صحة ورياضة : مساهمة الرياضة في تحفيز قدرات الدماغ
لا أقل من القول إن الرياضة هي مصنع الذاكرة للدماغ البشري، مع كل ما يرافقها من قدرات معرفية وإدراكية وشعورية، عند مطالعة الدراسة التي أنجزها أخيراً فريق من العلماء المختصين بالدماغ في “جامعة كاليفورنيا”.
تساعد ممارسة الرياضة الذاكرة والتفكير بشكل مباشر عن طريق تقليل مقاومة الأنسولين وتقليل الالتهابات العامة بالجسم وتحفيز إطلاق عوامل النمو، وبشكل غير مباشر، عن طريق تحسين الحالة المزاجية والنوم وتقليل التوتر والقلق، فغالبًا ما تسبب المشكلات في هذه المناطق ضعفًا إدراكيًا بالدماغ أو تساهم فيه.
وذهبت الدراسة للقول إن عشر دقائق من الرياضة يوميّاً تكفي لتحفيز قدرات الدماغ، والوقاية من تدهورها مع التقدّم في العمر، خصوصاً الذاكرة والقدرة على الاحتفاظ بالتسلسل الزمني للمعلومات والحوادث فيها. وشملت الدراسة، أنواعاً خفيفة من الرياضة نسبياً كالمشي البطيء، وتدريبات اليوغا والـ”تاي تشي” الصينية.
وباللغة العملية، يقصد بالرياضة الخفيفة تلك التدريبات التي تزيد دخول الأوكسجين الى الجسم بزيادة 30% من أقصى كمية منه تدخل الجسم في حال الراحة وعدم الحركة، وهناك شيء آخر لا يقل أهمية وإدهاشاً في شأن العلاقة بين الرياضة وذاكرة الكائن الإنساني.
وتبيّن أيضاً أن الرياضة تستطيع درء ذلك التآكل المبكر في قدرات الذاكرة. وجاء ذلك في دراسة أجريت في “جامعة توبنجن” بألمانيا، وقاد البروفسور كريستوف لاسكه الفريق الذي أنجزها. إذ درس نوعاً من مرض “آلزهايمر” يتميّز بأنه يظهر في عمر مبكر نسبيّاً، أي في أربعينات العمر. وتبيّن أن ممارسة الرياضة كالمشي والركض والسباحة، بانتظام بما مجموعه 150 دقيقة، ساعتان ونصف ساعة أسبوعياً، يكفي لإبعاد الضربة المبكرة لذلك المرض المقلق.
تساعد ممارسة التّمارين الرياضيّة بشكل عام الشّخص على الشّعور بالرّاحة وعدم القلق، إضافةً إلى أنّها تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض؛ كما تنشط عمل الدماغ، وأثبتت دراسات ولسنوات أن الرياضة تؤثر بشكل إيجابي على تنمية القدرات المعرفية.
وتوجد تمارين رياضية تقوي القدرات المعرفية والإدراكية، على غرار الجري لمسافات طويلة أو متوسطة يقوي قدراتك المعرفية. وقد أظهرت دراسة للعلماء وجود علاقة بين
ظهور خلايا عصبية جديدة والجري. فإذا كنت مقبلا على إجراء أي امتحان فما عليك إلا ممارسة رياضة الجري لتقوية قدراتك المعرفية.
وتعتبر رياضة الجري كغيرها من الرياضات الّتي تعمل على مقاومة الأمراض، وتقوية مناعة الجسم لمقاومة الأمراض بشكلٍ عام، وهذا ما يجعل الجسم قويّاً وصحيّاً، وتساعد رياضة نط الحبل على فقدان الوزن مع اتباع نظام غذائي صحي كما تؤثر هذه الرياضة بشكل إيجابي على عمل الدماغ.
كما يمكنك ممارسة هذه الرياضة عن طريق التخيل والتصور، أي أن تتخيل خصمك أمامك في معركة حقيقية، وتعلمك هذه الرياضة كيف تركز، كما تقوم بتنشيط الدماغ على أكمل وجه، وإذا كنت تريد أن تزيد من عمل دماغك وتكسبه رد فعل قويا فما عليك إلا القيام بحركات رياضية مختلفة في فترات متقطعة.
وعندما تشعر أنك أقوى جسديا ، عادة ما تشعر أيضا بأنك أقوى عقليا ، فرفع الأثقال هو المهارة في المثابرة ، والقدرة على التغلب على المشقة وتحدي الذات، وتساهم هذه الرياضة في تنشيط الدماغ كما تكسبه المزيد من التركيز على مختلف المهمات، ولا ينصح القيام بهذه التمارين أكثر من مرة واحدة في الأسبوع لأنها قد تولد الضغط.
كما تساعد ممارسة التمارين الرياضية الهوائية، منها المشي والهرولة والبستنة، على تعزيز نمو منطقة تحت المهاد في الدماغ، وهي جزء من الدماغ يرتبط بالذاكرة والتعلم. كما أن الرياضة تساعد على إبطاء عملية انكماش تحت المهاد التي تؤدي إلى فقدان الذاكرة مع تقدم السن. وتشير بعض الدراسات إلى أن نمو تحت المهاد يكون أقوى إن كنت تحب الرياضة التي تقوم بها.
وتساعد الرياضات الهوائية على التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق بشكل جيد، فالطبيب أو المعالج النفسي قد يصفها كجزء من الخطة العلاجية لهاتين الحالتين. وقد يعود ذلك لكون الرياضة تبطئ من تلف الخلايا الدماغية. وبما أن نتائج ممارسة الرياضة تحتاج لمدة من الوقت حتى تظهر بشكل كامل، فينصح بالبدء بالانتظام بها منذ الآن لكي تعطي مفعولها في الوقت المناسب.
وتعرف مرونة الدماغ بأنها قدرته على التغير عن تجربة أو تعلم شيء جديد. وتعد الأدمغة صغيرة السن أفضل من تلك الكبيرة بالسن بشكل عام في ما يتعلق بالمرونة، غير أن من هم في السن نفسها قد يختلفون في مرونتهم. ويرى العلماء أن كلا من التمارين الرياضية الهوائية وتمارين الوزن تساعدان على جعل الدماغ أكثر مرونة.
يعد الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة أكثر عرضة بشكل كبير للإصابة بمرض ألزهيمار وغيره من أشكال الخرف. وذلك يعود جزئيا إلى كون الرياضة تساعد على الوقاية من العديد من العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة به، منها السمنة ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب.
وتساعد الرياضة الهوائية الدم على الوصول إلى الدماغ. وذلك يعود جزئيا إلى كون الرياضة تجعل القلب والأوعية الدموية أقوى، بداية من الأوعية الدموية الكبيرة التي تنقل الدم إلى الرأس، وحتى الأوعية الدموية الدقيقة المتواجدة في الدماغ. وقد وجد أن تحسن تدفق الدم وقوة الأوعية الدموية يساعدان على إيقاف حدوث الخرف، كما ويرى العلماء أن قوة تدفق الدم تساعد على تغذية الدماغ في طريقة تبطئ من تراجع القدرات المعرفية.
مع زيادة معدل ضربات القلب أثناء التمرين، يزداد تدفق الدم إلى الدماغ، وعند زيادة تدفق الدم له يتلقي دماغك مزيد من الأكسجين والمواد المغذية التي تزيد من نشاطه، وقد ثبت علميًا أن كلاً من التمارين الهوائية وتمارين المقاومة تؤدي إلى زيادة عوامل النمو التي لها تأثيرإيجابي على الدماغ أثناء النمو في البالغين وعليها فإنها تقي من تعرضك للإصابة من الأمراض الدماغية مثل الألزهايمر أو الخرف.
مرونة الدماغ هي قدرة الدماغ على التكيف مع الظروف المحيطة باستمرار وتحسنها يأتي نتيجة لقدرة الخلايا العصبية على تعديل وتكوين اتصالات بين بعضها البعض استجابة للمؤثرات والحوافز الخارجية أو الداخلية.
يمكن أن تؤثر ممارسة الرياضة على تحسن مرونة الدماغ لدى الشباب وكبار السن عموماً وبعد الأمراض العصبية مثل مرض الشلل الرعاش، أو بعد تليف الدماغ وأثبتت التجارب أن ممارسة الرياضة والتمرين البدني ينتج عنها معدل جيني قوي يؤدي إلى تغيرات وظيفية وهيكلية في المخ من أجل تحسين الوظيفة الإدراكية والمزاج العام للشخص.
كما نعلم بأن ممارسة الرياضة تساعد على تثبيت المزاج والاسترخاء عند حلول موعد النوم وإنشاء دورة صحية من النوم واليقظة. وعلى الرغم من أن التأثيرات المحددة ليست معروفة تماما، فالأشخاص الذين يمارسون الرياضة يحصلون على المزيد مما يعرف بنوم الموجة البطيئة، وهو النوم العميق الذي يساعد على تنشيط الدماغ والجسم.
أشارت دراساتٌ أُجريت منذ الثمانينيات على البشر إلى وجود علاقة بين التمارين الرياضية وتحسُّن الأداء المعرفي، ففهم هذه العلاقة له أهمية خاصة للمرضى الذين يعانون من الأمراض العصبية، إذ عالجت عالمة الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا جيزيل بتزينغر مرضى داء باركنسون لعقود، ولاحظت أن أولئك الذين يمارسون الرياضة يمكنهم تحسين توازنهم ومشيتهم، وبمثل هذه الملاحظة تشير إلى أنّ الدماغ يحتفظ ببعض المرونة
بعد ظهور أعراض المرض، وبوجود تكوين لاتصالات عصبية جديدة تُدعم المهارات الحركية المُتَحسِّنة.