد [الخامنئي] إن السيد كاظم موجود هنا. فتعجب جداً. خرجت فوجدت أنه قد سافر إلى بلدته في ماهشهر، فاتصلت به – كان رقم تلفونه عندي – وقلت له: «ائتِ بسرعة إلى السيد القائد فهو يريد أن يراك»، فجاء الرجل إلى السيد القائد ثم كانت هناك جلسة في محافظة خوزستان وأنشد أشعاراً حول الإمام علي (ع)، والسيد الخامنئي بكى لأنه تذكر الأيام التي كان يسمع فيها هذه الأشعار وهو في السجن. على كل حال، استمرت هذه العلاقة ولا تزال موجودة أيضاً قلبياً وعاطفياً وفكرياً بين السيد الخامنئي وبين هؤلاء الإخوان العرب لأن السيد انفتح عليهم… هذا هو المهم: صحيح أن السيد فارسي وإيراني لكنه منفتح على العالم العربي ومنفتح على العرب خاصة. هو مرة قال: «إذا عز العرب، عز الإسلام، وإذا ذل العرب، ذل الإسلام». هذه المقولة مهمة جداً، فهو يهتم جداً بعزة العرب وبعزة المسلمين عامة ولذلك علاقته أيضاً – كما تفضلتم – استمرت مع هؤلاء العرب الخوزستانيين. وطبعاً بعض هؤلاء – مع الأسف – أُعدموا [على يد النّظام البهلوي] بعد خروج السيد من السجن وبعد افتراقهم عن السيد، وبعضهم بقوا ولهم علاقة الآن بالسيد.

• خاطرة يرويها الإمام الخامنئي باللغة العربية نقلاً عن رفيقه خلال فترة الاعتقال التي أمضاها في سجن النظام الشاهنشاهي.

اقترب [الموسوي القوتشاني] من زنزانتي وصار يتحدّث إليّ باللغة العربية وبلحن يشبه قراءة الدعاء، وبطريقة تجعل المستمع الذي لا يفقه اللغة يظنّ أنّه يقرأ دعاءً معيّناً. ما أذكره ممّا قاله لي كان على سبيل المثال:

السّلام عليك أيّها السيّد. لا أستطيع أن أشرح لك إلى أيّ حدٍّ قاموا بتعذيبي. لست أعلم إذا مُتُّ على هذه الحال، هل أكون في عداد الشهداء؟

بعد انتهائه من الكلام، أجبته أنا أيضاً باللغة العربيّة وبنفس اللحن وبطريقة الدعاء:

إصبر أيها السيّد الجليل، إصبر إلى أن ييأس هؤلاء المجرمون منك. لا تتفوّه بكلمة واحدة. سينقذك الله حتماً.

استمررت بالتحدّث إليه حتّى ازداد عزمه واشتدّت إرادته وتعاظمت جهوزيّته وعاد إلى زنزانته.

(السيد عباس الموسوي القوتشاني: كان أسيراً مع الإمام الخامنئي في سجن النظام الشاهنشاهي، استشهد أثناء الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تاريخ 26/3/1982م).

– وصلنا إلى نهاية هذا الحوار الشيق الذي جاب بنا في أزقة العلم واللغة العربية، نترك لكم المجال للختام.

-السيد جلال ميراقائي: في الختام، لا يشذّ الإيرانيون عن سواهم من شعوب العالم في تمسّكهم بلغتهم، لكنهم ضمّنوا العربية كجزء من شخصيتهم الثقافية والقومية والدينية، وثبّتوها اليوم دستورياً إمتثالا لقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): “تعلَّموا العربية فإنها كلام الله الذي يُكَلِّمُ به خلقَه، وهي لغة أهل الجنّة ويجب تعلّمها”.

وبذلك، وكحوصلة لما قلناه ، والذي جمعناه من مجموعة من المصادر والمراجع والمقالات، يمكن القول أنه وبعد انتشار الإسلام في إيران وتغلغل اللغة العربیة إلی مناطق بعیدة عن الجزيرة العربية، اهتمّ الأدباء والمفسرون والعلماء الإیرانیون باستخدام اللغة العربیة وقدّموا أعمالاً خالدة للثقافة الإسلامیة، حيث بذلوا جهودا حثيثة خدمة للدعوة الإسلامية ولغتها العربية وآدابها في أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم الفرس النجباءُ لحمل الأمانة العلمية وتطوير الحركة الفكرية لدى المسلمين منذ العصور الأولى لقيام الدولة الإسلامية في فنون كثيرة كالتفسير والحديث والفقه وحتى علوم اللغة العربية من نحو وصرف وعروض. ويعدّ إسهام علماء بلاد فارس في تدعيم اللغة العربية وتثبيت قواعدها (النحو والصرف) وضبطها بقواعد علمية من أعظم الإسهامات، ويكفي ذِكر عمرو بن عثمان أو “سيبويه” صاحب “الكتاب”، ثم الزمخشري والجرجاني والنيسابوري وغيرهم. كما ساهموا ولا يزالون في نشوء وتطوير علوم الدين والمعارف الإسلامية، وأهمها تفسير القرآن كنصّ لغوي – تاريخي. أما في الأدب، فمساهماتهم زاخرة، حيث ترجموا جواهر خزائنهم مثل “كليلة ودمنة”لعبد الله بن المقفع (106- 142هـ/724 – 759م) و(رباعيات الخيّام) لعمر الخيام، وغيرهما، وأبدع شعرائهم باللغتين العربية والفارسية معاً، إذ صاروا من أصحاب اللسانين العربي والفارسي، أمثال شمس الدين حافظ الشيرازي (ت 691هـ/1291م) الذي يُقال إنه حقَّق الحد الأقصى من الانصهار بين اللغتين، فضلا عن إنشاده قصائد بالعربية فقط، كقصيدته في رثاء بغداد على إثر تخريبها بيد المغول سنة (656هـ/1258م).

وفي الحقول العلمية، لم يبخل الفرس على إخوانهم العرب، فأكدوا على عظمة التفاعل المتبادل بينهم؛ فازدادت بذلك إبداعاتهم غنىً وارتقاء، فابن سينا مثلاً ألّف كتباً بالعربية منها (الشفاء والقانون والإشارات)، وكتباً بالفارسية منها (دانشنامه علائي) وله شعر عربي كقصيدة (النفس) واثنتان وعشرون قطعة من الشعر الفارسي… وأبو الريحان البيروني كتب نسختين من كتابه (التفهيم لأوائل صناعة التنجيم) واحدة بالعربية والأخرى بالفارسية. والقائمة تطول…

نلتقي قريبا في العدد القادم بحول الله

تحياتي للقراء الأعزاء…. نلتقي في عدد جديد للغوص مجددا في العوالم الثقافية الإيرانية…. دُمتم أوفياء.