بمناسبة اليوم الوطني للطالب، سلط الرئيس عبد المجيد تبون الضوء على التقدم الكبير الذي أحرزه قطاع التعليم العالي في الجزائر وحدد خططًا طموحة للمستقبل.*
وفي كلمة ألقاها بالمركز العلمي والتكنولوجي الجديد بمدينة سيدي عبد الله الجديدة، احتفل الرئيس تبون باليوم الوطني للطالب، بمناسبة الذكرى 68 لإضراب الطلاب عام 1956 الذي لعب دورا محوريا في الثورة الجزائرية. وسلط هذا الحدث الضوء على الإنجازات التي تحققت في مجال التعليم العالي والبحث في الجزائر.
الإنجازات التعليمية والتطلعات المستقبلية
بدأ الرئيس تبون بإعادة تأكيد التزامه بإعطاء الأولوية للتعليم والتدريس. وقدم تفاصيل عن الإحصاءات المثيرة للإعجاب للقطاع الجامعي الجزائري، الذي يضم 115 جامعة، وحوالي 30 مركزا للبحث، و1.65 مليون طالب يدعمهم أكثر من 70 ألف أستاذ. وشدد على أن هذه الأرقام تعكس الخطوات الكبيرة التي قطعتها الجزائر في مجال التعليم.
وفي معرض تسليط الضوء على التصنيفات الأخيرة، أشار الرئيس تبون بفخر إلى أن الجامعات الجزائرية تتصدر الآن إفريقيا والعالم العربي والمغرب العربي. وأعرب عن أمله في أن تكون هذه الإنجازات مجرد بداية لمزيد من الإنجازات في مجالات البحث والشركات الناشئة وتكنولوجيا النانو والطب والأمن السيبراني. وأعلن أن “الجزائر تستعد لعصر جديد من التقدم”.
الدعم الحكومي للطلاب
وجدد الرئيس تبون دعم السلطات العليا للشباب الذين تواجدوا بأعداد كبيرة تحت راية المجلس الأعلى للشباب والمنظمات الطلابية. ومن خلال التواصل المباشر مع الطلاب، تناول مخاوفهم بشأن تمويل المشاريع المبتكرة. وأكد لهم الرئيس أن هناك صندوقًا مخصصًا موجود بالفعل، وأن البنوك مستعدة لدعم المشاريع الصناعية. وشدد على أن “الدولة لديها الموارد اللازمة لدعم شبابها”.
كما تطرق الحوار إلى أهمية الرقمنة التي تعتبر أولوية بالنسبة للرئيس. وأوضح تبون أن الجزائر تركز على الرقمنة للحصول على البيانات في الوقت الحقيقي، مقارنا ذلك بالإدارة الغامضة وغير الدقيقة للماضي. وقال: نحن نسير على الطريق الصحيح. تعتمد الدول المتقدمة على الرقمنة من خلال الأساليب العلمية. بحلول عام 2027، نهدف إلى رؤية الجزائر متحولة بناءً على البيانات الحقيقية.
الرقمنة: مفتاح التحول الاقتصادي
وشدد الرئيس تبون على الدور الحاسم للرقمنة في بناء اقتصاد حديث والحد من المعلومات المضللة وتعزيز الشفافية. وأشار إلى أن المساهمة الصناعية الحالية للجزائر في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 4%، بعد أن كانت 18% في السبعينيات، وشدد على الحاجة إلى بيانات موثوقة لإدارة الواردات وفهم احتياجات الإنتاج الوطني. وأعرب عن أسفه قائلاً: “بدون بيانات دقيقة، فإننا مضطرون إلى الاستجابة لنقص المنتجات دون فهم الاحتياجات الحقيقية”.
وبما أن الجزائر تعطي الأولوية للرقمنة في جميع القطاعات، فإن النظام الجامعي يتطور، مع التركيز على المجالات التقنية والرياضيات والتكنولوجيات الجديدة. وحث تبون طلاب اليوم على ضمان أن تصبح الجزائر اقتصادا ناشئا بحلول عام 2027.
العودة إلى نظام التعليم الكلاسيكي
وأكد الرئيس تبون أن “الطريق إلى التميز أمر لا مفر منه”، معلنا عن العودة إلى نظام التعليم الكلاسيكي في الجامعات. وشدد على أهمية الحوار بين الجهات المعنية بالجامعة في عمليات صنع القرار، مما يمثل تحولا عن النهج الإداري السابق من أعلى إلى أسفل.
وكلف الرئيس وزير التعليم العالي والبحث العلمي النظر في مقترح أحد الطلاب بزيادة المنح الدراسية لطلبة الطب على أساس مدة دراستهم. وأعرب عن انفتاحه على الحوار مع الطلاب ورغبته في مشاركة أكبر للشباب في الانتخابات.
دور الجامعات في التنمية الوطنية
وشدد الرئيس تبون على الدور الأساسي للجامعات في الاقتصاد الوطني الذي يشهد تحولا جنبا إلى جنب مع النمو السكاني السريع. “سيبلغ عدد سكان الجزائر 60 مليون نسمة في حوالي ثلاثة عشر عاما. وخلص إلى القول: “يجب أن نستعد لهذا الآن”.
وأشاد الرئيس تبون في كلمته بجهود وزير التعليم العالي كمال بداري خاصة في مجال دعم الشركات الناشئة. وأعرب عن ثقته في قدرة الجزائر على الوصول إلى آفاق جديدة، بفضل قدرات شبابها والتقدم في التعليم العالي والتكنولوجيا.
إحياء 68 سنة من الالتزام: الجامعة الجزائرية – كفاح الأمس وتحديات اليوم
في 19 ماي 1956، لبى الطلبة الجزائريون نداء جبهة التحرير الوطني. ومع اقتناعهم بأن الخريجين لن يصبحوا جثثًا أفضل، تركوا مقاعدهم الجامعية للانضمام إلى الثوار في الجبال، العازمين على تحرير الجزائر من الحكم الاستعماري. وبعد مرور ثمانية وستين عامًا، وعلى الرغم من أن السياق قد تغير جذريًا، إلا أن التحدي لا يزال هائلاً: الارتقاء بالجزائر إلى مصاف الدول المزدهرة من خلال المساهمة الفعالة في تجاوز قدراتها الحالية، لا سيما في المجال الاقتصادي.
“ما فائدة هذه الشهادات التي لا نزال نمنحها بينما شعبنا يقاتل ببطولة، بينما تغتصب أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا، بينما يقع أطفالنا وشيوخنا تحت الرشاشات والقنابل والنابالم … الطلاب والمثقفون الجزائريون، بالنسبة للعالم الذي يراقبنا، بالنسبة للأمة التي تنادينا، بالنسبة للمصير التاريخي لبلدنا، هل سنكون مرتدين؟” يبدو هذا المقتطف من دعوة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 19 مايو 1956 وكأنه نداء بليغ للتضحية القصوى من أجل الوطن، ويدين بشكل ملحوظ عدم جدوى الشهادات في سياق تخضع فيه الأمة.
منذ تأسيسه، تميّز الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين (UGEMA) بنشاطه ضد الاستعمار. وفي عهد رئاسة مولود بلعوان في أبريل 1956، دعت إلى مقاطعة الدروس والامتحانات، وبالتالي تعبئة الشباب الجامعي من أجل القضية الوطنية. أدى هذا الإضراب التاريخي في 19 مايو 1956 إلى حشد الطلاب على نطاق واسع للانضمام إلى جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، مما يدل على التزام واضح وفي كثير من الأحيان بالتضحية. ترك العديد من الطلاب مقاعدهم الجامعية للانضمام إلى جيش التحرير الوطني، والمساهمة في الكفاح المسلح. وقد أحدثت مشاركتهم تحولًا في ديناميكيات حرب التحرير، حيث زودت جيش التحرير الوطني بكوادر مؤهلة ونشطة، مما يضمن استمرارية الكفاح ضد الاستعمار. وفي هذا السياق، لعب الاتحاد أيضا دورا دوليا، من خلال الدفاع عن القضية الجزائرية في الخارج، بين المنظمات الطلابية الدولية. وكانت التضحيات التي قدمها هؤلاء الشباب المخلصون للقضية الوطنية هائلة. وقد فقد العديد منهم حياتهم في القتال أو تحت تعذيب القوات الاستعمارية. وشخصيات مثل بلقاسم زيدور، الشهيد الطلابي الأول، ومحمد رشيد عمارة، ومحمد العربي ماضي، وحسيبة بن بوعلي، على سبيل المثال لا الحصر، ترمز إلى هذا التفاني الكامل لقضية الحرية. وتذكر أسماؤهم المكتوبة بالدماء مدى التضحية التي قدمها جيل كامل من أجل استقلال الجزائر.
إلا أن تأثير الالتزام الطلابي لم يقتصر على فترة حرب التحرير. بعد الاستقلال، حيث واصل مقاتلو الاتحاد الطلابي السابق لعب دور حاسم في إعادة بناء الجزائر.
جامعة في خدمة الاقتصاد
وهكذا، فإن مثابرة الكبار وإرادتهم التي لا تتزعزع في خدمة المصلحة العليا تتجلى كإرث ثمين تم نقله إلى الجيل الجديد، الذي يجب عليه بدوره مواجهة تحدياته الخاصة لدفع الجزائر إلى آفاق جديدة. إن هذه التحديات الحالية عديدة ومعقدة، لكن الدولة تواجهها بكل عزيمة وطموح. وفي هذا الصدد، تشهد الجامعة الجزائرية تحولا حاسما نحو الابتكار وريادة الأعمال، مما يشكل نقطة تحول. والهدف هو تحديث النظام التعليمي لخدمة التنمية الاقتصادية. وبذلك تستعيد هذه الشهادة الثمينة قيمتها الكاملة، حيث يتم وضع الكفاءة في خدمة الاقتصاد.
ويتجسد هذا الطموح من خلال مبادرات مختلفة، مثل تعزيز روح الابتكار والإبداع لدى الطلاب لتحويل نتائج البحث العلمي إلى محركات للنمو الاقتصادي. ومن ثم تم وضع آليات داخل الجامعات ومراكز البحوث لإعداد الخريجين للمساهمة الفعالة في التنمية الصناعية والاقتصادية للبلاد.
ومن هذا المنظور، يتم إطلاق مشاريع مدعومة بالتعاون الوثيق بين الجامعة والقطاع الاقتصادي. وتتراوح هذه المشاريع بين أجهزة رادار حرائق الغابات والسيارات الكهربائية، بما في ذلك زراعة القمح القاسي وتحلية مياه البحر، مما يرمز إلى الانتقال إلى اقتصاد المعرفة حيث يأخذ الابتكار مركز الصدارة.
كما يوضح إنشاء مركز تكنولوجي جديد، يضم خمس جامعات ويستفيد من الشراكات مع وزارة الشركات الناشئة، التزام الحكومة الراسخ بهذا التحول. وسيصبح هذا المركز بوتقة حقيقية للابتكار والإبداع، مما يحفز تطوير تقنيات جديدة وإنشاء شركات مبتكرة.
وفي هذا السياق، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كامل البداري، مرارا وتكرارا على أهمية جعل الجامعة مؤهلة إعلاميا ومعرفة، وتحويلها إلى محركات حقيقية لخلق الثروة. يتم تحقيق هذه الرؤية من خلال مبادرات مثل دبلومة تأسيس الجامعات ودبلوم براءات الاختراع الجامعي، والتي تهدف إلى تشجيع ريادة الأعمال مباشرة من مقاعد الجامعة.
وفي هذا السياق، تؤكد الجامعة الجزائرية نفسها كفاعل أساسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية