في نظام ملكي يُفترض بمن يقوم عليه ويتزعمه أنه قد اكتفى ممّا يتلهف الناس العاديون على التسابق خلفه لجمع أكثر قدر منه، من مال وجاه وسلطان ونفوذ، ملكٌ يملك المغرب بما فيه من بشر وبقر وشجر وحجر، أليس الأجدر به أن يعمل جاهدا على إسعاد شعبه بعد أن توفر له كل ذلك؟
قد يصلح هذا المنطق على أي ملك آخر في العالم، إلا محمّد السادس، فعلى الرغم من أنه من بين أثرياء العالم بشهادة مجلة “فوربس” الأمريكية التي وضعته في مرتبة متقدمة في قائمة أغنياء القارات الخمس بثروة تفوق 8 مليار دولار، من أموال الشعب المغربي المنهوبة، إلا أنّ حياته كلها أصبحت لهثاً وراء تحقيق الشهوات والاستمتاع بالملذات، التي لو أفنى عمره كله لما انتهت ثروته في سبيل تحصيلها والتلذذ بها.
كيف بملكٍ، وهذه حاله، ألّا يشبع من المال والثراء، ليقحم نفسه في مقامرة شيطانية تسوّل له من خلالها نفسه الأمارة بالسوء، جمع المزيد من الثروة عن طريق بيع الأرض، التي هي في أحيان كثيرة أغلى حتى من العرض، خاصة إذا كان المشتري عدواً للأمة وللشعب، الذي كان ضحية هذا البيع بأن أجبره على إخلاء الأرض وفرضَ عليه هجرة قسرية أصبح بعدها مطرودا ومشرّدا كما هو حال الفلسطينيين اليوم.
أولئك الفلسطينيون المتساوون في المصير مع المغاربة الذين يتألمون لآلامهم ويتأوّهون لآهاتهم، يعيشون مرارة الاحتلال الصهيوني وجراح القصف الجويّ وسطوة الحصار المطبق، الذي لا تمر من بين أسواره السميكة وجدرانه المرتفعة جرعة ماء أو قطعة خبز، حتى أنهما أصبحا شعبين متشابهين إلى حدّ التطابق؛ بلا أرض وبلا وطن وبلا مصير، من دون أدنى فارق في التوصيف: الفلسطينيون المحتلون من قبل كيان غاصب يخرجهم من ديارهم، وإخوانهم المغاربة المحكومون بنظام مخزني قمعي يطردهم من أرضهم ليبيعها لأولئك الصهاينة المغاربة العائدين من ذلك الكيان.
الفارق الوحيد في هذه المفارقة الغريبة هو في كون الفلسطينيين انتفضوا وعقدوا العزم، كما عقد الجزائريون العزم ذات فاتح من نوفمبر 1954، على طرد المحتل من أرضهم، ليعكسوا مسار الطرد وحتميته، وبعد أن كان هناك في السابق مشروع توسعي يزعم أصحابه أنّ اسمه “إسرائيل من النهر إلى البحر”، أصبح الفلسطينيون أكثر إيمانا بأن دولتهم هي من ستكون من النهر إلى البحر، وأكثر كفرا بجميع الحلول الوهمية التي تزعم أنه بالإمكان مفاوضة الصهاينة أو الرضى بحلّ يجعلهم يعيشون جنبا إلى جنب على طرفي حدود لا يمكنها مهما حدث أن تنفي كون القضية قضية وجود.
وعلى النقيض من هذا المشهد المليء بالعز والفخر، يقف المغاربة الواهمون مذهولون لا يتعظون، المجرم نفسه والنظام عينه، ملكٌ مستبد يُخرج شعبه من أرضه ليسلّمها إلى عدوّ هذا الشعب المنتصر للفلسطينيين الذين يشتركون معهم في معاداته، لا يناله ما ينال ذلك العدوّ من بغض وكره يولّدان تلك العزيمة على تحويل مسار الطرد، ليصبح محمد السادس وعائلته الملكية أجدر بالطرد والترحيل والتهجير من المغرب، من المغاربة أصحاب الأرض.
هذه المعادلة لا حلّ لها إلا بأن يقطع الشعب المغربي نهائيا مع الرجاء الخائب الذي يفرض عليهم أن يأملوا من ملكٍ يطردهم من أرضهم في أن ينتصر لفلسطين ويدافع عن الفلسطينيين، ويقف ضدّ أصدقائه الصهاينة، بل إخوانه وأشقاؤه، لا حلّ للمغاربة كي يحموا أنفسهم من التهجير القسري إلا بأن تتحوّل مشكلتهم مع المخزن إلى قضية وجود، لا يمكن لهم معها أن يتعايشوا مع عائلة ملكية تسلبهم أرضهم من تحت أقدامهم وتحرمهم حقهم في العيش عليها.
على المغاربة أن يدركوا أنّ ملكهم وحلفاءه الصهاينة عدوّ مشترك، يشتركان في طردهم مع الفلسطينيين من أرضهم، ويجبرانهما على إخلاء الوطن ومغادرته، فمتى يتشبه المغاربة بالفلسطينيين ويطردوا نظام المخزن من أرضهم كما بدأ الفلسطينيون في طرد الصهاينة من وطنهم؟