أحيت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجزائر الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد قائدي النصر، اللواء قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري، والسيد أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، عبر حفل تأبيني، حضره جمع من الزعامات والشخصيات السياسية الجزائرية والفلسطينية.
تضمّن الحفل التأبيني إلقاء كلمات وقصائد شعرية، تناولت الأبعاد والجوانب المختلفة للانتصارات المشرفة التي حققها طوفان الأقصى، فضلا عن التضحيات الكبرى لشهيد القدس، اللواء قاسم سليماني، أحد أبرز الضباط الإيرانيين، الذي أُغتيل رفقة مرافقه أبو مهدي المهندس بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد بالعراق في 3 كانون الثاني/يناير 2020م.
وفي كلمته في الحفل التأبيني الذي انعقد تحت شعار “شهيد القدس”، أكّد السفير الإيراني في الجزائر، السيد محمد رضا بابائي، على الدور المحوري الذي لعبه ويلعبه الشهداء في كل من إيران والجزائر وفلسطين واليمن وسوريا والعراق من أجل نصرة الحق، قائلا: “سُمي هذا اليوم باليوم العالمي للمقاومة، ويهدف إلى تخليد ذكرى واسم ذلك الشهيد العظيم، وكل من سار على نفس الدرب من شهداء المقاومة في كل العالم “.
ومن جهتهم، استعرض الحاضرون الذين تمثلوا في رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر، الوزيرة السابقة، السيدة فاطمة الزهراء زرواطي، ورئيس جمعية البركة، السيد أحمد إبراهيمي، وممثلين عن حركة البناء، وممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالجزائر، السيد نادر القيسي، وممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، السيد محمد الحمامي، فضلا عن شخصيات بارزة أخرى، الأدوار المهمة التي اضطلع بها القائد الشهيد قاسم سليماني في مواجهة عصابات “داعش” الإجرامية، ووقوفه المشرف مع القضية الفلسطينية، فشخصية الحاج قاسم سليماني لها بصمة كبيرة على كل التشكيلات الأمنية والسياسية التي لها تأثير كبير في المنطقة، والتي أبرزت قوى ممانعة ومقاومة استطاعت أن تقف بوجه الهيمنة العالمية على هذه المنطقة خلال العقدين الماضيين.
كما ثمن المتحدثون المواقف المشرفة للجزائر التي مثَّلت تجربتها في الكفاح المسلح من أجل الاستقلال مصدر إلهام للكثير من الحركات التحررية في إفريقيا وآسيا، وأصبحت قبلة الثوار وعنوان الكفاح. واستغلوا هذه السانحة من أجل تقديم الشكر للجمهورية الإسلامية الإيرانية على مبادئها ومواقفها الراسخة تجاه قضايا الأمة الإسلامية.
ماذا قدم الشهيد قاسم سليماني للقضية الفلسطينية؟
أولى الشهيد سليماني أهمية بالغة للقضية الفلسطينية، معتبرا إياها قضية الإسلام الأولى، فنادى المسلمين بتوحيد الصفوف والموقف في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لهذه الأراضي المقدسة، وعُرف عنه تزويد المقاومة الإسلامية بفلسطين بالخبرات العسكرية والسلاح والتدريب حتى على مستوى التصنيع العسكري الذي طور من قدراتها، مما جعله رحمه الله شهيد القدس كما وصفه إسماعيل هنيه. كما كان الشهيد قاسم سليماني داعماً أساسياً للمقاومة في قطاع غزة، ومنذ استشهاده، تُؤكد المقاومة الفلسطينية أنها أكثر تماسكاً في مواجهة تحديات المرحلة، حيث وضع شهيد القدس بصمته في مختلف المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، مزودا إياهم بالخبرات والسلاح وهذا ما تؤكده رسالة نشرت بعد استشهاده، أرسلها بنفسه إلى القائد العام لكتائب القسام محمد ضيف.
أكّد محمد حميد، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، هذا الطرح، قائلا “…أنه وفي وقت سابق، كان تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة يعتمد على وسائل بدائيةٍ، وكان ابتكار الصواريخ أقرب إلى المبادرات الفردية الشخصية، اعتمدت في بعض المحطات على خبراتٍ عسكريةٍ وعلميةٍ قديمة، ربما يكون قد جاوزها قطار الزمن”، مضيفا بأن “المدربين من فيلق القدس، تحت إشراف القائد الشهيد قاسم سليماني، كانوا يجتهدون في إحضار المواد، ويتابعون مع المجاهدين الطريقة التي يعملون بها في فلسطين، ويحاولون محاكاة الظروف وتحسين الواقع الخاص بعمليات تطوير التجارب الصاروخية.
ومن ثمّ عملوا على تحسين المواد المستخدمة في التصنيع، لتكون أكثر دقةً في التصويب والرمي، وأكبر قدرةً في الوصول إلى أهدافها. كل ذلك كان سبباً في امتلاك المقاومة الفلسطينية لاحقاً لقدراتٍ صاروخية أكبر مدىً وأكثر فاعلية، وأصبحت بذلك جزءاً من الاستراتيجية الدفاعية للشعب الفلسطيني، الذي أصبح قادرا على ردع العدو الصهيوني الذي يستبيح التراب”.
كما كشف السيد محمد حميد عن إشراف سليماني بشكل مباشر على عمليات نقل الأسلحة وتهريبها إلى قطاع غزة المحاصرة حصاراً مطبقاً، من خلال عمليةٍ معقدةٍ ومتعدّدة الأقطار، مضحيا بالغالي والنفيس من أجل نصرة إخوته المستضعفين، مما مكن المقاومة الإسلامية من أن تزخر بترسانة من الأسلحة المحلية والدولية. فقد عمل الشهيد على نقل تجربة الصواريخ الذكية، التي تكاد لا تخطئ أهدافها إلى المجاهدين في فلسطين، وأدخل بنفسه تقنية الطائرات المسيّرة في خدمة العمل الجهادي للمقاومة في فلسطين.
مكّنت هذه الصواريخ المقاومين في فلسطين من التصدي والرد على أي عدوانٍ صهيوني، وإلحاق ضرباتٍ قاسية بصفوفه. فلأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، تم إطلاق صواريخ الكاتيوشا وصواريخ فجر الإيرانية وصواريخ جراد 122 ملم، وغيرها من الأسلحة النوعيّة مثل الكورنيت ومضادات الطيران أثناء العدوان على غزة في عام 2012، حيث وصلت هذه الأسلحة لغزة رغم الحصار المطبق على القطاع.
عاش الشهيد قاسم سليماني لفلسطين أكثر مما عاش لأي قضيةٍ أخرى، إيرانية كانت أو غير ذلك، مضحيا بأمنه وسلامته، ومسخرا حياته كلها رغم المخاطر، إيماناً منه بالواجب الملقى على عاتقه كقائدٍ لفيلق القدس، والتزاماً بتعاليم وتوجيهات قادة بلاده الذين جعلوا من خدمة قضية فلسطين عبادة، والعمل من أجلها تكليفاً ربانياً وفرضاً دينياً.
هناء سعادة