رجاءً.. أوقفوا النزيف فالجزائر في خطر/ بقلم فريد بغداد
نجاح 1200 طبيب جزائري في مسابقة بفرنسا: بين كفاءة التكوين الطبي وهجرة الأطباء.. أين الخلل؟
أن ينجح 1200 طبيبا جزائريا في مسابقة من أجل الظفر بمنصب عمل بدولة أجنبية من بين 2000 طبيب من جنسيات مختلفة، في مسابقة يشارك فيها الآلاف من جميع البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوربي، فهذا كفيل بأن يترك تصورا أوليا عند كل من يسمع الخبر، وخاصة بالنسبة لغير الجزائريين، بأن الأطباء الجزائريين نوابغ تحصلوا على تعليمهم داخل منظومة تربوية وتعليمية ناجعة وفعالة من الابتدائي حتى الجامعي.
وقد يكون الأمر صحيحا، بالنسبة لكون الجزائر ولادة تنجب العباقرة والكفاءات في مجالات شتى، وهذا ما يصدقه الواقع ويؤكده، وما نلمحه بأم أعيننا حينما نرى قاماتنا العلمية تتبوأ مراتب علمية وعملية سامقة في السلّم الاجتماعي لدول عظمى من اليابان إلى أمريكا، مرورا بأوروبا ودول الخليج.
وقد يكون أيضا، إيجاد العذر لهؤلاء سهلا وممكنا، كونهم تركوا بلادهم ومجتمعهم اللذين هم بحاجة ماسة لما حباهم الله به من قدرات علمية بوسعهم توظيفها في تطوير البلاد، فهم من حقهم أن يعيشوا في بيئة توفر لهم الراتب الكبير والحياة الرغيدة، التي وللأسف الشديد لم يجدوها في بلادهم، وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها.
لكن أن يختار هؤلاء الأطباء فرنسا كوجهة لتحقيق طموحاتهم وآمالهم، فإن هذا يحز في نفوسنا، فرنسا التي استعمرت بلادنا وقتلت أبناء الجزائر وأذاقتهم الويلات، وإن ما نعيشه اليوم يعد انعكاسا وحصادا لـ 132 عام من التفقير والتجهيل الممنهج بحق ملايين الجزائريين، الذين شردتهم من أراضيهم وبيوتهم وأحلّت مكانهم معمرين استفادوا من خيرات تلك الأراضي ومن التعليم لأبنائهم.
وكم تعبت جزائر الاستقلال، الذي لم يأت بسهولة بعد أن كان الثمن دماء غالية ورجالا ضحوا بأنفسهم في سبيله، من أجل تعليم أجيال من النوابغ والعقول، لتذهب في النهاية سدى دون أن تستفيد منها الدولة الجزائرية في مراحل البناء والتشييد التي أعقبت الاستقلال.
إن هذا الرقم (1200) المفزع من الكفاءات والنخب الجزائرية التي تغادرنا بعد نجاحها في مسابقة في تخصص علمي واحد وخلال عام واحد فقط، وفي بلد أجنبي واحد، وعلى الرغم من كونه يبدو صادما، فإنه ليس إلا جزء ضئيل من الحقيقة المهولة، لأرقام أخرى من كفاءات أخرى في تخصصات أخرى متعددة هاجرت إلى عدة بلدان عبر أصقاع العالم خلال سنوات عدة، ومن المؤكد أنها ستتبعها أرقام أخرى في المستقبل لا يمكن حصرها.
نحن أمام معادلة صعبة الحلّ، كيف السبيل إلى إغراء نوابغ الجزائر ليفضلوا بلادهم على البدان الأجنبية فيقرروا الاستقرار هنا، وهذا يحتاج إلى بيئة ملائمة وجاذبة بل ومغرية ومحفزة على العمل والبذل، كيف السبيل إلى ضمان منصب العمل والمرتب المجزي وظروف العمل المريحة، وهل الأمر يقتصر فقط على توفير الميزانيات الضرورية لمواجهة هذه المتطلبات أم أن هناك أمور أخرى ينبغي توفيرها أيضا؟
هل ما زلنا وبعد أن تخلصنا من العصابة، ودخلنا مرحلة الجزائر الجديدة، لا نزال نعاني من البيروقراطية التي تحول غالبا دون خلق هذه البيئة الجاذبة، أم أن هناك عصابات أخرى لا تزال تعرقل مسارنا نحو التقدم؟
الحقيقة الأكيدة والثابتة التي يدركها الجزائريون جميعهم، هي أن الجزائر التي يحبونها هي بحاجة ماسة لجميع أبنائها الذين عليهم أن يبروها ولا ينسوا أفضالها عليهم، من أجل بنائها والنهوض بها وتحقيق تقدمها ورقيها، فالأكيد أنه لن يأتي أناس آخرون لفعل ذلك.
والحقيقة التي نحتاج إلى تحقيقها وتدفعنا لقول الحق ولو كان مرا، هي أنه على السلطات الجزائرية أن تتدخل لوضع حد لهذا النزيف من الدماء الجزائرية، حتى لا تموت الجزائر وتبقى حية وواقفة وشامخة ومزدهرة.
فريد بغداد