“لوموند”: الهجرة والصحراء.. ملفان يقربان بين المغرب واليمين المتطرف في فرنسا
نشرت جريدة “لوموند” الفرنسية مقالا تحليليا يستعرض تاريخ العلاقة بين القصر العلوي في المغرب وحزب “التجمع الوطني” الذي يمثل اليمين الفرنسي المتطرف، والذي فشل فشلا ذريعا في الفوز بالدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي أُعلنت نتائجها مساء أمس الأحد.
وقالت الجريدة إنه بالرغم من مواقف حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف من قضايا مثل الهجرة وتبنيه خطابا يوصف بالعنصري، إلا أنه يبقى الحزب الي يضم أشد مؤيدي نظام المخزن في فرنسا.
وأضاف مقال الجريدة، التي دعت في إحدى افتتاحياتها السابقة إلى بناء سد ضد وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في باريس، أنه “على الرغم من أن صعود اليمين المتطرف يثير مخاوف مزدوجي الجنسية وشكوك الطلبة المغاربة الذين يشكلون أكبر جالية من الأجانب في الجامعات الفرنسية، فإن فرضية وصول “التجمع الوطني” إلى السلطة بعد الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الأحد 7 يوليوز، لا يمكن إلا أن تطمئن السلطات الشريفة حسب العديد من المراقبين”.
وأوضحت الجريدة أنه “من بين جميع الأحزاب المرشحة، يمكن لحزب مارين لوبان أن يثبت بالفعل أنه أقرب صديق للمغرب، على الرغم من أن النظام الملكي قد ضمن تعاطف الطبقة السياسية الفرنسية بأكملها”.
وأوردت الجريدة تصريحا لبنيامين بادييه، دكتور التاريخ المعاصر في جامعة باريس الأولى، يقول فيه: “إن النضال من أجل الاستقلال جمع على الجانب المغربي الكاثوليك المناهضين للاستعمار ورجال اليسار، لكنه عرف بعد ذلك تحولا إلى اليمين، وأبعد من ذلك، إلى اليمين المتطرف، بسبب التصلب الاستبدادي للنظام في عهد الملك الحسن الثاني”.
ولاحظ بنيامين بادييه أنه “على عكس الجزائر، تجري الإشادة بالمغرب لعلاقاته الجيدة مع فرنسا والغياب المفترض لأي حقد ما بعد الاستعمار. ويقال أيضا إن البلاد تتميز بنظامها الملكي واستقرارها وقدرتها على التحكم في تيارات الإسلام السياسي ، وكلها عوامل تروق لليمين المتطرف”.
“الحليف الأكثر موثوقية”
وذكر تقرير الجريدة الفرنسية أن جان ماري لوبان، مؤسس حزب “الجبهة الوطنية” قبل أن يتحول إلى حزب “التجمع الوطني” في عهد إبنته مارين لوبان، أعرب دائما من عهد مؤسسه الأول عند استعداده للاعتراف بـ “مغربية الصحراء”.
وأورد التقرير تصريحا على لسان عالم الجيوسياسية أيميريك شوبراد يؤكد فيه أن “حزب التجمع الوطني هو الحزب السياسي الفرنسي الوحيد الذي، إذا وصل إلى السلطة، سيعترف بمغربية الصحراء”.
وأيميريك شوبراد، وهو مسؤول سابق في حزب “الجبهة الوطنية ” قبل أن تتحول إلى حزب “التجمع الوطني”، ورغم أنه غادر الحزب في عام 2015، إلا أن هذا العضو السابق في البرلمان الأوروبي (2014-2019) يؤكد أنه يواصل دعم مارين لوبان، التي كان ذات يوم مستشارا لها غير رسمي للقضايا الدولية.
ويعتبر أمميريك شوبراد، المغرب “بلده الثاني” ، حيث يقول إنه يزوره منذ خمسة وعشرين عاما، ومن عام 2006 إلى عام 2009، قام بالتدريس في المدرسة الملكية العسكرية العليا (CREMS) في مدينة القنيطرة، ثم أعلن تأييده لحزب “الجبهة الوطنية”، ثم لـ “التجمع الوطني”، وذهب إلى حد التحدث في الأمم المتحدة للدفاع عن مصالح المملكة. وفي مقابلة مع موقع Le360 المغربي في 1 يوليو الجاري، كرر أيميريك شوبراد: “يعتبر التجمع الوطني أن المغرب هو الحليف الاستراتيجي الأكثر موثوقية وصلابة في المغرب العربي”.
من جانبه يقول المتخصص في شؤون إفريقيا برنارد لوغان، الذي يقول التقرير، أن الأوساط الأكاديمية الفرنسية تجادل على نطاق واسع في أطروحاته العرقية، إنه مقتنع بأن “الصحراء تنتمي إلى المغرب”، وقد جعل من هذا الموضوع مادة منتظمة للعمود الأسبوعي الذي كان ينشره على مدى السنوات الثلاث الماضية على موقع Le360 ، وقد نشر للتو كتابا يدافع فيه عن أطروحة “تقسيم الصحراء الغربية من طرف فرنسا وإسبانيا في حقبة الاستعمار”.
ويقول التقرير إن برنار لوغان ولد في مكناس، وكان يتردد على حركة أوكسيدون Occident ، ومثل أيميريك شوبراد، شغل مناصب مسؤولية في الحركة الفرنسية l’Action française ، ويؤكد أنه لا ينكر أي شيء عن “ميولاته الملكية” في سن الشباب. كان عضوا في المجلس العلمي لـ “الجبهة الوطنية” في نهاية ثمانينيات القرن العشرين ولا يزال موضع تقدير في دوائر معينة من ضباط الجيش الفرنسي، هذا الرجل كان ولا يزال معجبا بالمارشال هوبير ليوتي (1854-1934)، ويظهر من حين إلى أخر في المناسبات التي ينظمها “التجمع الوطني”، لكنه يرفض أن يوصف بأنه يميني متطرف ، مفضلا وصف نفسه بأنه “ملكي قديم”، مؤكدا أن “حياته السياسية توقفت في عام 1789”.
لكن في عام 2018 ، أعلن عن عضويته في مؤسسة “المجلس الوطني للمقاومة الأوروبية”، التي أسستها قبل عام الشخصية اليمينية المتطرفة رينو كامو ، صاحب نظرية “الاستبدال العظيم”. وعندما سئل الشخص المعني عن هذا الموضوع، ادعى أنها فقط “مزحة”. يقول: “أردت إرضاء رينو ، وهو رجل لطيف ، لكن هذا الانتماء لم يكن موجودا أبدا”. أما بالنسبة للشائعات التي كانت تقدمه خلال الحملة الرئاسية لعام 2022، كمستشار لإريك زمور في الشؤون الأفريقية ، فهو يرفضها تماما.
إن برنارد لوغان وكذلك أيميريك شوبراد يعلنان أنه ليس لهما وظيفة خاصة في المغرب، وهذا لا يمنعهما من تنشيط اللقاءات والمحاضرات. يقول المؤرخ إنه جاء ثلاث أو أربع مرات هذا العام “لإعطاء دروس”. في نهاية يناير، وأمام جمهور من الضباط المغاربة، تقاسم الرجلان المنصة في ندوة حول “الصحراء المغربية” نظمتها المدرسة العسكرية الملكية في القنيطرة .
أما عن أداء اليمين المتطرف الفرنسي في المغرب، يصور جان كلود مارتينيز، الذي كان نائبا لرئيس الجبهة الوطنية (1985-2008) ومؤلف مقال من المديح عن الملك في عام 2015 (محمد السادس، ملك الاستقرار، دار النشر غودفروي)، شبكة يتم نسجها حيث يستغل كل واحد شبكة علاقاته وفقا لتخصصه وخبرته. وقد بدأت شبكته عندما وصل إلى المملكة في عام 1976، بعد وقت قصير من “المسيرة الخضراء”.
“جان ماري لوبان غارق في الهدايا”
ويعود تقرير الجريدة الفرنسبة إلى عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عندما انتبه إدريس البصري، وزير الداخلية المغربي آنذاك (1979-1999)، إلى جان كلود مارتينيز، الرجل المتخصص في مجال الضرائب الذي أصبح “صديقه” والذي يقول إنه تعاون معه بشكل غير رسمي حتى وفاة الحسن الثاني عام 1999. وخلال مدة عقد من الزمان، استخدم ولاياته كعضو في البرلمان الأوروبي (1989-2009) لدعم الملك وكان هو ساعده الأيمن في ستراسبورغ، ويقول في هذا الصدد”: “كل القضايا الساخنة مرت بي، من الصحراء إلى طلب عضوية المؤسسات الأوروبية وقد كان جان ماري لوبان على علم بهذه التحركاتّ”.
ويٌذكِّر تقرير الجريدة بتصريحات للملك الراحل الحسن الثاني في القرن الماضي، أثلجت صدر اليمين الفرنسي المتطرف، ففي عام 1991، في برنامج “Face à la presse” على قناة TF1، أعلن الحسن الثاني معارضته لمنح حق التصويت للمهاجرين في فرنسا، وبعد ذلك بعامين، فعل ذلك مرة أخرى أمام الصحفية الفرنسية اليهودية “آن سنكلير” في برنامجها “7sur7”: “المغاربة في فرنسا لن يكونوا أبدا فرنسيين جيدين”. وعلق كاتب التقرير أن جان ماري لوبان، مؤسس “الجبهة الوطنية” ضَفَّق على الفور لهذه الكلمات.
أما عندما يتحدث جان كلود مارتينيز، عن الروابط الوثيقة التي أقيمت في ذلك الوقت بين “الجبهة الوطنية” والقصر الملكي، فتنتابه نوبة من الضحك عندما يكشف أن: “إدريس البصري أغدق على جان ماري لوبان الهدايا في حفل زفافه [بالسيدة جاني لوبان في عام 1991]. وعندما زار الحسن الثاني في عام 1990، كان استقباله استثنائيا. كان فريق الحزب بأكمله في البرلمان الأوروبي في عطلة مدفوعة المصاريف في جزر الكناري. أرسل لنا البصري طائرة نقلتنا إلى الداخلة، ثم إلى الرباط. كان الترحيب حماسيا ودافئا. عشنا أسبوعا من الاحتفالات والمتعة، وكان القصر الملكي بأكمله حاضرا. من الصعب أن نتخيل أن هناك من يقدم الجبهة الوطنية كحزب عنصري وكاره للأجانب.”
كما يكشف جان كلود مارتينيز أنه كان يعمل ،على مدى عدة أشهر ، للنجاح في تأمين استقبال مارين لوبان من طرف الملك محمد السادس. بالطبع ، يعترف بأنها لن تحصل على نفس المعاملة التي يتلقاها والدها ، لكنه لا يزال جازما : “مارين ترغب في ذلك وعلى جانب القصر لا يوجد رفض من حيث المبدأ. إنه شيء سيحدث يوما ما، وهذا أمر مؤكد.”