بدأ نظام المخزن في الترويج لحملة تضليلية ضدّ الجزائر قوامها مغالطات وأكاذيب يهدف من خلالها إلى ما يبدو له “توريط الجزائر” مع الدول الغربية، مستغلا في ذلك الزيارة الأخيرة للرئيس تبون إلى روسيا من جهة، والعلاقة المتشنجة بين الجزائر وفرنسا من جهة أخرى، ليقوم بتوجيه رسائل توسّل إلى هذه الأخيرة مفادها أن الجزائر “ارتمت في أحضان روسيا” وأصبحت في صفّها، وهو ما يعني –حسب ظنونه الخبيثة- أنها صارت عدوة للغرب، وفق قاعدة “صديق عدوي هو عدوي”، أو “إن لم تكن معي فأنت ضدي”، حتّى تقوم باريس بتأليب عواصم الدول الغربية ضد الجزائر.
نظام المخزن الغبي استحضر آليات التحالف والعداوة التي كانت تستخدم زمن الحرب الباردة، في نظام القطبية الثنائية، حينما كان العالم منقسما إلى معسكرين شرقي وغربي، وبينما لا يزال هو غارقا في تبعية خانقة للكيان الصهيوني، فاته أنّ العالم قد تغير كثيرا عن تلك الحقبة البائدة بعد أن أصبح بأقطاب متعدّدة، وغاب عنه أن الجزائر لا تعتمد في علاقاتها على حلف أو معسكر، فقد كانت الجزائر ولا تزال دولة لا تنحاز ولا تتبع لأيّ طرف كان مهما بلغت قوته أو مكانته الدولية.
المخزن الغبي لا يزال إلى الآن لم يفهم كيف أن الرئيس تبون حينما زار روسيا الأسبوع الماضي، وافق الرئيس بوتين مباشرة على طلبه في أن تلعب الجزائر دور الوساطة بين روسيا والغرب، ما يعني أنّ الجزائر هي دولة محايدة في الأزمة الروسية الأوكرانية، وإلا فكيف يمكنها أن تقوم بدور لا ينبغي فيه الانحياز أو التحيّز لأي طرف؟ وكذلك الجزائر أصبح بوسعها أن تلعب أدوار الكبار في عالم لا يعترف إلى بمن لديه مفاتيح الحلّ لأزمات تسدّ أمامه الآفاق.
الرئيس تبون لم ينس أن يوجّه للدول الغربية، على الرغم من تواجده في موسكو، رسائل طمأنة، حينما شدّد على أنّ الجزائر لديها علاقات جيّدة مع الجميع، بما فيها الولايات المتحدة والصين، والجزائر دولة تحرص كثيرا على أن يعمّ السلام أرجاء المعمورة، وهذا ما يؤكد صدق نواياها في إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وفي هذا الشأن، فإن الجزائر لا تزال تحافظ على علاقات وديّة جيّدة مع أوكرانيا ومع الغرب عموماً، فقد سبق لها وأن شكلت بديلاً عن الغاز الروسي لعدد من الدول الأوروبية، وهذا ما يدفع الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس تبون، لأن ترسي توازنا بين جميع التكتلات والأحلاف، فالجزائر تضع جيّدا في حساباتها علاقتها المتوترة مع المغرب الذي طبّع مؤخراً مع إسرائيل، ولن تسمح له بأي حال أن يغتنم فرصة أيّ فراغ دبلوماسي بين الجزائر والغرب ليملأه بمكائده وأطماعه.
فمنذ مجيء الرئيس تبون على رأس السلطة في الجزائر تغيّرت معادلة التوازنات، وصار للجزائر علاقات متنوّعة ومتعدّدة لتأمين مصالحها والحفاظ على مبادئها، لا يمكن معها وضع الجزائر ضمن أي حلف أو تكتّل، إذ أن فلسفة السياسة الدولية التي أصبحت الجزائر تؤكّد عليها هي كسب علاقات جيّدة مع الجميع، إلا مع الدول أو الكيانات التي قررت أن تكون عدوة لها أو تجاوزت كلّ الحدود التي تفصل بينها وبين أن تستحقّ صداقتها، كما هو الحال بالنسبة لنظام المخزن والكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق، يكشف تكليف رئيس الجمهورية، وزير الخارجية أحمد عطاف، للقيام بجولة أوروبية باتجاه إيطاليا وصربيا ثمّ إلى ألمانيا، أنّ الجزائر وهي تضع خطواتها الأولى نحو تسوية للأزمة الروسية الأوكرانية، على مشارف أن تصبح قبلة للسلام في العالم، تحج إليها الدول من كلّ فجّ عميق لتطرح بين يديها مشاكلها وأزماتها مع الجيران من أجل إيجاد حلول لها تعود بالأمن والسلام على العالم أجمع، مثلما كانت في وقت مضى قبلة الثوار لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فدور الجزائر تصنعه حتما حاجة العالم إليها.
أحمد عاشور