صحة و رياضة : الإعداد النفسي الطويل المدى للرياضيين
يهدف الإعداد النفسي طويل المدى إلى التوجيه والإرشاد النفسي للاعبين الرياضيين بهدف الارتقاء بقدراتهم على مواجهة المشكلات والعقبات التي قد تعترضهم طوال فترة ممارستهم للرياضة، وزيادة قدرتهم على حسمها والتصدي لها ومواجهتها، وكذلك بناء وتنمية الدافعية الرياضية، وبصفة خاصة دافعية الإنجاز الرياضي للاعبين وتنمية قدرتهم على تحديد ووضع أهدافهم بصورة واضحة والسعي لتحقيقها.
كما يسعى الإعداد النفسي طويل المدى إلى تشكيل وتطوير السمات النفسية الخاصة لدى اللاعبين الرياضيين من حيث إنها عوامل هامة ترتبط بالارتقاء بمستوى قدراتهم وإمكاناتهم. ومن ناحية أخرى يتضمن الإعداد النفسي طويل المدى إكساب اللاعبين الرياضيين المهارات النفسية المرتبطة بالرياضة ومحاولة تنميتها وتطويرها من حيث إنها أساس لعملية التكامل بينها وبين المهارات الحركية.
كما أن الإعداد النفسي قصير المدى للاعبين الرياضيين يقصد به الإعداد النفسي المباشر قبيل اشتراكهم الفعلي في المنافسة الرياضية بوقت قصير نسبياً بهدف التركيز على توجيههم وتهيئتهم وإعدادهم بصورة تسمح بتعبئة كل قواهم وطاقاتهم لإمكانية استثمارها لأقصى مدى ممكن في المنافسة الرياضية.
ويتأسس الإعداد النفسي قصير المدى على الإعداد النفسي طويل المدى، إذ أنه في غيبة الإعداد النفسي طويل المدى فإن المتوقع قصور الاستفادة القصوى من عمليات الإعداد النفسي قصير المدى.
من المفترض أن اللاعب الرياضي العادي- الذي يمثل الغالبية العظمى من جموع اللاعبين الرياضيين- يتميز بالسلوك النفسي السوي، ولا يعاني من السلوك النفسي المرضي أو الاضطرابات النفسية الحادة. ولكي يمكن إعداد مثل هذا اللاعب الرياضي نفسياً للارتقاء بمستوى قدراته وإمكاناته النفسية إلى أقصى مدى تسمح به استعدادته، أي حتى يمكن الوصول به إلى مرحلة سلوك نفسي يطلق عليه سلوك فائق السواء، فعندئذ يحتاج اللاعب الرياضي إلى أخصائي نفسي يساعده على بلوغ هذا المستوى من السلوك النفسي.
والغالبية العظمى من اللاعبي الرياضيين يُنظر إليهم على أنهم أسوياء ولكنهم يحتاجون إلى الإعداد النفسي والتوجيه والرعاية النفسية والتدريب النفسي بواسطة أخصائي نفسي رياضي لكي يصبحوا في حالات أقصى السواء النفسي.
فكما أن المدرب الرياضي يحاول خلال عمليات التدريب الرياضي أن يصل باللاعب الرياضي إلى أقصى القدرات البدنية والمهارية التي تساعده على الوصول إلى أعلى المستويات الرياضية والأداء بأفضل هذه القدرات في المنافسات الرياضية.
وقد أشارت الخبرات التطبيقية أن المهني المناسب الذي يمكن أن يسهم في الإعداد النفسي للاعبين الرياضيين الأسوياء للتحرك من مرحلة السواء النفسي إلى المرحلة التي يطلق عليها “فائق السواء” هو الأخصائي النفسي التربوي الرياضي، يستطيع القيام بعمليات التوجيه والإرشاد النفسي للاعبين الرياضيين وتطوير سماتهم النفسية وإكسابهم المهارات النفسية المرتبطة بالرياضة ودافعية الإنجاز الرياضي وتطبيق أحدث الأساليب التي يمكن عن طريقها إعداد اللاعب نفسياً قبيل اشتراكه المباشر في المنافسة الرياضية.
قد يحدث في بعض الأحيان أن يواجه اللاعب الرياضي السوي مشكلات أو اضطرابات نفسية عميقة أو حادة مثل الأعراض العصابية أو الذهانية كالوسواس القهري أو الفصام أو الاكتئاب الحاد أو المخاوف الشاذة وغيرها، التي قد تكون نتيجة للعديد من الأسباب سواء من خارج أو من داخل المجال الرياضي.
وفي هذه الحالة فإن السلوك النفسي لمثل هذا اللاعب الرياضي يمكن أن يتجه ناحية السلوك غير السوي، وعندئذ يكون اللاعب الرياضي في حاجة إلى “العلاج النفسي”.
وينبغي ملاحظة أن مثل هذا النوع من اللاعبين الرياضيين الذين يعانون من مشكلات أو اضطرابات نفسية عميقة أو حادة والذين يخضعون للعلاج النفسي قد يمكن استمرارهم في الممارسة الرياضية في حالة عدم وجود مخاطر على أنفسهم أو على غيرهم. أما في حالة وجود مثل هذه المخاطر فعندئذ ينبغي عدم السماح لهم بالمشاركة الرياضية، وذلك في ضوء تشخيص الأخصائي النفسي لحالتهم النفسية.
والمهني المناسب للعلاج النفسي للاعبين الرياضيين الذي يتجه سلوكهم النفسي نحو عدم السواء قد يكون الطبيب النفسي أو الاستشاري النفسي أو أخصائي نفسي إكلينيكي، وهؤلاء الأخصائيون يكون لديهم تصريح رسمي من الجهات المختصة لمزاولة العلاج النفسي أو الاستشارة النفسية.
وقد أشار بعض الباحثين إلى أنه كلما تميز هذا النوع من الأخصائيين النفسيين بالمعرفة العلمية المناسبة في بعض مجالات علوم الرياضة وكلما كانت له خبرة سابقة في مجال الممارسة الرياضية؛ كانوا أقدر على مباشرة العلاج النفسي للاعبين الرياضيين.
كما أشارت العديد من المراجع العلمية وكذلك الخبرات التطبيقية أن هناك عدداً من هؤلاء الأخصائيين يعملون مع اللاعبين الرياضيين والفرق الرياضية في بعض البلدان الأجنبية ويطلقون عليهم مصطلح “الأخصائي النفسي الإكلينيكي الرياضي”.
والخلاصة أن مجال الرعاية النفسية للاعبين الرياضيين والفرق الرياضية في الوقت الحالي في العديد من بلدان العالم لم يعد حكراً على فئة معينة من الأخصائيين النفسيين ذوي الجذور العلمية المتباينة. ولكن المجال متسع لجميع الخبرات وأن المحك الرئيسي للحكم على فاعلية الأخصائي النفسي يكمن في النتائج العملية المباشرة لعمله مع اللاعبين الرياضيين أو الفرق الرياضية والتي تتمثل في اكتساب اللاعب الرياضي لسمة “السواء النفسي الفائق”.
ومن المؤسف حقاً وجود بعض المفاهيم الخاطئة- حتى وقتنا هذا- لدى بعض الدول، وخاصة الدول النامية والتي لا تؤمن إدارتها الرياضية أو العاملين بها من قادة رياضيين أو مدربين رياضيين باستخدام أخصائيين نفسيين للعمل في مجال الرعاية النفسية للاعبين الرياضيين أو الفرق الرياضية على أساس الفكرة الخاطئة للبعض بأن هؤلاء الأخصائيين مهمتهم الأساسية العمل مع “المجانين” أو “المتخلفين عقلياً” وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة التوعية بأهمية تواجد أخصائي نفسي رياضي لكي يسهم جنباً إلى جنب مع المدرب الرياضي والطبيب الرياضي والإداري الرياضي في الارتقاء بالقدرات والمهارات والسمات النفسية للاعبين الرياضيين لكي يصبحوا في أقصى حالات السواء النفسي.
وطوال السنوات القليلة الماضية وخلال اجتماعاتنا في مؤتمرات الجمعية الدولية لعلم النفس الرياضي كان النقاش الدائم يدور حول أهمية تفعيل دول الأخصائي النفسي الرياضي ومحاولة إقناع الدول بضرورة الاستعانة بهؤلاء الأخصائيين لمحاولة إيجاد التكامل بين الجوانب البدنية والحركية والمهارية والنفسية لدى اللاعبين الرياضيين للارتقاء بكل قدراتهم وطاقاتهم وبالتالي إمكانية الأداء الرياضي بأفضل ما يمكن.
وفي إطار هذا المفهوم قامت الجمعية الدولية لعلم النفس الرياضي بالكتابة إلى جميع اللجان الأولمبية الوطنية موضحة الأهمية القصوى لوجود مثل هذا الأخصائي النفسي الرياضي للعمل مع اللاعبين الرياضيين والفرق الرياضية.