غاباتنا تحترق/ بقلم هاجر ميموني

يأتينا الصّيف في كلّ سنة، وعلى ثقله، إلاّ أن معظم النّاس ينتظرونه بلهفة، ففيه يستفيد معظمهم من عطلهم السّنوية، لتستريح نفوسهم من عناء سنة كدّ وعمل وتعب عضلي وفكري، وكما يستفيد تلاميذنا وطلاّبنا من عطلتهم المدرسية، وهي العطل التّي يبدأ التّعطش للاستفادة منها بداية مع شهر ماي من كلّ سنة، وما يتبادر للذّهن عند ذكر الصّيف والعطل، شواطئ بحارنا الجميلة ومتنزهات غاباتنا.

كما يتبادر لذهننا تلك الأيّام الصّعبة واللّيالي الحالكة التّي مرّت خلال السّنة الماضية على مواطنينا في العديد من ربوع الوطن حين اندلعت النّيران في غاباتنا وأدّت بلفحاتها إلى وفاة العديد من المواطنين ـــــ رحمهم الله وطيّب ثراهم ـــــ كما تسبّبت تلك النّيران في خسائر مادّية معتبرة من الثّروة الحيوانية والنّباتية.

إنّه لأمر محزن جدّا أن يتكرّر هذا الأمر، ويؤدّي إلى وفاة مواطنين رحمهم الله وطيّب ثراهم تشبّثوا بأراضيهم في الأرياف والأماكن القريبة من الغابات، يكابدون العيش بعرق الجبين، لم تستهوهم المدينة وبهرجة أضوائها للرّحيل والهجرة إليها، يغرسون في أراضيهم الأشجار المثمرة التّي تمد أسواقنا بأحسن الثّمار وأجودها ويمدّون أسواقنا بأجود الزّيوت، ويربّون الأنعام ويتعبون في تربيتها فيسهمون في المنتوج الوطني من حليبها ولحومها وجلودها، ويربّون خلايا النّحل ويعتنون بها، ليجنوا منها عسلا شفاء للعديد من الأمراض. وإنّه لمحزن حقّا، وفاة نفوس بشرية في الحرائق الأخيرة التّي عاشتها الجهة الشّرقية من وطننا، فالنّار أبت على نفسها بألاّ تكتفي بالتهام الثّروة الغابية.

يعرف عامّة النّاس لما للشّجرة التّي تتشكلّ منها الغابة من فوائد، فهذه الشّجرة المخضرّة في فصل القحط، تفرّ إليها النّفوس من لفح حرارة الشّمس وتحتمي من ضربات الشّمس تحت ظلالها، و يمتصّ اخضرار أوراق الشّجرة كميات من رطوبة الجو فيتعدل المناخ، وكما يعرف النّاس بالطبيعة، بأنّ كلّ نبات حافظ على اخضراره في فصل الصّيف تميل إليه نفوسهم، وكلّ اخضرار في هذه الأيّام الصّيفية يوحي بوجود مناخ مُعدّل لحرارة الشّمس ومُمتصّ لرطوبة الجوّ، ولمّا يفعل ذلك، يوفّر تعديلا في مزاج النّاس الصّيفي.

ولما كان للشّجرة والغابة والاخضرار هذه الأهميّة والفوائد النّفعية التّي تعود على النّاس، فما وجب ويجب علينا إلاّ الحفاظ عليها في كلّ الظّروف، فالعمل الإنساني مهمّ في نماء ثروتنا الغابية، كما للفعل الإنساني عمل مهمّ في الحفاظ على جغرافيا غاباتنا ونباتاتنا، وإن كان لكلّ شيء قانونه الخاص أو قل أخلاقياته، فإنّ للتّخييم والتّنزه والتّجول في الغابة والأماكن المخضرّة، له أخلاقياته وقوانينه، وهي من أبسط الأشياء المتعارف عليها ولا تتطلّب مستويات عليا من الدّراسة، ففي مثل هذا الوقت الصّيفي وجب التّحلي بها بل يجب على كل واحد إلزام نفسه بها، ومعروفة من مثل عدم إقامة ولائم شواء، عدم إيقاد كوانين لأيّ غرض، التّعامل بدقة مع أعقاب السّجائر، عدم ترك المواد السّريعة الالتهاب، وغيرها، لأن مثل هذه الأشياء تكون في معظم الأحيان السّبب المباشر في اندلاع الحرائق، وإن تحلّى النّاس بها، يبقى العامل الطّبيعي في الحرائق ضعيفا، و إن القضاء على حرائق الغابات مسؤوليتنا جميعا.

أمّا الفعل العمدي في إضرام النّار فوجب التّعامل معه بقوانين الجمهورية بكلّ جزم، لأنّه فعل لا تبرره الشرائع الدينية والأخلاقية والقانونية و لا علاقة له بالانسانية.

بقلم: هاجر ميموني