بعثت فرنسا بوزير خارجيتها جون إيف لودريان، في زيارة إلى الجزائر لم يتم الإعلان عنها حتى اللحظة الأخيرة، ورغم أن الكيدورسي “وزارة الخارجية الفرنسية”، أوضح بأن الأمر يتعلق بزيارة عمل وتقييم ولإحياء العلاقات، كما أشار لودريان بأنه سيلتقي نظيره الجزائري رمطان لعمامرة والرئيس عبد المجيد تبون، إلا أن عودة العلاقات إلى سابق عهدها لن يكون بهذه البساطة التي تسوق لها فرنسا من خلال الزيارة.
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان دعا إلى عودة “العلاقات الهادئة” بين البلدين بعد التوتر الشديد الذي شهدته منذ أكثر من شهرين، وقال بعدما استقبله الرئيس تبون: “أتمنى أن يعود بلدانا إلى نهج العلاقات الهادئة وأن يتمكنا من التطلع إلى المستقبل”.
هذا الكلام من الدبلوماسي الفرنسي المخضرم لن يعدو أن يكون مجرد خطوة أولى لا يمكن البناء عليها لتصحيح ما أفسده رئيسه ماكرون، الذي رأى في تصريحات له نقلتها صحيفة لوموند الفرنسية في أكتوبر الماضي، أن “الجزائر بُنيت بعد استقلالها في 1962 على ريع للذاكرة كرّسه “النظام السياسي-العسكري”، كما أنه شكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وقال إن “حكام الجزائر أعادوا كتابة التاريخ الاستعماري الفرنسي للبلاد بمرجعية نابعة من كراهية فرنسا”.
هذه التصريحات الخطيرة لم يمكن للسلطات العليا في البلاد السكوت عنها، وقتها، فجاء قرار سحب السفير وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية باتجاه مالي والنيجر إلا لظروف إنسانية تتعلق بنقل الجرحى.
وحتى ولو أن لودريان، وكما أكدته مصادر، يكون قد بحث، خلال زيارته، مسألة إغلاق الجزائر أجواءها أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المشاركة في العمليات العسكرية في الساحل الإفريقي ومالي، حيث تم إطلاق مشاورات بهذا الشأن، إلا أنه لا اتفاق بين البلدين حتى الآن على إعادة فتح الأجواء، أو حتى حول عودة السفير الجزائري إلى مقر عمله بباريس.
من الواضح جدا أن فرنسا لم تقدم إلى الآن، وحتى بعد زيارة وزير خارجيتها، بخصوص ملف “تصريحات ماكرون” ما يثبت حسن نيتها بتصحيح العلاقات المتأزمة، حيال النقاط التي وردت في هذه التصريحات المشينة والتي ترتبط بالذاكرة الجزائرية، فبالإضافة إلى أنها أكدت تلاعبا من جانب فرنسا وتنصلا من مسؤولياتها التاريخية بخصوص الاعتذار عن جرائمها الاستعمارية والتطرق إلى المسائل والمواضيع المهمة على غرار الأرشيف الجزائري الموجود بفرنسا والتجارب النووية في الصحراء الجزائرية وغيرها، لا يمكن للجزائر أن تقبل بمجرد زيارة لم ترق إلى الشروط التي حددها الرئيس تبون لعودة العلاقات إلى طبيعتها.
رئيس الجمهورية أكد حينها أنه لن يقوم “بالخطوة الأولى” لمحاولة تخفيف التوتر مع فرنسا، كما أنه أوضح أن العلاقات معها يجب أن تكون مبنية على الندية والاحترام المتبادل، وأن الجزائر لن تقبل أن تكون تحت جناح فرنسا، بالطريقة التي تتصورها الأوساط الاستعمارية الفرنسية، التي يبدو أن ماكرون ينتمي إليها بعد أن فضحته تصريحاته، فهل يكون ماكرون قد فهم رسالة الرئيس تبون؟ والأهم من هذا كله هل سيقدم ما جاء فيها من شروط لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها؟
أحمد عاشور