صحة ورياضة : الفرق بين الرياضي المحترف والمبتدئ
يُقال أن من بين كل ثلاثين ألف لاعب رياضي في المجتمعات المتطورة والراعية للحركة الرياضية فإن هنالك فقط ثلاثين منهم يتواصلون مع اللعبة حتى مستوى النخبة، ويقع مستوى النخبة هذا وفق الترتيب الأوربي لتسلسل التفوق الرياضي في مرحلة الشباب وقبل الدخول إلى مصاف الدرجة الأولى أو الإحتراف بمعناه المهني.
تترتب الارقام على هذا الشكل الإحصائي وذلك على الرغم من توفر العديد من مقومات النجاح والتطور المهاري الفني والاخلاقي التربوي.ولا يمكن في حقيقة الأمر من حصرِ كَمْ من هؤلاء الثلاثين سيتواصلون حتى مستوى العالمية والمنتخبات الوطنية.
وبالتأكيد فإنه يقف وراء هذا التناقص العددي المذهل العديد من العوامل والمؤثرات التي تحتاج لوحدها إلى مؤلفات كاملة فيما لو أُريد التطرق لها بمنتهى الدقة والتفصيل التي تستدعي دراستها والتبحر فيها.ويُعتبر الطريق الواصل بين نقطة البداية أي نقطة ولادة الرغبة على التألق في أداءِ عملٍ ما وحتى الوصول إلى محطة الإحتراف الرياضي أو الإحتراف الغير الرياضي من المهمات الصعبة والمعقدة والتي تحتاج إلى تدريباتٍ شاقة وصبر طويل ووعاء ذهني ميداني قادر على إستيعاب كافة المعوقات والأخفاقات وقادر بالتالي على تصحيح المسار نحو الهدف المنشود. والآن كيف يصل اللاعب إلى مستوى الاحتراف؟.
هذا هو السؤال الذي يهمنا جميعاً من قريبٍ أو من بعيد وبصورة مباشرة, كوننا نؤثر ونتأثر بالنشاط الرياضي المعني, أو غير مباشرة كوننا نقف في صف تحقيق المنافع الروحية والبهجوية من وراء تطوير وإنطلاق المواهب. وما هي الفروقات التي يخضع لها كل من اللاعب المحترف واللاعب الهاوي أو المبتدأ خصوصاً إذا آمنا باهمية عوامل الدفع الأخرى والمسماة بالموهبة والحظ وتكامل الدوافع؟.
يتوجب علينا وقبل ذلك ان نؤمن بأهمية الرغبة والشعور بإحساس السعادة من وراء أداءِ هذا العمل وبالتالي تحمل مصاعبه ومصائبه دون غيره وهو المبدأ الذي تُبنى عليه كافة الإنشطة الرياضية المتعلقة بنقاط إنطلاق العمل والتعامل مع الفئات العمرية على وجه الخصوص وعلى إعتبارها الحقل الرحب لقطف ثمار التدريب السليم.
إن الحديث عن هذه الفوارق بين الهاوي المبتدأ والمحترف الخبير أو المتمرس بشكلٍ فيه الكثير من الغموض وسعة مساحات الطرح إنما سيقودنا حقيقة إلى دوائر اكثر تعقيداً من سابقاتها لنجد انفسنا بالتالي نخرج من سؤالٍ لنسقط في بحرٍ من الأسئلة. ان تقسيم الفوارق وفق مناطق نقاش معينة ودوائر مستقلة بعضها عن البعض الآخر قد يفيدنا بالتالي في
التوصل إلى تفسيرات تقترب من المنطقية ولا تتجاوز الواقعية بشيء اللهم إلا بعدم الامكانية على التوصل إلى تفسيرات علمية دقيقة وثابتة بسبب حركة الموضوع نفسه وديناميكيته التي تخضع بدورها إلى العديد من المستجدات التي تتعلق بواقع اللعبة من حيث مفهومها التدريبي العضلي والذهني وكذلك مجمل المؤثرات التي تخضع لها الأنشطة الرياضية على وجه العموم.
ولكي نقترب من الصورة اكثر وأكثر فإنه يمكن القول ان الظروف التي خدمت بعض اساطير الرياضة تنفع في الوقت الحاضر من خلق الرياضي المحترف وفق الطرق التي أوصلت هذه النخبة إلى مستوى الأحتراف وبالتأكيد فإنه كانت لكل واحد من هؤلاء العِظام موهبته ورغبته ودوافعه التي تختلف عن بعضها البعض ولكنها تتشابه في وحدة الهدف.
ويمكن ان نتعرض الآن إلى مجموعة من النظريات والأفكار التي يمكن ان تساعدنا على دراسة هذا الأمر المهم في عالم الرياضة والاكثر اهمية في عالم المهن الأخرى إذ لا يمكن ان يتخصص معنى الإحتراف وطرق الوصول اليه بالعالم الرياضي فقط دون غيره من القطاعات العمليةالاخرى. ولكي نقترب من فهم الحد الفاصل بين الإحتراف وبين الهواية فإنه تم إختيار الدراسات التالية لتتبع نموذجها في الوصول بنا إلى الفهم المطلوب.
المحترفون هم اكثر قدرة من الآخرين على تحقيق متطلبات التركيز في مواضيع معينة بالذات وهم أيضاً اكثر دراية وإطلاع ببعض الشروحات التي تتطلبها حرفنه هذه المواضيع وحرفيتها.في حين يتخبط الهواة بالعديد من التفاصيل الغير ضرورية والتي تقود إلى تعقيداتٍ غير ذات نفع في المرحلة الحالية، لنحاول معاً تصوّر الحالة التي عليها مجموعة من اللاعبين المحترفين والمبتدئين وهم في محاولة جادة لفهم المتطلبات التي يفرضها عليهم المدرب لتحقيق أداء معيّن.
ويتميز المحترف بقدرته العالية على إمتصاص قدر كبير من المعلومات والبيانات خلال أوقات قليلة نسبياً في حين يحتاج الهاوي إلى وقت اطول في سبيل تحقيق بعض ما يمكن ان يحققه المحترف خلال نفس الفترة الزمنية.
تتميز أيضاً ذاكرة المحترف بقدرتها على خزن وترتيب البيانات وفق نظام دماغي رائع وبالتالي قدرته على إستخدامها في المكان والوقت المناسب في حين لا يتمتع الهاوي بنفس هذه القدرة كونه يتمتع بذاكرة غير مجربة وغير محترفة في كيفية تبويب ومعالجة البيانات.وهو الأمر الذي يدفع بالمحترف إلى تحمل مسؤولية القيادة الميدانية على الرغم من قدرات المبتدا الميداني على تقديم الأفضل أحياناً
ويتمتع المحترف بقدرته على إلتقاط الفكرة من خلال تشابك خيوط العمل أو الحوار وتعدد إتجاهاته وتنوع ميوله وبذلك فهو قادر ايضاً على إستقراء الطروحات المقابلة في حين يضيع الهاوي في تعدد مصادر الحوار ويبقى محاوراً كل الأطراف في سبيل الوصول إلى
فهمٍ ما الأمر الذي يتطلب جهداً اكبر ووقتاً اطول.ويميل العديد من المدربين إلى عدم تحقيق التوازن الميداني إعتمادأص على المبتدأين بل يميلون إلى تشكيل عمود فقري من المحترفين وأصحاب الخبرة لتقوية ودعم المجموعة
وعادة ما يحمل المحترف معه نموذجاً منظماً للعمل فيه الكثير من الحقائق والوقائع الجاهزة للإستخدام والدلالة في حين يفتقر الهاوي وبسبب أولوياته في العمل إلى الكثير من التنظيم والمصادر.
يتمكن المحترف من ربط الأمور مع بعضها البعض بمنتهى الدقة والموضوعية سواء كانت على شكل مواد أو أشخاص وذلك بسبب تعدد مصادر علاقاته وفهمه المستقل لأهمية كل حالة من الحالات على حدة وطبيعة تركيبتها التي تتناسب والحالات الأخرى في حين يفتقد الهاوي إلى هذه الإمكانيات التعبوية والاستراتيجية عند اشتداد وتزاحم العمل.
ويتميز المحترف الرياضي العامل وفق متطلبات التدريب الذهني بقدراته الغير عادية على التحليل الأولي والتحليل المقابل حيث نعني بالتحليل الأول قدرة الرياضي ذاته أو مشرف التدريب الذهني على تحليل القدرات الذهنية للاعب المعني من حيث مديات إستيعابها للأجواء العامة للمنافسة في حين يتعلق مفهوم التحليل المقابل بقدرات نفس الاشخاص ولكن على تحليل القدرات الذهنية التي يتمتع بها اللاعب أو الفريق الخصم هذه المرة بشكلٍ خاص.
ويتعلق التحليل المقابل هنا بكيفية التعامل مع الفريق الذي يعمد إلى تغيير بناءه الهيكلي داخل الميدان كتغيير خطة لعبه المعتادة على سبيل المثال وليس الحصر أو ظهور منافس يتمتع بقدرات غير عادية ولم يتم التنبه لها خلال الفترات الماضية وخصوصاً على صعيد الألعاب الفردية.